حاول الغرب أن ينكر الحقيقة التى كانت واضحة وضوح الشمس، وهى أن السفاح النرويجى بريفيك الذى ارتكب المذبحة المزدوجة فى أوسلو ليس مسلما، وأنه يعبر عن نزعة عنصرية كامنة فى صلب الحضارة الغربية. تطفو على السطح بين حين وآخر. وتجد تعبيرا عن نفسها فى المشاعر العدوانية تجاه الأجانب والمهاجرين المسلمين.. الذين صورتهم وسائل الإعلام فى وعى الغرب باعتبارهم إرهابيين بالسليقة ومعادين للديمقراطية والمرأة وحقوق الإنسان.. أما الحركات المسيحية الأصولية المتطرفة فهى فى رأيهم مجرد تجمعات عشوائية للدفاع عن المسيحية والحيلولة دون أسلمة المجتمع وتغيير عاداته!! وبينما تشتد قوة الدفع فى معظم دول الغرب ضد المد الإسلامى بكل صوره، وتتشكل حركات شعبية وحزبية وسياسية مناهضة لوجود مهاجرين مسلمين، لم تكن النرويج غير آخر مثال عليها، وسبقتها فى ذلك الدانمارك والسويد وألمانيا وفرنسا.. التى واجهت دعوة التنوع الثقافى والتعدد الدينى بالتشكك والرفض، وجعلت من حوار الأديان والحضارات مجرد عنوان لتضليل المخدوعين فى المشرق العربى.. قدمت الأحداث التى وقعت فى ميدان التحرير يوم جمعة الشمل كما أطلق عليها مثالا صارخا لفشل الحركات الإسلامية فى توحيد الصف وعدم القدرة على التوافق على أرضية مشتركة تحمى المجتمع من التشرذم والتفسخ، حين يصبح الخلاف على الدين ومبادئ الشريعة والمرجعية الإسلامية بديلا عن البحث عن الأصول والمرجعيات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ومحاكمة الفساد والمفسدين. ليزداد الخوف من أن يفرض الإسلاميون ديكتاتورية دينية على سائر المواطنين! يراقب العالم تجربة الديمقراطية فى مصر. ويتنبأ المراقبون بأن القوى المنظمة للحركات الإسلامية سوف تصبح قادرة على اختراق المشهد السياسى، وفرض سطوتها.. أو على الأقل تشكيل قوة ضغط لانتهاج سياسات متشددة بعيدة عن روح التسامح والاعتدال والوسطية. وما حدث فى النرويج كان شيئا من هذا القبيل. فى دولة صغيرة هادئة، حكمها حزب اشتراكى معتدل، لم تعرف مظاهر التطرف إلا خلال العقدين الأخيرين. واعتبرت الجريمة التى ارتكبها الشاب النرويجى مجرد عمل فردى. وتجاهل النرويجيون حقيقة الظروف الاجتماعية والثقافية التى اختمرت فى جسد المجتمع. ودلت عشرات الصفحات التى كتبها تعبيرا عن مشاعر الكراهية والحقد ضد الأجانب وضد كل ما هو مسلم، على أنها مشاعر عميقة مشتركة مع عدد كبير من النرويجيين. وتتكشف هذه الحقيقة فى مئات من مواقع الانترنت والفيس بوك.. ليس فى النرويج وحدها ولكن فى العديد من دول الغرب التى باتت تضيق بالعمالة المهاجرة.. وكلها تنضح بالعنصرية والكراهية ضد الأجانب. لا تريد السلطات النرويجية أن تعترف بأن اليمين المتطرف قد تغلغل فى نسيج الحياة وصبغ ميول الشباب بأفكار نازية. وهناك اقتناع جارف بأن العناصر المسلمة غير قابلة للاندماج فى المجتمع النرويجى. وأن ثمة مؤامرة يسعى المسلمون من خلالها إلى السيطرة على أوروبا وحكمها. وتنتشر هذه الأفكار بقوة بين كثير من فئات المجتمع. وتجعل اندماج المهاجرين المسلمين بالفعل عملية معقدة. ما نريد أن نخلص إليه هو أن التطرف درجات. وأن العالم وهو ينظر إلى ما يجرى أو جرى فى ميدان التحرير من استعراض إسلامى للقوة، أدى إلى انسحاب أكثر من 33 حزبا وحركة، سوف يجد أوجها للشبه قد تبرر ظهور الحركات العنصرية المناهضة للمسلمين فى أوروبا، ويقدم أعذارا كافية لإثارة المخاوف من الإسلام والمسلمين، واتهامهم بأنهم مهد الإرهاب والدعوة إليه. لابد إذن أن تراجع التيارات الحركية الإسلامية فى مصر مواقفها، وتدرك أنها ليست وحدها فى هذا العالم. بل تجرى مقارنتها كل لحظة مع التيارات الأخرى للديمقراطية والقوى المعادية لها!!