جمعة "لم الشمل" , جمعة "الارادة الشعبية" ... شعارات كنا نتمني رؤيتها علي ارض الواقع . لكن - و في الواقع – كانت هذه الجمعة هي "جمعة العنصرية"! انتقادات, انتقادات واتهامات بالتكفير طالت كل المؤيدين للثورة في فترة ما قبل تنحي الرئيس السابق. انتقادات قادتها التيارات السلفية المتشددة ضد مطالب التغيير بدعوي "عدم جواز الخروج علي ولي الأمر " او " وجوب طاعة ولي الأمر " و ما الي ذلك . و بغض النظر عن اختلافنا او اتفاقنا مع هذه التوجه , الا ان الاخلاقيات العامة تحتم علينا احترام الرأي الأخر . و بالتالي فلا مانع من ان تعارض القوي السلفية الثورة طبقاّ لتوجهها الفكري التي تراه مناسباّ . ولكن الأمر السيء , و المتوقع من تلك الفصائل , ان تغير تلك التيارات وجهتها و رأيها فجأة , بعد سقوط الرئيس السابق , و ذلك دون ان تعتذر او تعلن عن اسباب تغير توجهها و فكرها الذي اصبح –فجأة- مؤيداّ للثورة . اما الأسوء هو ان يدعي هؤلاء انهم "حماة الثورة" و انهم كانوا معها منذ البداية ! فأبسط وصف لهذا الأمر هو الاستخفاف بعقول المواطنين و التأكيد علي انعدام الوعي لديهم . بل ان مثل هذه التصريحات تدل علي ان تلك التيارات تري ان الشعب غير قادر علي تذكر ما قالته التيارات السلفية سابقاّ , و هو تأكيد علي سياسة الخداع و التضليل التي تتبعها التيارات الاسلامية منذ ايام حسن البنا و حتي الاستفتاء الدستوري! جهود , جهود و مفاوضات شهدتها الساحة المصرية في الأيام القليلة الماضية , املاّ في توحيد الصف المصري و رغبة في الاتفاق علي عدة مطالب اساسية تعبر عنها "كافة" اطياف و تيارات الشعب , دون ذكر اي شعارات او مطالب تخدم تياراّ بعينه. و كعادتهم , قامت القوي المتشددة بنقض كل ما تعاهدوا علي فعله , و قلبوا جمعة "الوحدة" الي جمعة "التفرقة و العنصرية" , فقاموا برفع اعلام للتيارات المتشددة , و من اهمها الراية السوداء " راية الجهاد " و كأن بقية من في الميدان هم "كفرة" و "مضللين" , كما يزعمون ! ايضاّ , فأنني اري ان رفع اعلام كالعلم "الوهابي" للسعودية هو بمثابة خيانة عظمي للاخلاقيات المتبعة في الميدان منذ قيام الثورة . فلطالما كانت الثورة مصرية الهوية , و ليس من المقبول ان ترفع اي راية غير الراية "المصرية" في ميدان التحرير "المصري" , الذي ابهر العالم بالثورة "المصرية" . تضليل , تضليل و تشويه متعمد لصورة كل من تسول له نفسه ان ينتقد الفكر المتطرف . تشويه و تكفير , و تضليل للشعب الطيب الذي مازال يثق في كل من يذكر الله و الرسول , علي اعتبار انه يخاف الله و يسعي لخير العامة و ليس لمصالحه الشخصية ! استخدام جامد لاّيات قراّنية كانت موجهة في الأصل للكفار الذين يودون تدمير الدولة الاسلامية , و استخدامها ضد كل من له رأي مخالف للرأي السلفي المتشدد . تنظيم , تنظيم قوي و قاعدة جماهيرية واسعة – مبنية علي التضليل الذي تجيده تلك التيارات – هي العوامل التي سمحت لهم ان يستخدموا تلك اللغة الاستفزازية العنصرية . فهم ان كانوا في موقف ضعف , نافقوا من هم في موقف القوة (كما كان الحال في ايام النظام السابق) . اما اذا اصبحوا هم في موقف القوة , فسيقوموا بتشويه كل من يعارضهم , حتي يقضوا عليهم تماماّ (كما هو الحال الأن) . الخطر , الخطر هو ان تستمر التيارات الاسلامية المتشددة في سياسة رفض الأخرين التي تتبعها حالياّ , و يستمر اقصاء التيارات السياسية المختلفة بفعل قوة التشويه و التكفير السابق ذكرها , فينتهي الأمر بأن تتحول "الثورة الشعبية" الي "ثورة عنصرية" . احترام , احترام الرأي الأخر هو ما نحتاجه في الفترة القادمة . التأكيد علي ضرورة قيام الدولة علي اساس المواطنة و احترام حريات الأخرين هو ما نحتاجه في الأيام المقبلة . اما ان نري اشخاصاّ اعتبروا انفسهم رسلاّ و اولياء امور للشعب , فهو الأمر الذي نرفضه تماماّ . فلسنا في حاجة الي سياسي يأمر و ينهي كأنه اله ! و انما نحن في حاجة الي يعود الأزهر الشريف لأزهي عصوره , ليدعم الاسلام الوسطي القائم علي القياس و قبول التعددية في المذاهب , فيخلصنا من السلفية الوهابية المتطرفة التي باتت كابوساّ يطل علينا و يقلقنا علي مستقبل بلادنا . الحل , الحل هو ان نبحث قليلاّ في اصول تلك التيارات , مثل تاريخ حسن البنا او تاريخ الحركة الوهابية في السعودية , لنجد ان سماتهم الرئيسية هي الوصولية و الانتهازية و الغدر , و افكارهم الدينية قائمة علي الجمود و عدم الاعتراف بضرورة مواكبة التطور العصري من خلال مبدأ القياس المتعارف عليه في الفقه الاسلامي . عندئذ , فربما يكتشف من خدعوا بالشعارات الدينية الزائفة حقيقة من يتبعون , فيحكموا عقولهم و يتذكروا ان الله قد ختم رسالته بمحمد , و ان ما من رسول و لا واصي ديني علينا من بعده , صلي الله عليه و سلم