ولد فولفجانج أماديوس موزارت في 27 يناير 1756 في سالزبورج بالنمسا، وهو يعد بحق أحد أعظم العباقرة الموسيقيين الذين أذهلوا العالم، فقد ترك هذا الرجل حوالي ستمائة عمل ما بين كونشيرتو وأوبرا وسيمفونية. وقد ألف موزارت أول معزوفاته وهو في الرابعة من العمر، وجاب أوروربا شرقا وغربا وهو في السادسة من عمره لتعزف أنامله الصغيرة أروع الألحان التي جعلته أصغر الأطفال شعبية في القارة الأوروبية بأسرها. وتمكن الفتى الصغير وهو في الثانية عشرة من عزف أول أوبرا سيمفونية له. وكان موزارت لا يتوقف عن التأليف حتى وهو يتناول الطعام أو يتحدث إلى الأصدقاء أو وهو ينتظر أول مولود له بالمشفى. يكفي أن تعلم عن هذا النابغة أن تراثه الموسيقي كان من الوفرة بحيث يحتاج عازفه إلى ثمانية أيام متصلة دون توقف. وقد تمكن العبقري موزارت من إجادة خمس عشرة لغة إجادة تامة، ورغم ذلك لم يتجاوز عمره ساعة وافته المنية بضعا وثلاثين عاما. ورحل العبقري مفلسا بعد أن عاش حياة قاسية انتهت بفشل كلوي حاد ليدفن في مكان لا يعلمه أحد. ومما يؤثر عن موزارت أن التقاه شاب في مقتبل العمر يطلب منه النصيحة، فنصحه موزارت أن يبدأ بعزف الموسيقى الغنائية، لكن كلامه لم يَرُق للشاب الذي قال مُغضَبا: "لكنك بدأت تأليف السيمفونيات وأنت في العاشرة!" فرد موزارت: "لكنني لم أذهب لأحد طالبا النصح". سر العبقرية إذن أن تكون أنت وأن تختار طريقك الذي لم يسبقك إليه أحد، أو ينافسك عليه أحد وأنت في مقتبل العمر. سر النبوغ أن تتوقف عن النظر خلفك في انتظار يد تصفق أو حنجرة تهلل أونظرة عطف. ولن تكون أنت كما تريد أنت إلا إذا تقبلت فكرة أن تكون مصدر سخرية الآخر، لأن الأحمق الذي يصر على حماقته يتحول في نهاية الأمر إلى فيلسوف كما يقول وليم بليك. أما الغبي بحق فهو الذي لا يستطيع أن يتوقف عن التفكير فيما يرضي الآخرين أو ينال سخطهم. الغبي بحق هو الذي لا يكف عن القيام بدور البهلوان في سيرك الحياة لينال ابتسامة رضا أو نظرة إشفاق. الغبي هو الذي تسوقه الكراهية إلى إشعال نار الغيرة والحسد في زوايا قلبه المريض ويرفض هبات الحياة التي لا تتوقف عن التدفق فوق الخرائط ساعة من ليل أو نهار لينال من يريد ما يريد بقدر ما يريد شريطة أن لا يذهب إلى بحر الحياة بملعقة أو دلو صغير ليصارع الناس على أرزاقهم ويغمض عينيه وقلبه عن غمر لا يتوقف من الهبات والعطايا السماوية التي لا تنفد. فلا تكن عزيزي القارئ واحدا من البلهاء الذين يولدون عباقرة موهوبين محملين بقدرات فذة، ومع ذلك يتقبلون العيش عالة على أفكار الناس ورؤاهم، ويموتون حمقى، فتكون كالملك المعتوه الذي ترك سلطانه ليشارك الفقراء بؤسهم بدلا من توزيع بعض ثرواته عليهم لينعم وينعموا جميعا. عليك أن تتوقف الآن وفورا عن السير في أي طابور دون أن ترى آخره، حتى لا تكون كالحمقى الذين شكلوا طابورا أمام حفرة، فتبعهم من تبعهم حتى اكتشف آخر المتورطين أنه أهدر وقته وأرهق بدنه ليصل في نهاية الطابور إلى حفرة كان يظنها منا وسلوى.
كن غبيا في أعين الناس أحيانا لتتحول في سيمفونية الحياة إلى وتر ينشد لحنا مختلفا وإن لم تعجب الآخرين، فاختلاف الألسنة والألوان والفكر والرؤى رحمة بالعباد الذين لا يطيقون الرتابة ورفقا بالحياة التي تعشق التجدد في كل تفاصيلها. واسمح للأخرين ببعض الغباء، وتعاطف مع حقائبهم التي لا تحمل نفس دفاترك ومع دفاترهم التي لا تحمل نفس كلماتك ومع كلماتهم التي لا تحمل توقيعك. اسمح لنفسك بتلقي بعض عبارات التنديد وبعض ضحكات ساخرة لأنك لن تكون نفسك أبدا وأنت تصر على النزول إلى ميدان الحياة بعباءة الآخر - أي آخر - أو لترضي الجليس - أي جليس. يقول ألبرت أينشتاين: "الحمق أن تفعل الشيء نفسه مرة بعد مرة وتتوقع أن تحصل على نتائج مختلفة كل مرة".