ارتفعت معدلات التعصب للرأي والانقسام والاختلاف في الآراء بين جيل الشباب، الأمر الذي وصل إلي الخصام والقطيعة وتبادل الشتائم والاتهامات حيث اختفت لغة الحوار صوت الشجار، وتمسك كل فرد برأيه وتطاول علي المخالف له، ووقعت الخلافات، فما أن يبدأ بينهم حديث حتي ينتهي بالخلاف والاختلاف والتنافر بل إن الأمر قد يتعدي ذلك ويصل لحد التطاول والسباب بينهم.. وبالفعل أخذت ظاهرة التعصب في الانتشار بمعدلات مرتفعة، وصارت تضرب عمق العلاقات بين الفرد ومن حوله وتؤثر علي كيان المجتمع ككل، وقد تعددت صور التعصب وأنواعه فقد أصبحنا نري التعصب السياسي والمذهبي والطائفي والفكري والحزبي بل والكروي.. وغيرها من الصور المختلفة للتعصب، وكلها مقيتة ومهلكة ويرفضها الشرع تماما ويحذر منها ومن آثارها علي المجتمع. في البداية يؤكد د.حمدي طلبة أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة الزقازيق، أن التعصب يعني انحياز فرد أو جماعة لفكرة أو مذهب أو حزب أو مبدأ أو رأي أو موضوع أو تخصص أو فريق أو لشخص، هذا الانحياز غير قائم علي أي درجة من الوعي، وبدون معايير أو موضوعية تبرره.. ويقول د.طلبة: وهناك مصطلحات اجتماعية كثيرة مرتبطة بالتعصب منها الانحياز والتشدد والمبالغة والحماقة والاعتقاد والاندفاع، وإذ بحثنا عن أسباب التعصب سنجدها ترجع إلي ضعف المستوي التعليمي والثقافي، وغياب الفهم والمعرفة المتكاملة لدي المتعصب، كذلك يرجع إلي وجود خلل في التربية والتنشئة الاجتماعية، وضعف الوازع الديني، وأحادية النظرة، وفقدان القدوة، يضاف إلي ذلك عدم النضج وزيادة مستوي الحماقة، نضيف إلي كل هذه الأسباب والعوامل تأثير وسائل الإعلام والاتصال فنحن نجد في المرحلة الراهنة وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية بخلاف شبكات الاتصال والتواصل الموجودة علي الانترنت فعدد غير القليل يعمل علي إذكاء روح التعصب لدي الجماهير، إلي جانب كل ذلك فإن انعدام الشفافية بين الناس وعدم وضوح الأمور والحقائق يؤدي إلي التعصب. يقطع روابط العلاقات ويوضح د.طلبة أن التعصب من شأنه إثارة الفوضي والفتن والفزع والخوف داخل المجتمع وإحداث تفكك اجتماعي وانقسامات حادة بين أفراده، كما يؤدي إلي إرتكاب الجرائم، بل لقد شاهدنا كيف كاد التعصب الكروي أن يفسد العلاقات بين الدول، وكيف أن التعصب المذهبي يفتك بأركان دول ويمزقها؟ لذلك علي شبابنا الابتعاد كل البعد عن هذا السلوك المقيت الذي يضره ويفسد علاقاته بأفراد أسرته أو بأصدقائه ومن حوله، فيجب أن نبتعد عن التعصب وأن لا نجعل الاختلاف في الرأي يقطع روابط العلاقات بيننا ويقضي علي صلات المودة والتراحم، فلا يجب أن يتمسك كل شخص برأيه ويخطيء الرأي الآخر، ولا يعترف لصاحبه بالحق في حرية الاختيار والاعتقاد. يجب علينا أن نكون علي يقين أن عدم التعصب هو الذي يقود التعايش والاستقرار الاجتماعي وتطوير أواصر وأسباب التعاون بين مختلف أبناء المجتمع.. ويقول: فالأصل في العلاقات الاجتماعية والإنسانية، أن تكون علاقات قائمة علي المحبة والمودة والتآلف، حتي ولو تباينت الأفكار والمواقف. دور خطير للإعلام وحول الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام المختلفة في ظاهرة العصبية تقول د.هاجر سعدالدين رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق بالإذاعة المصرية: للأسف الشديد تلعب بعض وسائل الإعلام دور خطير جدا في إذكاء روح التعصب، خاصة بعد أن أصبح أمر امتلاك قناة تليفزيونية أو إذاعية أو الحصول علي ترخيص صحفية أمر متاح للجميع، فأصبحنا نجد غير المؤهلين للعمل الإعلامي يعتلون القنوات الفضائية وأعمدة الصحف يعبثون في عقول الشباب وأفكارهم ويبثون أفكار شيطانية تدعو للتعصب، وتعمل علي الفرقة والخلاف بين أبناء المجتمع الواحد، هذا في الوقت الذي يجب أن يكون في الإعلام بعيدا فيه كل البعد عن إذكاء روح التعصب والغلو، ويكون منطلق من التوجيه النبوي الشريف الذي جاء في قوله صلي الله عليه وسلم: »ليس منا من دعا إلي عصبية»، وقوله »دعوها فإنها منتنة» (أي العصبية). وتشدد د.هاجر، علي أنه يجب عدم ترك المنابر الإعلامية لغير الإعلاميين المتخصصين. وتقول: يجب الاعتماد علي المتخصصين الذين يحرصون في عملهم علي إرضاء الله علي إن تتسم كل أعمالهم المقدمة للجمهور بالحياد والصدق وتحري الحقيقة وعدم نشر وترويج الإشاعات أن الوضع في معظم دول عالمنا الإسلامي لا يتحمل العصبية، والانتماء يجب أن يكون فقط لدين وللأمة الإسلامية والعربية لا للعصبية القبلية أو العرقيات أو الجنسيات ولا إلي مذهب أو حزب أو جماعة أو شخص، ولابد كذلك من التحرك السريع لايجاد إعلام إسلامي يواجه كل فكر شاذ ومنحرف يخالف الشريعة الإسلامية السمحاء، ويبتعد عن صحيح الدين ويدعو الشباب للتعصب، إعلام يقوم بالرد علي كل الأفكار المتشددة الدينية والسياسية والرياضية التي تتبني التعصب وتنشر من خلال عدد من وسائل الإعلام وخاصة بعض الفضائيات التي ظهرت الآن. فلابد من مواجهة الفكر الفاسد بالفكر الصحيح، وأن نقوم بتفنيد المزاعم والأكاذيب والخرافات التي تبث، وتغرق الشباب في ظلمات الجهل، وتأخذهم دون وعي لطريق التعصب والتطرف والغلو. تفكك المجتمع وإضعافه ويشدد د.محمد الدسوقي أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، علي أن الإسلام قد دعا منذ بعث رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي نبذ التعصب وإلي قبول الرأي والرأي الآخر.. ويقول د.دسوقي: ولا أدل علي هذا من أن أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم كانوا يختلفون معه، ويختلفون مع بعضهم البعض من دون تعصب ولا تمسك بالرأي، ورسولنا الحبيب صلي الله عليه وسلم يقول: »ليس منا من دعا إلي عصبية، وليس منا من قاتل علي عصبية، وليس منا من مات علي عصبية».. ولقد اختلف السلف الصالح بعضهم من بعض والمستعرض لاختلافاتهم وأفكارهم ونحلهم ومذاهبهم لا يجد أحد منهم تعصب لفكره أو لمذهبه ورأيه، ولا أحد منهم كفر صاحبه ولا فسقه ولا بدعه لماذا؟.. لأنهم التزموا منهج الإسلام الذي نهي عن التعصب وأمر بقبول الرأي والرأي الآخر دون مصادرة، يقول الإمام الشافعي - رحمه الله - : »رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب»، مما يدل علي أن هؤلاء السلف والفقهاء ومن قبلهم المسلمين الأوائل لم يتعصبوا إلي آرائهم، ولم يسفه أحد منهم رأي الآخر، أو يصادره حتي لو كان رأي غيره ظاهر البطلان، وأدب الحوار يقتضي عدم التعصب سواء كان هذا التعصب إلي رأي أو مذهب أو فكر أو انتماء أو توجه أو نحو ذلك.. لماذا؟ .. لأن من شأن عدم التعصب الوصول للحق، ومن شأن التعصب أن يفضي إلي باطل ويوقع الخلاف والتناحر ويؤدي إلي تفكك المجتمع وإضعافه، وليس التعصب من منهج الإسلام في شيء، إنما منهجه إن يستمع الإنسان إلي غيره وأن يدع غيره يسمعه، والتعصب يقود كذلك إلي السفه وسوء الأدب بل وإلي الإجرام وإلي كل الخصال والصفات غير الحميدة التي نهي عنه الإسلام أتباعه.