أكد الدكتور عبد الرحمن البر، عضو مكتب الإرشاد، وأستاذ علم الحديث بجامعة الأزهر الشريف، اليوم الاثنين، أن تهنئة شركاء الوطن من النصارى في مناسباتهم وأعيادهم المختلفة من الإحسان الذي أمر الله به، ومن البر الذي لم ينهنا الله عنه ما دامت ليست على حساب ديننا، ولم تشتمل- شفاهة أو كتابة- على التلفظ بشعارات أو عبارات دينية تتعارض مع مبادئ الإسلام، ولا على أي إقرار لهم على دينهم، أو رضا بذلك، أو مشاركة في صلواتهم، إنما هي كلمات من المجاملة العادية التي تعارف عليها الناس، لا تحتوي على أي مخالفات شرعية، مشدد انه رائيه الذي أعلنه مقتنعا به. وأضاف البر في بيان له اليوم: "ومن هنا لا أرى بأسا بالتهنئة في عيد الميلاد مثلا، فنحن نؤمن أن عيسى عليه السلام هو رسول من أولي العزم من الرسل، وأنه بشر كانت ولادته آية من آيات الله، وكانت خيرا على البشرية، بل إن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال فيما أخرجه البخاري: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ». وتابع البر: "ولهذا فإنني لا أنقطع عن التواصل مع بعض أصدقائي من المسيحيين، ومنهم بعض رجال الكنيسة في كافة المناسبات والأوقات، بل إنني ذهبت مرات متعددة إلى الكنيسة، وكان آخرها حضور حفل تجليس البابا تواضروس الثاني وتهنئته بذلك، ولا يمكن لأحد أن يزايد عليَّ في هذا الموقف الواضح، ولم يحدث والحمد لله في أي من تلك المناسبات أن فعلت شيئا يناقض عقيدتي، ولم يطلب أي من أصدقائي المسيحيين، أن أفعل أو أقول شيئا من ذلك، وهذا من البداهة بمكان، غير أنني أحببت التأكيد عليه". وأوضح البر: "أما التهنئة بما يناقض عقيدتنا ويصادمها مصادمة واضحة، فأمر غير مشروع من وجهة نظري، كالتهنئة بما يسمى عيد القيامة، فعقيدتنا نحن المسلمين التي لا تحتمل لبسا أن المسيح عليه السلام لم يُقتَل ولم يُصلَب، بل عصمه الله من اليهود ورفعه إليه، قال تعالى ?وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا? [النساء: 157، 158]. فعيسى عليه السلام لم يصلب حتى تكون له قيامة، وبالتالي فلا يلزمنا تهنئة أحد بما نعتقد يقينا بطلانه، وهذا لا ينفي إقرارنا بحق شركائنا في الوطن في أن يعتقدوا ما يشاءون أو أن يفعلوا ما يشاءون ?لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ? [الكافرون: 6] ". كما أوضح عضو مكتب الإرشاد، أن التحية والمجاملة بمثل عبارة «كل سنة وأنتم طيبون» فلا حرج على الإطلاق، أن يقولها المصري المسلم لغير المسلمين في أي وقت، وفي كل مناسبة. وقال البر: "هذا باختصار شديد موقفي بكل وضوح، ولست معنيا بمن أساء الفهم أو أساء النية، وحسبي الله في كل من أساء لشخصي، أو سعى في تشويه سمعتي، أو حمَّل كلامي ما لا يحتمل، وأُذكِّر الجميع بقول الله تعالى ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ? [الحجرات: 6]". واختتم الدكتور عبد الرحمن البر: "فإن الصدق زين لأهله، وإن التدليس والإيهام عيب يتنزه عنه الشرفاء، ولهذا فقد دأبت دائما على الوضوح والصراحة، وفي كل المسائل العلمية أو الشرعية التي أتعرض لها أكون واضحا في بيان رأيي واجتهادي، بما لا يدع مجالا للتلبيس والتدليس، ولهذا فقد تعجبت غاية التعجب من الضجة الكبيرة التي أثارها بعض الإعلاميين حول موقفي الواضح من تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، إلى الحد الذي ادعى فيه أحد الصحفيين أن في كلامي تناقضا بل انقلابا فقهيا بحسب زعمه، والآفة إنما أراها في سوء فهم كلامي (وأنا أتعمد ألا أقول سوء نية الكاتب)، ومن ثم رأيت أن أكتب هذا التوضيح لإزالة اللَّبْس ومنعا لسوء الفهم.