في المجتمع الدبلوماسي المصري، والعالمي، هنالك من يشعر أنه بعد انتهاء عمله الرسمي، أنه أدي واجبه وأن من حقه أن يستريح ويركن إلي الهدوء يهتم بشكل أكثر بشئونه الشخصية، غير أن فريقا آخر يشعر أنه مازال لديه من خبراته وتجاربه ما يستطيع أن يقدمه للعمل العام في مجلات مختلفة. من هذا الفريق كان السفير علي ماهر( 1939- 2016) فبعد تاريخ طويل من العمل الدبلوماسي في عدد من الناطق توجها سفيرا لمصر في باريس لمدة عشر سنوات (1992 - 2002) وتوحي هذة الفترة الطويلة من العمل سفيرا في باريس أن أداءه كان متميزا وأنه بني علاقات وثيقة مع مختلف طبقات المجتمع الفرنسي سواء مع المؤسسات الرسمية وشخصياتها، أو مع المجتمع المدني ومؤسساته وخاصة الإعلامية، والثقافية. وفي الداخل يوحي اختياره لمواقع مؤثرة مع محمد حافظ إسماعيل عندما كان مديرا للمخابرات العامة، ثم مديرا لمكتب بطرس غالي وكان موضع ثقته وتقديره، ثم مديرا لمكتب وزير الخارجية عمرو موسي، يوحي هذا بالثقة في أدائه وشخصيته التي تميزت بالهدوء والاحترام. هذا التاريخ في العمل الديبلوماسي الرسمي هو الذي هيأه لكي يواصل عطاءه ولكن في مؤسسات فكرية وثقافية، فقد أختير لكي يكون أمينا عاما لمنتدي الفكر العربي في بيروت (2003 - 2006) وضع خلالها الأسس والآليات التي سيتطور عليها نشاط المنتدي، وعندما عاد إلي القاهرة ارتبط بمكتبة الأسكندرية، وقدر مديرها الدكتور إسماعيل سراج الدين أنه يستطيع أن يستثمر علاقات علي ماهر الدولية ومعرفته بالعالم، فعهد إليه بأن يكون مستشار المكتبة للعلاقات الخارجية، وحتي آخر لحظة ورغم وطأة المرض كان علي ماهر ينظم مؤتمرا كبيرا عن العلاقات المصرية الفرنسية. وخلال عمله في مكتبة الأسكندرية، وربما وفاء لشقيقه أحمد ماهر الذي كان له الفضل في اختيار الأسكندرية مقرا لمنظمة أنا لند رأس علي ماهر الشبكة الوطنية للمنظمة لعدة سنوات، إدراكا منه لدور مصر ومسئولياتها تجاه هذه المنظمة. تاريخ حافل من العطاء الديبلوماسي والثقافي، وشخصية تميزت منذ اليوم الأول بدماثة الخلق والاحترام والنقاء، والعمل بهدوء دون سعي للأضواء.