لأن الليل كان طقسا أبديا مفروضا على أبناء الشمال البعيد الموغل في الحزن والبرد والظلام، قررت الديكة أن تتمرد على أقفاصها وأن تحلق نحو جنوب النور والدفء والحريات. وذات صحوة، أطلقت الديكة أجنحتها تحت سحب لا تكاد تراها وفي مواجهة رياح تعبث بقواها ومناقيرها الملتصقة من البرودة والخوف. طارت الديكة نحو الجنوب لتأتي قومها بكرة من الضوء لتؤكد لهم أن الكون أفسح من أوديتهم وأبعد من مرمى أبصارهم، وأن الظلام الرابض فوق الأكمات ليس زواجا كاثوليكيا بين الخوف والإرادة، وأن الحزن المقيم ليس بصمة عين أو شريانا تاجيا. تمردت الديكة على صيحات الاستهجان كما تمردت على خوفها، وانطلقت تشق فسيح الفضاء بمناقير تعرف طريقها حتى رأت كوة من النور تحت إحدى أشجار الغابة، وبدأت الأعين الطاعنة في الظلام تورق أشباحا وترسم حدودا للكون تفصل الأشياء عن بعضها والتضاريس عن خارطتها. حينها زاد عزم الديكة وتضاعف صفق أجنحتها حتى اقتربت من شجرة قررت أن تفرش غصونها في مساحات مجانية من الفضاء. ولأول مرة منذ ميلاد، وضعت الديكة أقدامها على موقع تراه فغرست أقدامها المتعبة فوق الغصون العارية. نظرت الديكة تحت أقدامها، فرأت طفلا يقبض على كرة الضوء بكفين صغيرين حتى لا تشدها الريح من أنامله الصغيرة. نزل أحد الديكة واقترب من الطفل بحذر، ونزل آخر وآخر، وكان ما أرادوا. تفرق انتباه الطفل على الزائرين وتراخت مسكته، فحلقت الكرة البيضاء فوق الشجرة. وحين تباعدت عن مرمى ذراعيه وطارت بين عينيه، لاحقتها الديكة وأمسكت بها من كافة الزوايا وبدأت رحلة العودة إلى مدن الظلام والبرد. وحين اقتربت الأجنحة المتعبة من أرض الوطن، عرفها قوم وأنكرها آخرون. لكن أحدا من سكان الشمال لم ينكر أن العالم ما قد تغير، وأن ملامح الحياة لم تعد كما كانت في القديم. وبدأ أبناء المدن المنسية يتقاطرون من كل صوب على فرسان النهار الذين اقتادوا الفجر من أنفه إلى أوديتهم المهملة. وقرر الحشد أن يحتفلوا بساموراي الديكة رقصا حتى تتشقق أقدامهم. لكن جماعة من الديكة أبصرت في ضوء الحقيقة لأول مرة قبحها، وعافت نساءها وكرهت الاقتراب من بني جنسها أو الاندماج معهم في حفل كثر الراقصون على منصاته. وهرع الديكة إلى مواخير ليلهم الأبدي يتجرعون مرارة الحقد ويتلمظون مرارة النبذ. وفي ظلامهم المقيم أقبلت عليهم أبالسة الظلام من كل صوب، وقررت الفئة الباغية سرقة كرة الضوء ومنصات التتويج وتيجان التكريم من مستحقيها. وفي عتمة الليل قرر المؤتمرون أن يقصوا مناقير الديكة ومخالبها حتى لا تستطيع الإمساك بكرة النور والدفء والحرية. تظاهرت خفافيش الديكة بوحي من شياطينهم وزوجاتهم بالفرح والسرور، وتقدمت مناقيرهم الملوثة من خشبات المنصة وبادروا بعزف غير متناسق ونصف مفضوح. لكن الديكة الطيبة صدقت أكتافهم المتمايلة وأهازيجهم الماجنة وشرب القوم حتى سكروا وتمددت بطونهم فوق الأخشاب ككومة من الروث. حينها تقدم سفير الخيانة بقص المناقير ونزع المخالب. وحين أفاقت الديكة من سكرتها رأت النور أبعد عن مناقيرها المشققة وأقدامها التي تشخب دما من أرض الجنوب الدافئة، ورأت شرذمة من الديكة تساوم إخوتها على الضوء فتبيع بقعة الضوء بسنة عبودية كاملة مع الشغل والنفاذ. لا أعرف ولا أحد يعرف، ولا يمكن لأحد أن يتنبأ بما يمكن أن يفعله ساموراي الديكة بعد أن فقد حين سكر بقعة الضوء الوحيدة في لياليه المعتمة. هل يتجه جنوبا نحو ربيع الحريات بحثا عن دفء ونهار، أم يدافع عن حقه في كرة الضوء القادمة من البعيد، أم يكتفي بانتظار ممض حتى تنبت مناقيره وتنمو مخالبه من جديد؟ الأكيد في محنة العتمة تلك أن الطيور التي اكتشفت عيونها ذات يوم لا يمكن أن تبيع ضوءها بأرياش طاووس أو معدة فيل. وأنها ستكحل ذات فجر عيونا ظنت سفها ذات ظلام أن العتمة مقدسة وأن النور أبعد من كل الأجنحة وكل المسافات. تقول إيرون روز: "في الوقت المناسب ومع الضوء المناسب يصبح الواقع مذهلا".