لتكتمل الصورة الحقيقية لمستقبل مصر بعد 25 يناير علينا جميعًا أن نشترك في التأكيد على احترام مبدأ التوافق الوطني على مقومات الدولة المصرية المبنية على تفعيل الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين وأن نحترم مسئوليتنا تجاه تأمين المسار وهو جزء مستقر في المراحل الانتقالية في حياه أي شعب. وذلك من خلال وضع دستور جديد يتناسب والمرحلة الجديدة في تاريخ مصر يجرى الإعداد له بمشاركة جميع أطياف المجتمع دون إقصاء لأحد"لا يختلف أحد على أبسط الحقوق والحريات العامة مثل الحق في الحياة والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والمساواة بين الجميع دون تمييز على أي أساس سوى الكفاءة إضافة إلى حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية ". والحديث عن الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور لا ينقطع والخلاف المتوقع الذي بدأ باستفتاء مارس أن اللجنة التأسيسية التي ستُشكل لوضع الدستور والتي تتكون من 100 عضو بحسب الإعلان الدستوري يجب أن يكون أغلبها من أساتذة القانون بكليات الحقوق أن تتضمن 20% فقط من أعضاء مجلسي الشعب والشورى وهناك عديدا من القانونيين ورجال القضاء يستعدون حاليا لتقديم مشروعات دساتير تتوافق مع طبيعة مصر وكذلك دراسة كل الدساتير التي مرت بالبلاد. وتشكيل اللجنة التأسيسية للدستور يبدأ بحسب رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب عقب الاجتماع الأول لمجلسي الشعب والشورى على أن يتضمن مناقشة عديد من الموضوعات الرئيسية للدستور الجديد منها شكل الدولة ما بين الرئاسي أو البرلماني أنه لا بد من مشاركة الفقهاء الدستوريين في الصياغة الفنية للدستور حتى يتم رفع الألفاظ المطاطة أو التعبيرات التي يمكن تفسيرها بأكثر من طريقة. وباستعادة مكانة الأزهر الشريف أن الجميع أسهم مع النظام السابق في القضاء عليه و «استعادة الأزهر مكانته تحد من ظاهرة التطرف» للأنة يوجد صراعات في عديد من المذاهب داخل الدين الواحد. إن البناء السياسي المؤسسي القانوني للدستور ضرورة لإيجاد آلية سلمية لإدارة وحل الصراعات وأن التوافق المجتمعي يخلق بيئة مواتية لإحلال السلم الاجتماعي وإعادة البناء والتعمير مهما طفت الصراعات داخل المجتمع «عرقية أو دينية أو طبقية أو أيديولوجية» على السطح. «لكي نقوم بصياغة دستور جديد لا بد أن تكون هناك معاهدة للسلام تمكن من السيطرة على الصراعات وأن تشارك معظم الفئات والأطياف على أن يكون هناك تفاهم تام بين الهيئة التأسيسية للدستور والسلطة التشريعية ممثلة في مجلسي الشعب والشورى». لكنها رفضت دمج السلطات ووضعها في يد واحدة أنه يخلق نوعا من الاستبداد للان المخاوف التي تنتاب البعض من مشاركة برلمانيين في الجمعية التأسيسية «لأن ذلك قد يحدث تدخلا سياسيا من حزب الأغلبية من أن يكون له الكلمة العليا كما أن المجلس العسكري يضغط أيضا ليمد يده في عمل اللجنة التأسيسية» وهذا ما حدث مع وثيقة الدكتور على السلمي. للان مجلسي الشعب والشورى وليس غيرهما هما المنوط يهما وضع معايير اختيار الجمعية التأسيسية و أن تكون شفافة ومعلنة وبأن تتكون لجنة الصياغة من شخصيات مشهود لها بالكفاءة «لأننا عانينا كثيرا من كتابة الدساتير السابقة ويجب أن يكتب بلغة قانونية لا لغة سياسية». للان استفتاء الإعلان الدستوري بأنه كان استفتاء سياسيا وأن الناس لم يتنبهوا للمادة 28 التي تجعل من كلام لجنة انتخابات الرئيس قرآنا. ونظرا لأهمية المرحلة القادمة من تاريخ مصر الحديث. التاريخ الدستوري المصري : أولا - من الثورة العرابية إلى دستور 1923 : يرجع التاريخ الدستوري المصري إلى الثورة العرابية فقد تضمنت مطالب العرابيين في مظاهرة عابدين في 9 سبتمبر 1881 إقالة الوزارة وقيام حياة نيابية وإصلاح أوضاع الجيش. ووفقا للمؤرخ عبد الرحمن الرافعي في كتابه تاريخ الثورة العرابية فقد أقال الخديوي توفيق وزارة رياض باشا وعهد إلى شريف باشا بتأليف الوزارة واجتمع مجلس شورى النواب فعلا في 16 ديسمبر 1881 على أن يعرض عليه الدستور الجديد بعد إعداده بواسطة الحكومة. وكان الدستور الجديد يتضمن نظاما برلمانيا تتقرر فيه مسؤولية الوزارة أمام البرلمان ويكون للبرلمان سلطة التشريع في كل الأمور بما في ذلك الشئون المالية. وهو ما أثار حفيظة الدول الدائنة خاصة فرنساوإنجلترا اللتين رأتا أن المجلس يجب أن يكون مجلسا استشاريا وليس له حق مناقشة الميزانية. ولكن مجلس شورى النواب أصر على أن يكون له كافة الحقوق في مجال مناقشة الميزانية فاستقال شريف باشا. وتألفت وزارة محمود سامي البارودي الذي عين فيها أحمد عرابي وزيراً للحربية وعرفت باسم وزارة الثورة العرابية. ووافقت على مشروع دستور 1882 وحملته إلى الخديوي الذي أصدره في فبراير 1882 وهو أول دستور لمصر جاء متضمنا لمبادئ النظام النيابي البرلماني . فقد اعترف بسلطات فعلية للبرلمان في مجال التشريع والرقابة على الحكومة وأقر بالمسؤولية الوزارية أمام البرلمان. وهذا الدستور يعد من أكثر الدساتير المصرية تقدما وتطورا باتجاه النظام الديموقراطى إلا أن الظروف التي أحاطت بمصر في تلك الفترة لم تتح الفرصة لتطبيق أحكام الدستور. حيث وقع الاحتلال البريطاني لمصر بعد ذلك وقامت إنجلترا بإلغاء دستور 1882 وأبدلته بدستور آخر هو القانون النظامي الصادر عام 1883. ويرى د . مصطفى أبو زيد فهمي في كتابه النظام الدستوري المصري أن القانون النظامي دستور رجعى بل ومسرف في الرجعية إذا ما قيس بدستور 1882 ويتبدى ذلك في أن الهيئات التشريعية التي جاء بها ذات اختصاصات استشارية لا تملك سلطة التقرير التشريعي وللخديوي الحق في أن يضرب برأيها عرض الحائط كما أنه أعاد الحكم المطلق مرة أخرى مركزا السلطات في المعتمد البريطاني. ولقد نتج عن هذا الوضع المقترن بوجود الاحتلال البريطاني أن انطلقت الحركة الوطنية المصرية الحديثة من خلال الزعيم الوطني مصطفى كامل الذي ركز دعوته على إحياء الروح الوطنية لدى المصريين. ولكن الملاحظ أن جوهر دعوة مصطفى كامل كان يدور حول مطلبين أساسيين هما الجلاء والدستور. وفى هذا الصدد يقول عبد الرحمن الرافعي في كتابه مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية : كان مصطفى كامل مع دعوته إلى الجلاء لا يفتأ يعدو إلى الدستور ليكون أداة الحكم الصالح في مصر كتب في عدد 5 أكتوبر سنة 1900 من اللواء مقالة بعنوان (الحكومة والأمة في مصر) ذكر فيها وعد اللورد دوفرين بإسم حكومته أن يؤسس في مصر مجلساً نيابياً وإخلاف الحكومة البريطانية هذا الوعد كإخلاف وعودها في الجلاء . وقد دعا إلى الدستور في خطبته في العيد المأوى لمحمد على يوم 21 مايو 1902 وكان على صفحات اللواء يدعو إلى المجلس النيابي كأداة لإصلاح عيوب الحكم كتب في عدد نوفمبر 1902 مقالة في اللواء تحت عنوان إفلاس الاحتلال أظهر فيها فساد الأداة الحكومية في المعارف الداخلية وختمها بقوله : وعندي أن هذه الأدوار المختلفة والأدوار المتنوعة دالة كلها على شدة حاجة هذه البلاد إلى مجلس نيابي تكون له السلطة التشريعية الكبرى فلا يسن قانون بغير إرادته ولا تحرر مادة إلا بمشيئته ولا يزعزع نظام بغير أمره ولا تعلو كلمة إلا كلمته وإلا فإن بقاء السلطة في يد رجل واحد سواء كان مصريا أو أجنبيا يضر بالبلاد كثيرا ويجلب عليها الوبال . وإلى جانب مصطفى كامل ظهرت كتابات أحمد لطفي السيد الذي كان ومدرسته يعبر عن الاتجاه المعتدل في نطاق الحركة الوطنية المصرية إلا أنه تلاقى مع مصطفى كامل في الدعوة إلى الدستور وإن كانت كتاباته قد اتسمت بدرجة أكبر من العمق فهو يرى أن حرية الوطن لا تتحقق ما لم تتحقق حرية المواطن ولا تتحقق الشخصية للمواطن ما لم تكفلها الحرية السياسية والحرية السياسية وفقا لأحمد مصطفى السيد في مقال له بصحيفة الجريدة في أول مايو 1912 هي أن يشترك كل فرد في حكومة بلاده اشتراكا تاما وهذا معنى سلطة الأمة . ويذكر د. حسين فوزي النجار في كتابه لطفي السيد أستاذ الجيل أن لطفي السيد أخذ بالدعوة للدستور وقدمها أحيانا على الدعوة للاستقلال على أساس أن حرية الفرد هي أساس حرية المجتمع وأن الفرد الحر حريص أشد الحرص على حرية الوطن فإذا نمت الحرية الشخصية في نفس المواطن كانت كفيلا لحرية الوطن وحافزا للمواطن على تحقيق استقلال الوطن ولم يترك لطفي السيد سانحة تمر دون الدعوة للدستور حتى أصبح للدستور عنده لكثرة ما كتب عنه وعن مقوماته وشكله فلسفة خاصة . وعلى نسق دعوته إلى التدرج في نيل الاستقلال كان يدعو إلى قضية الدستور. فقد كان يرى أن ما نكسبه للأمة من أشكال الحكم الدستوري حتى وإن لم يحقق المعنى الكامل للدستور كسب جدير بطلبه وخطوة تتلوها خطوات للظفر بالأماني الدستورية كاملة. وقد اشتدت الحركة الدستورية في مصر منذ بداية العقد الثاني من العشرينات وأخذ لطفي السيد يغذيها بقلمه حتى اجتمع عليها الجميع. وحين أعلن جورست المعتمد البريطاني أن الأمة المصرية ليست أهلا الآن للدستور انبرى أحمد لطفي السيد للرد عليه منددا بهذه الفكرة واصفا إياها بأنها من اختراع الإنجليز لشغل الأمة بدلا من المطالبة بالدستور . ولم تقنع الأمة بتوسيع اختصاصات مجالس المديريات واستمرت في مطالبها الدستورية التي اجتمعت عليها في ذلك الوقت كما لم تجتمع من قبل حتى قام مجلس شورى القوانين يشارك الأمة في مطلب الدستور فاتهمه جورست بأنه غدا آلة يحركها الحزب الوطني لمحاربة الإنجليز. وعندما حل كتشنر محل جورست رأى أنه من الحكمة الاستجابة لمطالب الحركة الدستورية واسترضاء الشعور القومي ولهذا ألغى مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية وانتهى بذلك القانون النظامي الصادر عام 1883 وصدر قانون نظامي جديد في أول يوليو سنة 1913 فنشأ نظام الجمعية التشريعية وفى نفس التاريخ صدر قانون الانتخاب . ويرى د . مصطفى أبو زيد فهمي في كتابة النظام الدستوري المصري أن هذا القانون الجديد لم يأت بما كان ينتظر من تغيرات هامة على نظام الحكم ترضى طموح الأمة وتحقق بعض أمانيها الوطنية فلقد أقام هذا القانون نظاما للحكم المطلق كما أن معظم اختصاصات الجمعية التشريعية في هذا القانون اختصاصات استشارية وإن كانت منتخبة في معظمها إلا أنها لم تكن تملك اختصاصات نهائية فضلا عن أن الوزارة لم تكن مسئولة أمام هذه الجمعية التي كانت بمثابة البرلمان في إطار هذا القانون . ومع قيام الحرب العالمية الأولى أعلنت الحماية البريطانية على مصر لينتهي فعليا العمل بهذا النظام ولتبدأ الأمة المصرية مرحلة جديدة من النضال من أجل الاستقلال والدستور وهو ما تحقق جزئيا بعد قيام ثورة 1919 بإعلان إنجلترا تصريح 28 فبراير 1922 الذي أعلنت فيه إنهاء الحماية البريطانية على مصر وفى مارس 1922 أعلن الملك فؤاد استقلال البلاد وتغيير لقبه من سلطان إلى ملك وعاد سعد زغلول من منفاه. وفى 19 أبريل 1923 صدر أول دستور لمصر المستقلة وبعد ذلك قانون بإلغاء جميع ما تعلق بالجمعية التشريعية من أحكام القانون النظامي الصادر في سنة 1913 وهكذا انتهى هذا العهد وبدأ عهد جديد . ويرى بعض المحللين أن المجالس التشريعية الاستشارية التي نشأت في عهد الاحتلال البريطاني قد أتاحت الفرصة للمصريين لاكتساب الخبرات والمهارات اللازمة للعمل النيابي والبرلماني وهو ما بدا واضحا بعد بدء العمل بدستور 1923 وبالرغم من إمكانية قبول هذا الرأي إلا أن استعراض حركة التاريخ الدستوري منذ الثورة العرابية وحتى إعلان دستور 1923 توضح بعض الحقائق الهامة : 1- أن الحركة الوطنية قد ربطت بين استقلال والمطالبة بالدستور منذ البداية وهو ما يدل على النضج السياسي المبكر للحركة الوطنية المصرية. 2- تبلور خلال هذه الفترة تراث مصري دستوري راقٍ ويكفى أن نشير في هذا الصدد إلى دستور الثورة العرابية وهو دستور متقدم إلى حد كبير بل ولا نغالي إذا ما ذكرنا أنه من أفضل الدساتير المصرية من حيث درجة التطور الديموقراطى. 3- أن هناك دورا واضحا للقوى الاستعمارية في إجهاض الحركة الدستورية المصرية لأن في نمو هذه الحركة ما يتعارض مع مصالحها هذه القوى التي اعتادت أن تتحدث عن الديمقراطية كقيمة عليا يجب على الشعوب والدول أن تلتزم بهاهي ذاتها التي أجهضت محاولات التطور الديموقراطى في مصر خلال هذه المرحلة. 4- أن قضية الدستور وإصلاح نظام الحكم هي القضية التي اتفقت حولها كل القوى السياسية في مصر على اختلاف اتجاهاتها في ذلك الوقت وهو ما يدل دلالة واضحة على الأهمية التي أولتها الحركة الوطنية المصرية لهذه المسألة وعلى مدى استنارة هذه الحركة.