خالد منتصر يكتب | إبراهيم أصلان ومكتبة الأسرة

اختيار الأديب الكبير إبراهيم أصلان لرئاسة لجنة مشروع مكتبة الأسرة هو اختيار صادف أهله، اختيار موفق لمثقف متميز مستقل لا يرضى إلا بأن يكون واحداً من الكتاب لا من الكتبة، وواحداً من حملة مشاعل العقل والتنوير لا مباخر النفاق والتزوير! روائى مبدع ظل مخلصاً طيلة حياته للإبداع قديساً وراهباً فى محراب الفن، لم تسجنه وظيفة ولم يسل لعابه لمنصب، الاستقالة عنده بسيطة بساطة التنفس، والزهد لديه حائط صد ضد التجنيد والشراء والبيع، يكره الثرثرة والنميمة، لغته مختزلة تلغرافية ورثها من عمله فى مكتب البريد، عندما حدثت أزمة رواية «وليمة لأعشاب البحر» ظن غربان التطرف وخفافيش الظلام أن هذه هى فرصتهم لذبح أصلان، ولكنهم كانوا لا يعرفون أن المبدع هو كالعنقاء عندما تظن أنك قد قتلته بنار الكراهية والتعصب وحولته إلى رماد، إذا به يفاجئك ويخرج من الرماد يحمل شباب الإبداع وبكارة الابتكار وحلم البراءة الأولى.
أهمية اختيار المشرف على مشروع مكتبة الأسرة تنبع من أهمية المشروع نفسه، فلا أحد ينكر ماذا فعلت مكتبة الأسرة لكثير من محبى القراءة، والأهم ماذا فعلت لمن كان عدواً للقراءة؟ فهى قد شجعت الكثير من الشباب الذى لا يستطيع دفع خمسين أو مائة جنيه فى كتاب على أن يشترى ويقرأ ويستمتع ويفكر بجنيه أو بثلاثة جنيهات فقط!! والكثير من المصريين لم ينشئ مكتبة فى بيته إلا بفضل مكتبة الأسرة، وقد أدى د. فوزى فهمى، الأب الروحى للمشروع فى طبعته الأخيرة والمشرف السابق عليه، دوراً فى غاية الأهمية دون أى بروباجندا إعلامية عن نفسه، فهو الوحيد تقريباً من بين مسؤولى وزارة الثقافة الذى يرفض اللقاءات التليفزيونية، وكانت لديه رؤية تنويرية وحماس يغلفه التنظيم العقلى الصارم الذى طالما أنقذ هذا المشروع من عثرات كثيرة، ولا يمكن أن نغتال هذا المشروع القومى العظيم لمجرد أن من كانت تدعمه هى سوزان مبارك!! وفرق كبير بين المحاكمة والحساب، وبين التشفى والانتقام والتربص، فالمخطئ يحاسب على أخطائه فقط بسيف القانون، أما سيف التشفى فهو يحصد رقبة الطالح والصالح أيضاً.
اختار إبراهيم أصلان أعضاء لجنته بذكاء وحصافة وتجرد من أى مصالح أو تربيطات، من يقرأ الأسماء يدرك فوراً مدى احترامها وجديتها وتميزها فى مجالاتها، منهم الناقد السينمائى كمال رمزى والفنان التشكيلى عادل السيوى والدكتور أحمد شوقى وعبلة الروينى ود. وحيد عبدالمجيد والمترجم البارع طلعت الشايب، صاحب البصمات المتميزة فى عالم الترجمة ومشروع الألف كتاب، وغيرهم من أصحاب القلم والفكر الشرفاء، كلها أسماء مطمئنة مستنيرة تجعلنا متفائلين بميلاد مكتبة أسرة ستكون بالفعل مكتبة لكل الأسرة، ولكن لى بعض الملاحظات التى أتمنى أن تكون محوراً للنقاش فى لجنة المشروع.
مكتبة الأسرة يجب ألا تغفل دور الطفل كفرد أساسى فى الأسرة ربما يحتاج إلى تثقيف وقراءة أكثر فى مرحلة التشكل، ولذلك فالاهتمام بزيادة كتب الطفل وجودتها على مستوى الشكل شىء مهم، كذلك إعادة التوازن المفتقد بين الثقافة العلمية والأدبية، فقد طغت كتب الشعر والرواية والقصة على كتب العلم وتبسيط الثقافة العلمية، نحن لا ننكر قيمة الكتب الأدبية، لكن أيضاً يجب ألا تكون على حساب العلم وتنمية ملكة التفكير النقدى، ويجب أيضاً ألا تستنزف ميزانية المشروع فى كتب التراث ذات الأجزاء وإلقاء هذه المهمة على عاتق هيئة الكتاب التى تتولى ما أطلق عليه التصنيع الثقافى الثقيل، وأخيراً على مكتبة الأسرة ألا تطبع الكتب بطريقة التصوير من الكتاب الأصلى فقط، ويجب عليها فتح نوافذ إخراج فنى جديد متميز لهذه الكتب بطريقة تجعل السلسلة متناسقة، ليس من ناحية الغلاف فقط ولكن أيضاً من ناحية شكل ومحتوى الكتاب الداخلى.