فى مهرجان «فينسيا» يعرض فى الحادية عشرة من صباح اليوم فيلم «الطيب والشرس والسياسى» ممثلا للسينما والثورة المصرية.. إدارة المهرجان وقع اختيارها على هذا الفيلم مثلما اختار مهرجان «كان» فى دورته الأخيرة، التى أقيمت فى شهر مايو فيلم «18 يوم».. لم يصل الفيلم الذى يتكون من عشرة مقاطع شارك فى إخراجها عشرة مخرجين إلى طموحنا ولا إحساسنا بهذا النبل والإيثار الذى كان هو أهم ما أظهرته الشخصية المصرية فى أثناء الثورة، بل كنت أرى فيه أحيانا محاولات البعض إبراء ذمته الثورية، إضافة إلى أن اللهاث الذى يصل إلى حدود الاستسهال والسربعة كان هو الطابع المميز لأغلب أجزاء الفيلم العشرة.. أما فيلم «الطيب والشرس والسياسى»، الذى أتيح لى رؤيته قبل ساعات من سفر النسخة إلى «فينسيا»، فأنا أرى فيه حالة إبداعية حقيقية لعمل فنى يرصد ويحلل ويمنح المتلقى أيضا مساحة لكى يرصد ويحلل، فهو فى أجزائه الثلاثة يترك للمتفرج مساحة للإضافة والتحليل.. الفيلم استوحى عنوانه من الفيلم الإيطالى الشهير «الطيب والشرس والقبيح» 1966 إخراج سيرجيو ليون.. يقع فى إطار ما أطلق عليه الويسترن الإيطالى الاسباجيتى، وهى أفلام تسخر من أفلام الويسترن (الغرب الأمريكى)، الفيلم المصرى حافظ على «الطيب» واعتبره الشعب، و«الشرس» جهاز الشرطة، أما القبيح فتم تغييره إلى السياسى وهو حسنى مبارك.. تغيير المقطع الثالث جاء فى اللحظات الأخيرة خوفا من أن يصدر المخرج حكما قاطعا من البداية على مبارك، رغم أنه قدم حكما مسبقا على الشعب «الطيب»، والشرطة «الشرس»، هذا الجزء بالمناسبة يدين المخلوع منذ اللقطة الأولى، ولكنه أراد أن لا يكون مباشرا فى العنوان، ولا أدرى كيف تستقيم الأمور بين الإدانة المباشرة للشرطة بوصفها الشرس ثم الحياد فى العنوان لمن أمر الشرطة بالشراسة؟! فى الجزء الأول يقدم المخرج تامر عزت الشعب «الطيب» الذى تحمل الكثير، اختار عناصر من الشباب الذين كانوا من علامات الثورة كل منهم يروى حكايته تستطيع أن تقول وأنت مطمئن إن لا أحد توقع رحيل النظام فى اليوم الأول، بل لا أحد اقتنع أن يوم 25 يناير سوف يصبح هو فجر الثورة، إلا أن من حضره أيقن أن فجرا جديدا يطل على مصر.. 28 يناير (جمعة الغضب) يوم لا ينسى فى تاريخ الثورة عندما تأكد الجميع أن لا عودة لما قبل 25 يناير.. الخطب التى كان يرددها المخلوع خلال تلك الأيام كانت تقابل برفع الأحذية فى مواجهة صورته، خصوصا خطبة 10 فبراير التى انتظر الناس أن يقول لهم فيها إنه سيتنحى نهائيا إلا أنهم فوجئوا به يتحدث باعتباره لا يزال صاحب قرار.. الجزء الثانى الذى أخرجته آيتن أمين أراه وثيقة إدانة ضد مبارك والعادلى تؤكد ضلوعهما فى جريمة قتل المتظاهرين.. سجلت آيتن عديدا من الحوارات مع رجال شرطة ورجال أمن دولة تحدثوا مباشرة عن تعليمات جاءت إليهم بالضرب فى المليان.. أنتظر أن ينتقل هذا الجزء من مهرجان «فينسيا» إلى ساحة القضاء لتعيد المحكمة مناقشة شهود العيان من الضباط الذين سجلوا شهادتهم صوتا وصورة!! الجزء الثالث أخرجه عمرو سلامة باسم السياسى، فمن السياسى؟ هل كان مبارك رجلا سياسيا؟! الفيلم ينفى عنه ذلك تماما، فلقد كان مغيبا حينا وغائبا حينا.. استعان الفيلم بروشتة كيف تصبح ديكتاتورا المكونة من عشرة مقاطع أطرفها الصبغة السوداء، وهى التى حللها د.أحمد عكاشة باعتبارها نوعا من التحايل على الزمن وخداع الناس.. الإذاعى وجدى الحكيم أكد أن الجميع كانوا ينافقون مبارك مثل صفوت الشريف، وفتحى سرور، ويضعون على رؤوسهم نفس النوع من الصبغة. الفيلم خصوصا فى جزئه الثالث يذكرنا بما كان يقدمه المخرج التسجيلى الأمريكى مايكل مور فى أفلامه من نقد لاذع يصل إلى حد اتهام بوش بالغباء.. إنه حتى الآن هو أهم عمل فنى استلهم روح الثورة.. الأهم أنه وثيقة إدانة قانونية لكل من اعتقد أنه من الممكن أن يأمر بقتل شعبه ويفلت من العقاب!! المصدر : جريده التحرير