يختلف سن القاصر باختلاف القوانين والتشريعات واختلاف المواقع والجهات، فالقاصر في الولاياتالمتحدة وانجلترا هو من لم يتجاوز الثامنة عشر من العمر، أما في اسكتلندا فالقاصر من لم يتجاوز السادسة عشر، بينما يتراوح عمر القاصر في استراليا بين السابعة عشر والثامنة عشر تبعا لاختلاف الولايات. أما القاصر شرعا فهو الذي يقصر فهمه عن استيعاب التكليفات الشرعية. والولاية على القاصر أو المجنون أو المعتوه ولايتان: إحداها على النفس والأخرى على المال، وتثبت الولاية للعصبة بحسب ترتيبهم في الإرث على اختلاف بين المذاهب. ولا أدري تحت أي سند من شريعة أو قانون يحاول البعض اليوم أن يمتلك مصر ويحصل على تأشيرة مفتوحة بالولاية عليها بينما لا يتجاوز عمره عمر ماسورة انفجرت في إحدى أحيائها الفقيرة أو عمر كوخ من الصفيح تحت سفح جبل تذهب به الريح كل مذهب. هل يبلغ سن القاصر في بلادنا المسكونة بالعجائب سبعة آلاف عام من الحضارة والمجد؟ أم ترانا نعيش فوق تراب أرض فقدت عقلها لبلوغها سن الخرف فاستولى على مفاتيح خزائنها بعض السفهاء من أبنائها الذين لم يعرفوا لها قدرا ولم يرعوا لها حرمة؟ على الداخل إلى حرم هذه البلاد أن يخلع نعليه الملوثتين بروث التفكير الأهوج البالغ حد السفه في التعامل مع أم للتاريخ قبل ولادة الجغرافيا. لم تسء مصر التصرف يوما لينادي في المحافل وحول الطاولات المستديرة بالحجر عليها من لم تكن له ذات يوم مرجعية إلا تراب هذا الوطن. لم تصبح مصر جارية يرثها الولد - كما كان يفعل المجوس - عن والده ليطلبها في بيت الطاعة. مصر اليوم تتعالى على أي حجْر وترفض كل أصناف الوصاية. وشعبها الذي ضحى بفلذات أحلامه وخيرة بنيه ذات ثورة لن يقبل أن يوضع فوق أرفف التجاهل في مزاد علني يدعى إليه النخاسون من كافة بقاع الأرض، ولن يقبل أن يورث كتركة في وصية مخلوع. لم يوقع أبناء هذا الجيل عقد تنازل أو تخاذل عن حريتهم يوم بصمت عيونهم وقلوبهم وأناملهم على عقد شراكة لا تقبل التفاوض في حق تقرير المصير مع ثلة من أبناء هذا الوطن الذين أقسموا يمين ولاء على البر به وبهم. حين منح الشعب كراسي ثقة لبعض أبنائه لم يوقع على عقد نخاسة ولم يكتب توكيلا عاما بالبيع أو الرهن لوطن ظل عقودا رهن اعتقال. وحين خرج ملايين المصريين بصدور مفتوحة على مصراعيها لكل الرصاص المتطاير من كافة النوافذ لم يتركوا في حوانيت عقولهم مكانا لخوف لأنهم وهبوا أرواحهم لقضية لا تزال منظورة في محاكم التاريخ. على أولئك الذين يريدون أن يعقدوا قران مصر على زعيم تتوافق عليه دول الجوار أو دول الاستعمار أو بلاد ما وراء الحريات أن يراجعوا ملفات الذاكرة كي لا يضيع دفتر الحرية في زحمة مشاريعهم الصغيرة، ذلك الدفتر الذي جمعهم ذات رصيف بشعب كره الأصفاد حد الكفر وكفر بكل الخناجر وكل الطعنات. قد لقحت الثورة هذا الشعب بمصل الحرية الذي حرره من كل أمراض الخوف والغفلة والنسيان. على أمراء الكراسي أن لا يغامروا بالتخلي عن مقاعدهم في قلوب البسطاء من أجل مغامرة قد يفقدون معها كراسيهم وفرصتهم الذهبية في صناعة قلادة لعروس البلاد. الموكلون بالتوقيع على عقد قران الوطن هم صناع الحلم من كافة أصقاع المحروسة، وليس فقط أولئك الذين يغامرون بمغادرة التاريخ قبل أن يدخلوه أو يخطوا في صفحاته بمداد صدقهم حرفا واحدا.