المفكر الاسلامى محمد عماره ليست الصورة الشائعة عن الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي يعتبره كثير من المؤرخين خامس الخلفاء الراشدين لاستقامته وعدله هي صورة الرجل الصالح الهارب من الدنيا يبتغي جنة الآخرة يدعو للإصلاح ورد المظالم و مساعدة الفقراء حتي قيل ان موزعي الزكاة احتاروا لأنهم لم يجدوا فقيرا في عهده يستحق الزكاة. خلف هذه الصورة توارت ميزة برزت في عهده و هي الثورة الاجتماعية و الاقتصادية التي أرساها واختار الولاة و القضاة بنفسه لتطبيقها وإرساء العدل بين الناس واستكمالا لحلقاتنا السابقة نستعرض مع المفكر الإسلامي الكبير الدكتور محمد عمارة عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف مفهوم الدولة والقضاء عند خامس الخلفاء الراشدين الخليفة عمر بن عبد العزيز وهو بالمناسبة حفيد الخليفة العادل سيدنا عمر ابن الخطاب . ------------------------- ؟ عمر بن عبد العزيز هو أمير من أمراء بني أمية أبوه هو عبد العزيز بن مروان بن الحكم وأمه هي أم عاصم بنت عاصم بن عمر ابن الخطاب الخليفة العادل. ولد عمر في المدينة و نشأ أميراً وأتاحت له الحركة العلمية فيها أن يسير في دربها وتميز في العلم حتي صار يطلق عليه (معلم العلماء) وكان دائما يقول انه يتمني أن يسير علي منهج جده سيدنا عمر ابن الخطاب- وعندما بلغ الخامسة والعشرين تولي إمارة المدينة في ربيع الأول 87ه في عهد الوليد بن عبد الملك وكانت تلك أولي تجاربه في عالم السياسة و الحكم. ------------------------ ؟ أكيد كانت نقطة تحول في فكره فقد أدرك أن التحول الأساسي للدولة الأموية و الذي قلبت به نظام الحكم الذي أسسه الخلفاء الراشدون تمثل في فلسفة الحكم فبدلا من الشوري والاختيار كان النظام ملكاً وراثياً وهو قد حرم الأمة من فرص الحرية والتعبير عن الرأي في الاختيار وأسفر هذا عن مظالم كثيرة عاشها الناس ستين عاماً ذاقوا وبال حكام طغاة أذاقوهم الظلم ونهبوا ثرواتهم و كبلوهم بالقوانين. -------------------------- ؟ لا -- عمر لم يستجب لهذا و لم يكن ديكتاتوراً في الحكم بل استهل الحكم بدعوة عشرة من فقهاء المدينة وأخيرهم وكون منهم مجلس شوري للولاية وحدد مهامهم و تمثلت في شروط القاضي والقضاء ومنها : معاونته علي الحكم بالعدل وبشرع الله و فرض الحق ومراقبته إذا جار ومعاونته علي رد المظالم و الحيلولة دون الانفراد بالرأي وقال لهم : ما أريد أن اقطع أمراً إلا برأيكم هكذا بدأ ولايته فرد الحقوق ونشر العدل و ساوي بين الناس وعادت المدينة كما كانت علي أيام رسولنا الكريم فنزح إليها الهاربون من مظالم الحجاج بن يوسف في العراق وعلم منهم بظلمه فكتب إلي الوليد بن عبد الملك يشكو ما يتعرض له ظلم المسلمين هناك ولجوئهم للمدينة وعلم الحجاج بذلك و كرهه كرها شديداً وأوشي به عند الوليد وأن الثوار يتجمعون في المدينة فقام بعزله وخرج عمر إلي قرية السويداء في دمشق. ----------------------- ؟ كانت تقوي عمر بن عبد العزيز ليست الصلاة ولا الصيام فقط و إنما كانت حل مشكلات المسلمين وجهاده في إزاحة المظالم ونزع الثروات المنهوبة وردها لأصحابها و كانت رحمته قد شملت الحيوان عندما أمر عمال البريد بعدم وضع حديد في السوط الذي تُنغز به الدابة وفي هذا تقول زوجته و الله ما رأيت عبداً اشد خوفا من الله من عمر. ------------------------- ؟ تولي عمر بن عبد العزيز الخلافة الإسلامية في 21 صفر 99 ه الموافق 3 من أكتوبر 717م بعد ان رشحته مشورة صادقة من عالم صالح هو (رجاء بن حيوة) لسليمان بن عبد الملك حينما اشتد عليه المرض واقتنع سليمان بالمشورة و أوصي بعد وفاته بمبايعة عمر بن عبد العزيز خليفة، وقال قولته الشهيرة عقب توليه الخلافة للمسلمين في المسجد : أنا لست بقاض و لكني مُنفذ ولست بخيركم ولكني رجل منكم غير أن الله جعلني أثقلكم حملا فإن عدلت فأعينوني وإن ظلمت فقوموني وقال أن طاعته غير واجبة إذا خالف شرع الله و جار علي احد، و عندما عاد للبيت فإذا هو في مصلاه سائلة دموعه، فقالت زوجته : يا أمير المؤمنين، الشئ حدث ؟ قال : يا فاطمة إني تقلدت أمر أمة محمد صلي الله عليه وسلّم فتفكرت في الفقير الجائع ، والمريض الضائع ، والعاري المجهود، والمظلوم المقهور، والغريب المأسور، وذي العيال في أقطار الأرض، فتذكرت أن ربي سيسألني عنهم فبكيت . ---------------------------- ؟ نعم بدأ حركة الإصلاح فوراً وعقب صلاته علي جنازة الخليفة السابق سليمان و اصدر قرارات جذرية بعزل كل الولاة الظالمين ورد ما امتلكوا من أموال وأراض بغير حق وعاد لقصر الخليفة فوجده مفروشا بفُرش باهرة فرفض الجلوس فيه وعاد للمسجد وخطب في الناس أن مكان المظلوم هو بيت الخليفة وكل من تعرض للظلم يأتي و يأخذ حقه واعفي المظلوم من الإذن بالدخول عليه وكان يرسل رسل ثقات يتفقدوا أحوال الناس ويساعدوا الفقراء ويطعموا الجيعان حتي احتار البعض منهم بأنه لم يجد فقيرا يساعده. ----------------------------- ؟ هو شدد علي ذلك في خطبه ومراسلاته مع الخطباء والولاة بأن المرجعية هي الكتاب والسنة وأن رأس الدولة تنفذ ما يحكم به القضاء ويشير به المشيرون وأن رأس الدولة ليس خير الناس وإنما أثقلهم حملاً. و كذلك أشار لأركان السلطة الأربعة فقال : إن للسلطان أركانًا أربعة لا يثبت إلا بها ، فالوالي ركن والقاضي ركن وصاحب بيت المال ركن والركن الرابع الإمام والعدل أساس لثبات الكل. --------------------- ؟ نعم وضع شروطاً للولاة منها الحكم بالعدل و تطبيق شرع الله و المساواة بين الناس واختار الولاة الثقات لتطبيق أسس القضاء في عهده وكتب لهم: خمس إن أخطأ القاضي منهم خصلة كانت فيه وصمة وهم : أن يكون فهيماً ، حليماً ، عفيفاً ، عالماً يسأل عما لا يعلم وأيضا كان يؤكد علي مقولته الشهيرة للقضاة : إذا دعتك قدرتك علي الناس لظلمهم فاذكر قدرة الله عليك ويأمرهم بالزهد و بدأ بنفسه فكان يرتدي أفقر الثياب وطالب الولاة الظالمون برد ما لديهم وقام بعزل يزيد بن المهلب من ولاية خراسان وسجنه لرفضه رد ما في ذمته لبيت مال المسلمين، شوقال له أنها حقوق المسلمين ولا يسعني تركها وقامبثورة إدارية واجتماعية و اقتصادية للدولة أهدافها إزالة الجور ورد المظالم وعندما علم أن احد الولاة يظلم الناس أرسل إليه قائلا : لقد كثر شاكوك و قل شاكروك فإما عدلت و إما اعتزلت . ------------------- ؟ نعم هو بدأ بنفسه فعندما تولي الخلافة تبرع بكل ما يملك لبيت مال المسلمين وخير زوجته بينه وبين ما تملك من أبيها من جواهر و أموال فاختارته و عاشت معه وأبنائها كفقراء المسلمين و تبرعت بكل ما تملك لبيت مال المسلمين ثم جاء بأهله ثم الولاة في الحكم السابق وأمر بضرورة رد ما تملكوه ظلما للناس و هنا صار ضده الكثير من المؤامرات لكن الله أعانه علي رد الحقوق المسلوبة لأصحابها وقال إن المال مال الله للمسلمين وأقام دار لإطعام الفقراء و حذر أهله من الاقتراب منه وكانت زوجته حامل وتاقت لشربة لبن وجاءت من تتابعها بشربه من دار طعام الفقراء فرآها عمر واشتد غضبه و منع زوجته من شربه وقال إن لم يمسك ما في بطنك إلا طعام المساكين والفقراء فلا امسكه الله فالتكافل الاجتماعي شمل الكل مسلمين وغير مسلمين وكان يطالب الولاة بالإنفاق علي غير المسلم إذا لم يكن له مال أو طعن في السن وكان يقول لهم لا فرق ولا تفرقه فيما تتطلبه حياة الإنسان. ------------------------------ ؟ حكمه حوالي عامين و خمسة أشهر، وعندما كان علي فراش الموت سأله مسلمه بن عبد الملك أن يكتب لأولاده مال يعينهم بعد وفاته بدلا من الفقر الذي أعاشهم فيه فقال : منعتهم إياه في حياتي أتريد أن اشقي به بعد وفاتي.