أن البلطجة تؤثر بشكل كبير جدًا في الاقتصاد والاستثمار الخارجي والمجتمع ككل، أن الحل هو عودة الأمن لكي تعود هيبة الدولة من جديد، وتعمل المحاكم بصورة طبيعية وآمنة؛ فيستطيع القضاء أن يقوم بدوره دون تأثر بالبيئة المحيطة به، فيعطي أحكامًا رادعةً لمن يقوم بتلك الأفعال، وأن يحاول بشتى الطرق منع تحول الإجرام الفردي إلى إجرام منظم. إن المجتمع المصري شهد أخيرا موجة من التحولات والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية, أثرت بشدة علي عديد من القيم السائدة, وأفرزت مجموعة مستحدثة من صور العنف, وهي سلوك غير مستحدث إنما عرفه المجتمع المصري في منتصف القرن الماضي, تحت اسم الفتونة. ولكنها أصبحت في صورة جديدة من الفتونة, وأساليب لم تكن منتشرة من قبل. وفي حين كانت الفتونة, تقتصر علي حماية الضعفاء أو فرض إتاوات علي التجار والأغنياء, فإن البلطجة في الآونة الأخيرة, أصبحت تأخذ صورا وأساليب جديدة, مثل بلطجة الحرس الخاص وفي أثناء العملية الانتخابية, وفي الاستيلاء علي الشقق والأراضي والعقارات, وفي الطريق العام, والتعرض للإناث والخطف والاغتصاب باستعمال أدوات كالسنج والأسلحة النارية والمواد الكاوية(ماء النار). ولاشك أن البلطجة بهذه الصور لها آثار سلبية, حيث تعكس عدم الإحساس بالأمان في الشارع المصري, وأثناء ممارسة الحياة اليومية وعلي المستوي المجتمعي. فلا شك ان بلطجة الاستيلاء علي العقارات والأراضي والشقق من شأنها إحداث مشكلات اقتصادية, وتخيف المستثمرين, سواء المواطنون أو الأجانب من الاستثمار في هذا المجال. وكذلك البلطجة التي يمارسها الحرس الخصوصيون المأجورون لحساب بعض رجال الأعمال والفنانين ومايثيرونه من فوضي ورعب. وأيضا البلطجة التي تحدث من قبل بعض مؤيدي المرشحين في الانتخابات في محاولة للتأثير في سير العملية الانتخابية والتلاعب في نتائجها, وما كانت تثيره من إحساس بعدم نزاهة العملية الانتخابية. ويحسب في هذا الشأن لصانع القرار, قرار تولية القضاء مهمة الإشراف الكامل علي العملية الانتخابية التي كان من شأنها الحد إلي درجة إنهاء ظاهرة البلطجة في أثناء الانتخابات. كذلك بلطجة سائقي الميكروباص في المناطق الشعبية والعشوائية وبلطجة الأفراد في المناطق الشعبية وشيوع انتشارها بشكل كبير. تلك هي بعض صور البلطجة في المجتمع المصري التي انتبه لها المشرع أخيرا وأصدر قانونا بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات لتنظيم المواجهة التشريعية لهذه الظاهرة الخطيرة. وبرغم ذلك فإن هذه الظاهرة مازالت موجودة وتكسب كل يوم أرضا جديدة, الأمر الذي حذر منه العلماء والباحثون بضرورة التصدي لهذه الظاهرة بالبحث والدراسة للتأصيل والتحليل في محاولة وضع إطار عام يمكن من خلاله التصدي بحزم لهذه الظاهرة بطريقة علمية فاعلة. وفي هذا الإطار, أن ظاهرة البلطجة الآن لم تعد مقصورة علي مناطق بعينها, بل امتدت لتشمل المجتمع المصري كله ريفه وحضره ولم تعد السن أو النوع أو المهنة أو المستوي التعليمي أو الاجتماعي والاقتصادي العنصر الحاسم لهذه المسألة, وإنما أصبحت تتصل بمتغيرات معينة بالسمات الشخصية والثقافية للبلطجي ومتأثرة في ذات الوقت بشيوع وانتشار العنف في المجتمع المصري, وبالظروف الحياتية العاجلة لدرجة أن المجتمع لم يعد يستهجن كثيرا من أفعال العنف العادية. ساهمت الأوضاع السكانية في تعظيم ظاهرة البلطجة, بانتشار العشوائيات والمناطق الخارجة علي الأمن والازدحام السكاني. إن البلطجة سلوك انحرافي طرأ علي المجتمع نتيجة متغيرات كثيرة جدا من جميع النواحي, سواء من ناحية النشء والتربية أو من الناحية الدينية أو التعليمية مرورا بالناحية الاجتماعية والاقتصادية ثم البيئية. فأصبحت الأسرة مشغولة بكسب لقمة العيش, ولم تعد هناك مساحة لتربية النشء وهذه من أهم النقاط التي أدت إلي تغير جذري في المجتمع, لأن التربية السليمة تتركز علي المثل وتعاليم الدين الحنيف والأخلاقيات والانتماء إلي المجتمع. أما الإهمال أو عدم القدرة علي التربية فيؤدي إلي نشوء شخصيات غير سوية مثل الشخصية المدمرة أو الشخصية( السيكوباتية). بالإضافة إلي أن العملية التعليمية انحصرت في تلقين العلم وليس لدي المعلم الوقت لإعطاء أي مساحة للجانب التربوي. كما أن المجتمع انتقل من مجتمع زراعي إلي مجتمع صناعي, وهذا التطور للأمور, من الطبيعي أن ينقل الإنسان الهادئ الوديع الي متكالب علي المادة حتى يستطيع أن يعيش حياة كريمة تكفيه احتياجاته اليومية بالإضافة إلي غلاء المعيشة مع قصور الحالة الاقتصادية. مما أدي إلي اعتقاد بعض ضعاف النفوس أن العمل بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة هو السبيل للخلاص من المشاكل الجنائية. ان التلوث البيئي, أحد أسباب السلوكيات غير السوية التي نلاحظها في هذه الأيام, لأن التلوث الهوائي أو المائي او الغذائي أو الفكري يؤدي في كثير من الأحيان الي التوتر الشديد والعصبية الزائدة, كما يؤدي الي الضيق السريع وسرعة الانفعال والتشوش الذهني وعدم القدرة عن التفكير السليم. ان التلوث الفكري والاجتماعي الناتج عن وسائل الاعلام المرئية( أساسا) أدي الي تقليد أو محاكاة كثير من الشباب لما يشاهده علي القنوات من عنف وقتل وتقنية متقدمة جدا في عالم الجريمة.. وما تحتويه هذه الأفلام أو المعروضات من خيال علمي أدي ايضا الي انتشار الظاهرة. 1 2 › »