اللواء أركان حرب سيد غنيم، زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا، واستشاري الأمن القومي والدفاع بأبوظبي.. يتميز بالعقلية المنظمة التي اكتسبها من خلال سنوات خدمته الطويلة بالقوات المسلحة وقد أهلته للعديد من المناصب المهمة ، يطرح اللواء غنيم خلال هذا الحوار فكرته حول تأسيس مجموعة من مراكز الأبحاث الاستراتيجية التي يطلق عليها مراكز الأفكار الاستراتيجية أو Strategic Think Tank، لتكون داعما للدولة في صنع القرارات الاستراتيجية في جميع المجالات داخليا وخارجيا، ويعمل بها صفوة من العقول الشابة والنابغين في مختلف المجالات بالاضافة الي عملها جنبا الي جنب مع نظيراتها بالدول الغربية في كافة مجالات الأمن القومي، بما يعين رئيس الدولة ومجلس الأمن القومي ومجلس الوزراء علي اتخاذ القرارات السديدة.. تفاصيل الفكرة وآلياتها في السطور التالية.. حدثنا عن فكرة (خزائن) الفكر الاستراتيجي وما الدافع وراءها؟ هي فكرة ليست جديدة، ولكنها لم تفعّل بالشكل المطلوب، وتتلخص في إنشاء وتفعيل مراكز فكر (مراكز دراسات إستراتيجية) تتعاون في صنع القرارات الإستراتيجية. أما عن الدافع، فمعروف أن مصر الدولة ذات الأهمية الإستراتيجية بالمنطقة والعالم تعمل من خلال عدة تحالفات إقليمية ودولية، وحان الوقت أن تصبح حليفاً إستراتيجياً بكل ما تحمله الكلمة من معان مع حلفائها وخاصة الولاياتالمتحدة.. والدولة الحليف الإستراتيجي هي التي تفكر بشكل متضامن ومشترك مع حلفائها وليس تابعاً لهم تتلقي منهم قراراتهم ومخططاتهم وتنفذها فقط. ولكي تكون مصر حليفا إستراتيجيا حقيقيا وجب أن توجد الوسائل والأدوات التي تمكنها من ذلك، وربما نفس الأدوات والوسائل التي تستخدمها الولاياتالمتحدة في صنع قراراتها ومن أهمها تلك الأداة غير الرسمية وتسمي (Strategic Think Tank)، أو مراكز (خزائن) الفكر الإستراتيجية. الافضل عربيا وتوجد بالفعل العديد من مراكز الدراسات في مصر.. فما الجديد الذي تقدمه؟ أنا أحد من تتلمذوا علي إصدارات ونشرات مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ولا يمكن أن ينكر أحد مجهود هذا المركز الرائع وهو الأفضل عربياً ضمن عشرة مراكز إستراتيجية عربية عام 2014 / 2015، ، ولكن لا نسمع عن مراكز أخري معنية بجوانب الأمن القومي تحوز الاهتمام سوي مركز الاهرام والمركز المصري للدراسات الاقتصادية الذي حصل علي المركز العاشر عربيا، من خلال التقييم الذي أجراه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية من خلال عدة معايير. ورغم ذلك فإن جميع المراكز العربية العشرة لم تتواجد ضمن أفضل عشرين مركزاً إستراتيجياً دولياً، حيث حصل معهد بروكنجز الأمريكي علي المركز الأول، أما المركز العشرون فحصل عليه معهد جنوب إفريقيا للشؤون الدولية من خلال نفس معايير التقييم الخمسة التي خضعت لها تلك المراكز. وأحد أهم هذه المعايير ما يرتبط بالقدرة علي دعم اتخاذ القرار وصناع السياسات حيث يقيس (مدي تمكن المؤسسة البحثية من التواصل بينها وبين صناع القرار والسياسات في الدولة المعنية.. ودور المؤسسة البحثية في دعم القرار الوطني وتطوير الإستراتيجيات والسياسات داخليا وخارجياً.. وعدد التقارير والدراسات المرفوعة إلي صناع القرار، سواء بطلب منهم أو بمبادرة من المؤسسة البحثية ذاتها.. وعدد مشاركات المؤسسة البحثية في عمليات التقييم المسبقة للاقتراحات المطروحة علي صانعي السياسات؛ مثل: تقييم مشروعات القوانين والقرارات التنفيذية.. وقدرة المؤسسة البحثية علي طرح حلول عملية وواقعية للتحديات التي يواجهها المجتمع، وتجسير الفجوة بين الرؤي النظرية والسياسات التنفيذية). ولا أظن أن مراكز الدراسات الإستراتيجية المصرية تتاح لها هذه الفرص بالصورة المرجوة. في الوقت الذي نجد فيه دولا مثل الولاياتالمتحدةوبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها لديها المئات من مراكز الفكر المعنية بدراسة كافة جوانب الأمن القومي (السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية) وتقدم الأفكار والحلول وجميعها لصالح إستراتيجيات ذات الخطط القابلة للتنفيذ ومنها مراكز تابعة لمجلس الأمن القومي أو لوزارات الخارجية والدفاع والتخطيط، فضلاً عن المراكز التابعة للجامعات والاكاديميات العلمية أما معظمها فمستقل تماماً ولا يتبع أي جهة حكومية. وتعمل هذه المراكز في تواصل وبشكل يجعل كلا منها منفتحا علي الآخر وبما يمكنها أيضاً من تقديم مشروعات سياسية تنفذ دولياً. مراكز موازية أليس من الأولي أن يكون للمراكز البحثية المصرية دعم وثقة وتواصل أكبر من قبل مؤسسات الدولة؟ طبعا لابد من الدعم الي جانب إنشاء مراكز فكر أخري متخصصة موازية مستقلة تماماً تعمل لصالح أجهزة الدولة خاصة مجلس الأمن القومي ومجلس الوزراء بنفس الأسلوب وبما يقدم المشورة والحلول ويعاون صناع القرار في مهامهم.. والأهم أن تعمل جنباً إلي جنب مع نظيراتها بالولاياتالمتحدةالأمريكيةوبريطانيا وفرنسا واليابان وتايوان وغيرها في كافة مجالات الأمن القومي، وبما يعين رئيس الدولة ومجلس الأمن القومي ومجلس الوزراء علي اتخاذ القرارات المتوازنة السديدة. وكيف يمكن تطبيق فكرتك في انشاء خزائن الفكر بنفس المفهوم في مصر؟ يجب أولاً الاهتمام بشكل حقيقي بأهمية مراكز الفكر ودورها في المشاركة الفعالة في صنع القرارات الإستراتيجية للدولة، مع تخصيص مصادر وميزانيات التمويل اللازمة. وتعطي أولويات لإنشاء مراكز الفكر المتخصصة في الدراسات السياسية والأمنية، وأخري اقتصادية، فضلا عن مراكز الفكر البحثية التربوية والتعليمية والإنسانية والاجتماعية كمرحلة أولي، ثم يتم إنشاء مراكز متخصصة أخري علي التوالي في مجالات البحوث العلمية و الزراعية والصناعية والتاريخية والجغرافية. وقد تخصص ميزانيتها والموارد اللازمة ضمن ميزانية البحث العلمي. وكيف يتم اختيار العاملين بهذه المراكز من وجهة نظرك؟ يتم انتقاء المتخصصين العاملين بها بعناية من الشباب سواء باحثين في درجات الماجستير والدكتوراه والزمالات العلمية بالجامعات وكذا الصحفيون المتخصصون النابغون ممن يمتلكون قاعدة ثقافية حقيقية وأفكارا واعية والمشهود لهم بالفكر المتطور والقدرة علي إيجاد الحلول وعلي الابتكار من خلال أعمال واضحة لهم باللغة العربية واللغات الأجنبية. كما يتم اختيار رؤساء المراكز ورؤساء أقسامها بواسطة العاملين بها أنفسهم من خلال انتخابات داخلية حرة من خلال معايير وشروط متوافق عليها. واتاحة الفرصة للتابعين لتلك الخزائن لعرض أبحاثهم من خلال توفير الخدمات الأكاديمية العملية والعلمية؛ مثل: عقد المؤتمرات والندوات الأكاديمية والندوات.. وما أهم مراكز الفكر الدولية المعروفة ؟ ربما يمكنني رصد أفضل المراكز الدولية العالمية بالترتيب وهي كالآتي: معهد بروكنجز- أمريكي- والمعهد الملكي للشؤون الدولية- »تشاتهام هاوس»- بريطاني- ومركز الدراسات الإستراتيجية الدولية- أمريكي. ومعهد إستكهولم لأبحاث السلام العالمي - سويدي. ومؤسسة راند- أمريكية. والمعهد الألماني للشؤوون الأمنية والدولية - ألمانيا. ومجلس العلاقات الخارجية- أمريكا. والمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية- بريطانيا. ومؤسسة فونداكاو جيتوليو فارغاس- جمهورية البرازيل الاتحادية. ومعهد اليابان للشؤون الدولية- اليابان. وما الهدف المرجو من تفعيل هذه المراكز الاستراتيجية؟ تعمل هذه المراكز لتنفيذ الآتي: المبادرة من جانب والاستجابة الفورية من جانب آخر لأهم الأحداث والتطورات والمتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية، وذلك من خلال الدراسات والبحوث والإصدارات الدورية والنشرات العلمية والترجمات المتنوعة. والانفتاح علي المؤسسات البحثية القومية والإقليمية والدولية، وبما يعكس بالإيجاب طبيعة عملها وإنتاجها ونشاطاتها. إضافة الي عقد المؤتمرات والندوات وورش العمل المتخصصة محلياً وإقليمياً ودولياً وبما يمكنها من جذب النخبة عالميا وإقليميا من صناع قرار ومفكرين وباحثين وأكاديميين وخبراء؛ للمشاركة في نشاطاتها المختلفة. وكذا دعم القرار الوطني وتطوير الإستراتيجيات والسياسات داخليا وخارجياً، من خلال التقارير والدراسات المرفوعة إلي صناع القرار. والمشاركة في عمليات التقييم المسبقة للاقتراحات المطروحة علي صانعي السياسات؛ مثل: تقييم مشروعات القوانين والقرارات التنفيذية. وطرح حلول عملية وواقعية للتحديات التي يواجهها المجتمع، وتجسير الفجوة بين الرؤي النظرية والسياسات التنفيذية. أيضا إتاحة الفرص للباحثين الأكاديميين المتميزين.