فعلا فعلا بقضى ساعات بتأمّل آراء الناس فى المواضيع السياسية فى معظمها، اللى بتدور بينهم دلوقتى على تويتر والفيس بوك وتعليقا على مقالات النسخ الإلكترونية من الجرايد؛ وبالرغم من كثرة كلام الشباب دول أنفسهم عن ازّاى مطلوب من الجميع محاولة توعية رجل الشارع بالمسائل المتعلّقة بالديمقراطية، واحترام الاختلاف وتقدير الآخر إلخ إلخ، إلا إنّك تقرا التعليقات دى، اللى بيكتبها كلّها ناس متعلّمين، أغلبهم خرّيجين جامعة وناس عندهم كمبيوتر وإنترنت والمفروض إن أغلب أغلبهم بيمثّلوا أحسن ما أنتجت الطبقة المتوسطة المصرية، تَفزَع الحقيقة، أنا شخصيّا بَفزَع، وكل مرّة!؛ مش بس عشان فيه نسبة منهم بتسب وتشتم وكده، لأ مش هى دى المشكلة، دى مشكلة متعلّقة بالتربية أكتر، المشكلة كما أراها متعلّقة بالتعليم فى الحقيقة؛ فى الطريقة المتعصّبة لرأيها على الدوام، فى إنّهم بيهاجموا أى فكرة مختلفة عمّا يؤمنون به ويُصدّقونه زى مايكونوا بيهاجموا التتار. أغلب الناس مش شاكّين فى أى حاجة هم مصدّقينها، كل واحد مُعتبر قناعاته هى الحقيقة المُطلقة والوحيدة. وزد على ذلك ما يأتى مُصاحبا لكل ده من تكبُّر وإستعلاء وادّعاء أفضلية، وسوء نية فى الآخرين، مش معقول! كل واحد عايز يخرس كل الناس التانيين إلّا اللى بيقولوا كلام على هواه ومزاجه! والموضوع مش خلاف أيديولوجى وكل واحد بيدافع عن وجهة نظره فى مسألة من المسائل لأ، فى أغلب أغلبها هى كده فعلا؛ رغبة فى إخراس الأصوات الأخرى. وبعدين لمّا «حفرت» كده يادوب حملين تراب، لقيت سبب واضح جلى للظاهرة دى (وأكرّر أنّها ظاهرة وواسعة الانتشار كمان) والسبب هو إن هى دى الطريقة اللى إتربّى عليها السواد الأعظم من الشباب دول فعلا وعلى إختلاف أعمارهم؛ ما هو لمّا واحد يقعد طول عمره كل ما ييجى يقول رأيه فى البيت أبوه يخرسه، ولمّا يقول رايه للمدرّس يخرسه، ولو كتب رأيه فى الامتحان يسقط، ولو قال رأيه فى الجامعة أمن الدولة تظبَّطه، ولو قال رأيه لأصحابه يتّريقوا عليه (معلش أصلنا دمّنا خفيف وبنحب التريقة والهزار وكده!) لمّا يعيش البنى آدم عمره كلّه كده مش مسموحله يبقى عنده صوت، أكيد فيه حاجة بتبوظ فيه. ولمّا يحس بقوة صوته قد يسيء إستعمال تلك القوّة؛ بس مش معنى كده اننا نفضل واقعين فى الحفرة دى على طول. أنا مثلا بصراحة بطّلت أقرا التعليقات على مقالتى فى صفحة الجرنال عالفيس بوك، مش عشان بتضايق من الشتيمة بشكل شخصى، أبدا، الموضوع أكبر من كده بكتير، بَتخض، ببقى مش عارف حنعمل إيه كلّنا فى الحكاية دى. هل الزمن وحدُه كفيل بإصلاح ما أفسدته عصور الظلام؟ هل حنقعد نستنّى التعليم والإعلام يتصلّحوا عشان يطلّعوا منتج مختلف من الناس بيعرفوا يسمعوا؟ هل كل شوية الواحد يفضل يتكلّم عن الموضوع فى مقالة ولّا حلقة ولّا لقاء؟ بس برضه افكّر واقول؛ هو لو فيه حد أصلا داخل بيشتم كاتب مقالة لأنّه بيقول كلام مش عاجبه، يبقى إزّاى حيسمعه بقه وهو بينتقده هو شخصيا وعايزه يغيّر من نفسه! المهم انّى برجع كالعادة واقول أنا حعمل اللى عليّ واللى أقدر عليه، وماليش دعوة بالنتيجة. وبعيدا عّنى، كيلا تُشَخصن المسألة، أرجوكو تعالوا جميعا نعترف إن فيه حاجة فعلا مش مظبوطة لمّا تقرا مقالة لعلاء الأسوانى ولّا بلال فضل ولّا أى اسم إنت عايزه، وتلاقى شتايم قذرة فى التعليقات اللى على الصفحة «الإلكترونية» «لجرنال» «بعد الثورة» اللى قامت عشان تنوّر مصر بدل ظُلمة الفساد اللى عاشت فيها السنين العجاف الطويلة! أوّل ما يقروا كلمتين مش عاجبينهم ينهالوا على «الكاتب» بالسُباب أحيانا أو على الأقل بحاجة كده أشبه بالتهزيق ومحاولة التقليل من شأنه وسحق رغبته فى الكتابة إن أمكن. ولو مافيش سُباب بقلّة أدب، بيبقى فيه رفض للاستماع والمناقشة منقطع النظير؛ أمّال بتقرا ليه لو ماعندكش إستعداد تفكّر أو تتناقش!؟ أصحاب الأقلام والأفكار المُعارضة للتيّار العام بيبقوا متعوّدين على كده كلّهم، مابيرموش الاقلام ويجروا يعنى ولا حاجة، لكن يبقى الوضع فعلا مُقلق. الكلام ده كلام يمكن مكرّر ومُعاد ويمكن كل اللى بيقروه حافظينه، بس مش عارف، ما باليد حيلة غير دي؛ البنى آدم يا إخوة ويا أخوات مر عبر تاريخه الطويل بمئات المراحل بل آلاف، حصل فيها انه كان بيصدّق وبيعتقد وبيؤمن بأفكار أثبت المستقبل اللى جه بعدها إنّها كانت أبعد ما يكون عن الصواب. التعصّب لأى فكرة فى الدنيا مضر مش مفيد، والحوار اللى مش مبنى عالاحترام وتقدير الآخرين، وبالذات المختلفين مع أفكارك، مش حوار بل أقرب إلى خناقات سوق الخضار، لا يستفيد منها أى حد، ولا المشتركين فيها ولا غيرهم، بل كمان ضررها أكيد.. اللى بياخد أى إنتقاد لأفكاره على إنّه عداء لشخصه، بلاش يبقى عنده أفكار أحسن! اللى فاكر إنّه عشان عنده توجّه أو ميل ناحية إتجاه أو رجل سياسة أو فكر بعينه، فأى حد ينتقدهم أو ينتقد ما يؤمنون بيه، يبقى عدوّه اللدود؛ بلاه دعمك ده! إلعب كورة أو طاولة أو كُل بطّيخ واتكلّم عن ترميلته وطعمه اللذيذ أفيدلك وأفيدلنا! ماعندناش 30 سنة تانيين نضيّعهم فى علاج الأمراض النفسية اللى لحقت بينا فى التلاتين سنة اللى فاتوا! نستوعب الدرس ونتّفق كلّنا على اننا نسمع بعض من غير عناد وقفل دماغ وتعصّب، ونفكّر فيما نَسمع، زى ما هو مفروص وطبيعى ومنطقى.. عتيزين نعرف بس «نبدأ» نتحرّك لقدّام! وربّنا معانا إن شاء.. وأن كُنّا نستاهل المصدر : جريده التحرير