الديمقراطية تعني باختصار شديد, احترام إرادة الشعب والقبول باختياره المعبر عن إرادة الأمة السياسية, لا يجوز لأحد التشكيك فيه أو التنصل من نتائجه, أو الإدعاء بأنه يعبر عن إرادة قاصرة. خاصة عندما يخرج الناس طوعا إلي صناديق الإنتخاب في هذا الحشد الهائل لأول مرة في تاريخ الانتخابات المصرية.., والديمقراطية ليست خيارا انتقائيا نأخذ منه ما نحب ونرفض ما نكره!, ولكنها قبول الأقلية لإرادة الأغلبية وإحترامها, والثقة بتداول السلطة, وقدرة الشعب علي تصحيح مسيرته عبر صناديق الإنتخاب إن أخطا في الاختيار أو خدعته الشعارات الطنانة أو إكتشف انه أعطي ثقته لمن لا يستحقها.., والديمقراطية هي أيضا حصاد إرادة شعب بأكمله, وليست حقا منفردا للملاك أو الأغنياء أو المتعلمين أو الصفوة, ولكنها حق مكفول للجميع يتطابق مع حق المواطنة, لا يجوز الطعن علي إستحقاقها بدعاوي الأمية أو الفقر أو غياب الوعي, لأن الديمقراطية تعني تدريب وعي الناس علي الإختيار الصحيح, والتعلم من دروس الإخفاق والنجاح, وهي مسيرة متواصلة تقود إلي النضج المتزايد أيا كانت بداياتها الأولي. وانطلاقا من هذه البدهيات الصحيحة, تبدو تصريحات الفريق الملا عضو المجلس العسكري الأعلي للصحفيين الأجانب, التي أكد فيها أن البرلمان القادم لا يمثل الشعب بأكمله, وأن قراراته لابد أن تخضع لحكومة الإنقاذ ورؤية المجلس الاستشاري الرئاسي غير موفقه لأنها تخلط بين السلطات, وترتب علي غير سند من القانون فوق سلطة الشعب مصدر كل السلطات, سلطة إستشارية معينة لا يجوز لها أن تعترض علي قرارات البرلمان أو ترفضها, وتعطي للمجلس الإستشاري حقوقا غير مشروعة, وما يزيد من غرابة هذه التصريحات أنها تأتي بعد نتائج المرحلة الأولي من الإنتخابات وقبل أن تكتمل ملامح البرلمان الجديد! لتطفئ جذوة الحماس لقضية الديمقراطية, وكأن المقصود قطع الطريق علي التجربة الديمقراطية أو تأكيد هامشيتها!, في الوقت الذي يؤكد فيه المجلس العسكري أنه ملتزم بنقل الحكم إلي سلطة مدنية منتخبة فور الإنتهاء من انتخابات الرئاسة في يونيو القادم. أفهم قلق كثيرين من الفوز الساحق الذي حققه أنصار الإسلام السياسي, وخوفهم من تأثير ذلك علي وحدة الوطن ومصالحه الإقتصادية وعلاقاته الخارجية, لكن ذلك لا يبرر أن نستبق نتائج التجربة الديمقراطية بقرارات إدارية تعيدنا إلي المربع رقم واحد, وتخلق أسبابا لصدام جديد لا مبرر له, خاصة أن الشعب قد خرج من القمقم, ولن يسمح لأية قوة سياسية بأن تخدعه أو تعيق تقدمه وهو قادر علي تصحيح مسيرته الديمقراطية عبر صناديق الانتخاب.