نعم لم يسكت دهرا.. وما زال ينطق كفرا».. يا ساتر! مع الأسف قائمة الأسماء التي تنطبق عليها هذه الأوصاف تزداد طولا يوما بعد يوم. وإذا كان فعلا «اللي اختشوا ماتوا» فعفوًا، أسماء هؤلاء من المجربين والمتلونين والمنافقين والمطبلين لم نقرأها بعد في صفحة الوفيات! ولسه عاملين هيصة وزمبليطة. وسواء اعتبرنا «كلام جرايد» وصفا أو اتهاما أو شتيمة ف«إحنا اللي جبنا لنفسنا التهمة واللعنة» كما يقول أحد الصحفيين. أهي مبالغة .. «جلد للذات» أم «اعتراف بالحق»؟! وطبعا «مش كل حاجة هتتصلح بتغيير المانشيتات أو توضيب الصفحات أو بنشر تصويب أو اعتذار أو تكذيب دحضا لافتراءات أو تفنيدا لمزاعم». ويا ريت ننسى شوية حكاية «المؤامرات التى تحاك ضدنا». وإذا كانت البلد «مش ناقصة جرايد» فإن الجرايد (اللي طالعة واللي نازلة كمان) ناقصها حاجات كتيرة.. وأكيد لا يكفي الحديث عن «مناخ الحريات» أو التغني بثورة 25 يناير لإغراقنا بطوفان من تسريبات و«وثائق» وأسرار وتفاهات وسفاهات و«أي كلام» يدوشنا ويتوهنا ويشلنا ويكسحنا ويسرح بينا. وطبعا لست في حاجة إلى تذكير أهل المهنة بأن الجرنال مش ده دوره أو مسؤوليته أو مهمته خصوصا في عصر الإنترنت والفيسبوك والتويتر. وما دمنا نعيش، أو نريد أن نعيش في زمن «الشعب يريد» ونسعى أن نجعله أيضا زمن «فلا بد أن يستجيب القدر»، فإن المطلوب والمرجو والمراد والمنتظر ببساطة هو صحافة جديدة ومتجددة تتناسب وتتوافق مع متطلبات الزمن القائم والقادم وتفي أيضا باحتياجاتنا (لسه الأحلام ممكنة). ومن دون مقدمات ودون «بعد إذن حضرتك» وعملا بالمفهوم العصري الشبابي «هات الموضوع من آخره» فإن ما نقرؤه اليوم من الصحف بشكل عام (هنعمل إيه؟ مفيش غيرها) في رأيى لا يليق بنا وثقافتنا وحضارتنا وطموحاتنا وأحلامنا وعصرنا ومصرنا. وبصراحة لا أريد أن أستمع (كما هي العادة) لأعذار وتبريرات وتفسيرات تاريخية ومالية و.. «إحنا أحسن من غيرنا» عندما يأتي ذكر ما هو مطبوع ومنشور وموزع و«مكتوب علينا» كصحافة ورقية. قراءة تأملية للصحف الصادرة صباح اليوم وأمس وأيضا في الشهر الماضي، تكشف الكثير عن أحوالنا الصحفية. ألم تلاحظ مثلا أن أغلب الأخبار والتقارير يُنشر دون أن يقدم صورة شاملة وكاملة للقارئ وعادة يتركه في حيرة؟ كما أن المعلومات المنشورة غير دقيقة (زي ما تيجي) وفي أغلب الأحوال يتم خلط المعلومات بالآراء كما يتم خلط أو مزج المواد الإعلامية بالمواد الإعلانية دون إيضاح ذلك ويتم «تبليعها» للقارئ كمادة مدفوع ثمنها من قبل المعلن «أهي.. كلام جرايد». وبالطبع لا أحد يستطيع أن ينكر أن الفساد أو الإفساد حضن الصحفيين أيضا ودللهم ودلعهم وأغرقهم في مغانمه حتى لو ادعى البعض منهم الآن أنهم فعلوا كل ما فعلوه على مضض وكانوا يؤدون واجبهم المهني أو كانوا يتطلعون لحدوث التغيير! برضه كلااام جرايد. والحالة إياها كنا نعيشها ونعاني منها وأحيانا نشكو منها. قبل 25 يناير كانت «مستورة» أو «مسكوتا عنها سياسيا» أو دائما «مبنية للمجهول» أو «مرتبطة بالعناية الرئاسية» وبالتالي كان الكل يشتكي ويتوسل ( أو ربما يتسول)، بل ويعيب زماننا ويبشر بنهاية عصر الكلمة المطبوعة وسيادة التكنولوجيا، وكان لزاما علينا أن نعلن وفاة الصحف. ويدرك كل مهتم ومهموم بأمر الصحافة المطبوعة وأيضا الرقمية أن المضمون والمحتوى هو الأساس في الخطاب الإعلامي والصحفي من أيام الحمام الزاجل إلى يومنا هذا. وأن لجوأنا إلى الإنترنت كوسيلة اتصال وتواصل لا يعني أبدا أننا خلاص محونا جهلنا وركبنا قطار العصر وودعنا زمن الحمير! أدوات الاتصال مجرد وسيلة لنشر المعرفة أو الجهالة (يعني أنت ومعرفتك وشطارتك) وكلما كان القارئ على دراية أكبر وأعمق بالأحداث من حوله تصبح مهمة الصحيفة أكثر تعقيدا، يعني مش شوية كلام تترش وشوية أعمدة تترص وشوية صور تتبروز وعناوين جذابة تلفت الأنظار لتصنع صحيفة و«تفرقع الدنيا» .. ثم نقول «القارئ عايز كده». وهنا أدعوك أيها القارئ العزيز إلى التفكير والتأمل في هذه الأمور: هل الصحيفة عليها أن تقدم ما تعتقد أن القارئ يريده أم أن تقدم ما تعتقد أن القارئ يحتاج إليه؟ ثم هل فعلا نعيش حالة «انفلات إعلامي» وبالتالي لا عجب إن رأينا البعض يتصرف بمفهوم «البلطجة» على صفحات الجرايد؟ وهل يبالغ جلال عامر بكلماته الراقصة عندما يصف حالنا أو حال الصحف لدينا بأنه «الكتابة للجميع»، خصوصا أن ما نراه أنا وأنت هو أعمدة مرصوصة وسلسلة عرائض اتهام ومراجعات توبة سياسية و«غسيل أسماء».. و«كل واحد معاه رأي محيره يكتب عمود وينشره». وطبعا كله على دماغنا. إنها الفوضى الخناقة وليست الخلاقة يا عالم. وإذا كان قد قيل لأجيال عديدة إن الخبر النهارده بفلوس وبكرة ببلاش. فإن الخبر في العصر الذي نعيشه النهارده ببلاش وبكرة فيه غيره، ومش محتاجين كمان ننتظر لبكرة أو حتى نقعد ع الحيطة عشان نسمع الزيطة. ونحن ننتظر ونتابع لنرى كيف ستحقق صحيفة «التحرير» ما يقوله ويعد به إبراهيم عيسى في إعلان قدومها.. (جرنال يقول «ليه» ده حصل مش بس «إيه» اللي حصل). وطبعا الوجبة هتكمل وتصبح لذيذة أكثر ومفيدة أكثر إذا أضفنا أحيانا «إزاي ده حصل» حتى نفهم أكثر فأكثر عن الطبخة والمطبخ والطباخ اللى طبخ أو «حرق الأكل». وهكذا حتكتمل المتعة وتتعمق الشهية وننتظر الوجبة المقبلة.. العدد القادم! وبما أن الثورة قامت، والعيال كبرت وأرادت، و«كسرنا البراويز» و«سلاحنا بقى أحلامنا»، وقلنا «للأحلام ما تقلقش»، و«عايزين نحط مصر في جملة مفيدة». فمن حقي بل واجبي أن أقول وأكرر: نفسي أشوف واقرأ الجرنال اللي بينورني وبيفيدني وبيسعدني وبيحررني وبيطير بيّا وبيكسر القيود والحيطان من حواليا وجوايا، الجرنال اللي مالوش في اللف والدوران والضحك ع الدقون، و«إحنا اللي دهنا الهوا دوكو» ولّا كمان في الحنجورية والمنظرة و«النفخة الكدابة» و«كل ما يتزنق وما يعرفش هيقول إيه يصرخ: أكيد فيه أيادي خفية تلعب في الظلام». جرنال بيحتفي بالنهار والنور والإبداع والخيال والجمال والصدق. جرنال يمنحني النصيحة والواحة والراحة والسرحة وحبة الهوا وطبعا الفضفضة ويكون «خير صديق قبل اختياري للطريق». ويكون محامي الدفاع عن حقوقي وحقوقك، وصاحب كلمة الحق والموقف الشجاع. ويا سلام لو يتمسك بعزته وكرامته، ومعزتنا واحترامنا له وإقبالنا عليه وأكيد عشقنا له. وطبعا ده مش كلام جرايد، ده كلام عشاق. وخدوني على قد قلبي!