سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
»صان الحجر«.. »أقصر الشمال« تغرق في بحور الإهمال ... »تانيس« عاصمة مصر الفرعونية مأوي للصوص والكلاب ! تماثيل ومقابر الملوك والملكات.. ومسلات.. ملقاة في العراء ... تمثال رمسيس الثاني مهشم وآبار النبي يوسف تملؤها القمامة
البداية كانت من مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية.. قمنا بالسير لمسافة 80 كيلومترا شمالا لكي نصل إلي »صان الحجر» أو »تانيس».. بمجرد أن تطأ قدماك مدخل المدينة، تستقبلك القمامة التي تتراكم بجوار سور المنطقة.. إضافة إلي الترع والمصارف والتي حولت مدخل »صان الحجر القديمة» إلي مقلب للقمامة بعد أن كانت عاصمة مصر سنة 1400 قبل الميلاد.. طريق غير ممهد.. يفتقد مجرد لوحة إرشادية تشير إلي قيمة المكان، لتشعر بالمرارة، سألنا أحد الأشخاص »صان الحجر أروحها إزاي؟» فأجاب: »أنت رايح لمين هناك» فأجبناه: »سياحة» فرد بشكل ساخر: »امشي علي طول في شمال بس اوعي يتنصب عليك» في إشارة واضحة إلي أن هذه المنطقة بؤرة لسرقة وتجارة الآثار »والجواب يبان من عنوانه».. تقدمنا نبحث عن لافتة تدلنا إلي »تانيس» العاصمة القديمة لمصر ولكن »لا حياة لمن تنادي».. فبدلا من وضعها علي خريطة السياحة العالمية، تركت فريسة للإهمال، طرق تتخللها المطبات العشوائية والمنحدرات وأكوام الرتش.. تسير 30 دقيقة تقريبا من مدخل القرية لتصل للمكان الذي تشبع بالمياه الجوفية، حتي غمرت الآثار. الاندثار أو السرقة ويقول محمد أحمد سليم »من سكان صان الحجر» إن مشاكل القرية لا تنتهي وكثيرة فمن مشاكل الصرف غير الصحي إلي أزمة القمامة والترع والمياه الجوفية التي استباحت كل مكان في القرية حتي وصلت إلي »صان الحجر» عاصمة مصر القديمة والتي تعاني الإهمال منذ عشرات السنوات حتي وصل بها الحال إلي ما آلت إليه المنطقة التي تمثل ثلث آثار مصر، وأضاف إننا سمعنا كثيرا عن تطوير المنطقة ووضعها علي الخريطة السياحية وانتشال الُاثار والتماثيل والمسلات التي تركت في العراء تنتظر اما الإندثار او السرقة، واضاف سليم بانه منذ اكثر من 30 سنة كنا علي الخريطة السياحية، »وصان» بها 4 آبار جوفية من الأسرة ال22 هي الأندر حتي الآن ولا يوجد مثيل لهذه الآبار وها هي الآن تنشع بالمياه الجوفية والقمامة والطين من كل صوب. التسلل ليلا ومن أمام بوابات الدخول لمنطقة صان الحجر الأثرية تستقبلك بوابات متهالكة و3 خفراء وساحه انتظار للسيارات غير آدمية وكافيتريا مغلقة تراكمت عليها الأتربة ومجموعات من الكلاب الضاله بجوار استراحة الملك فاروق والتي تحولت إلي مخزن ايل للسقوط والاغرب ان المسئولين عن المنطقة اخرجوا التماثيل خارج استراحة الملك ليتركوها في العراء وللكلاب الضالة التي تتبول عليها بين الحين والاخر وهي تماثيل وتوابيت تؤرخ إلي الأسرة السادسة والعشرين في القرن الخامس ق.م تقريبا.. فنجد التابوت الذي يستلقي ظهره علي الأستراحه المتهالكة هو تابوت لقائد الرماة ورئيس الكهنة »ون جباو إن جد» في عهد الملك بسوسنيس الأول... وغطاء التابوت الآخر يرجع للكاهن الاكبر »حور نخت» وقد بدا علي هذه القطع الأثرية النادرة عوامل التحلل في ظل الإهمال المستفحل، وبعد خطوات تجد نفسك في صحراء جرداء.. تقدمنا قليلا لكي نقطع تذاكر الدخول للمكان ولكن أحد الخفراء قام بتحصيل مبالغ رمزية له دون إعطاء أي تذاكر لنا، المشكلة أن هذه البوابات بالسور الخارجي لايحمي ال 400 فدان بأكملهم فهو غير مستكمل، لذا فإن الوضع أثبت لنا بعد ما تحققنا من الأهالي أن هناك الكثير من أهل القرية من ضعاف النفوس يقومون بالتسلل ليلا داخل الحرم الأثري بعضهم يتفق مع خفراء المكان والآخرون دون علمهم ليقوموا بالحفر تحت التربة التي تشبعت بالمياة الجوفية للفوز بقطعة أثرية قد تغنيهم عن العمل طوال حياتهم، تقدمنا قليلا لنجد سائحا واحدا يقوم بالتصوير بنهم لهذه المنطقة وبسؤاله أكد أنه من البعثة الفرنسية وهو مسئول عن التنقيب عن الآثار في المنطقة. البعثة الفرنسية وبسؤال »ا.ش» خفير بالمنطقة الأثرية أكد أن مساحة المكان 400 فدان وهذه منطقة أثرية ضمن المناطق المسئول عن التنقيب فيها البعثة الفرنسية، ولكنها لم تقم بدورها علي الوجه الأكمل فهي تقوم بالتنقيب عن الآثار فقط وليس ترميمها كما تم التعاقد معها منذ زمن، وأن هناك بعض المناطق الزراعية بها آثار ومازال التنقيب جاريا حتي الان، وبالحديث عن سرقة الآثار أكد أن ساعات الليل هي التوقيت المثالي في البحث والتنقيب غير الشرعي عن الآثار مضيفا: »وانت وحظك لا تسرق لاتموت بالرصاص»، وأضاف أن ترميم الآثار بالمنطقة من قبل الفنيين يتم بشكل بطيء ولا يوجد اهتمام كبير بالمنطقة التي من الممكن أن تدر خيرا كثيرا علي الشرقية خاصة ومصرعامة». كنوز مهملة دخلنا إلي الحرم الأثري.. هنا كان يحكم رمسيس الثاني.. وهناك معبد امون البحري.. وذاك مقابر لملوك وملكات الأندر في الوجه البحري تم دفنهم في هذه المنطقة من آلاف السنوات.. تنقلنا بين هذه الكنوز الضائعة والحسرة قد أصابتنا.. تماثيل ومسلات لا تقدر بثمن تركت في عراء الصحراء البعض منها تهشم والبقية تنتظر دورها.. وعلي مرمي البصر وجدنا عدد 4 آبار لا يوجد مثيل لها في أي مكان في العالم.. تغرق في بحور الأهمال.. البعض يروج أن هذه الآبار ترجع إلي عصر سيدنا يوسف التي ألقي فيها وهو طفل ليحكم بعدها بسنوات مصر باكملها »كما يردد الأهالي».. والبعض الآخر يري أنها ترجع إلي عصر نبي الله موسي.. بينما لا يعرف الكثير من سكان القرية القديمة ماهي هذه الأبار ولأي عصر ترجع اليه.. نزلنا أسفل هذه الآبار لنجدها قد تشبعت بالمياه الجوفية لتشكل طبقة طينية بل ومازاد الطين بلة هو إلقاء المخلفات والقمامة وفضلات الحيوانات والكلاب التي تتخذ من هذه الآبار مأوي لها، فيقول عبدالرحمن محمود »مرافق البعثة الفرنسية المسئولة عن التنقيب بالمنطقة» وعلامات الأسي تملأ وجهه: حالنا واقف بعد الثورة، وأنا وظيفتي أقوم بمساعدة أفراد البعثة الفرنسية في التنقيب وإزاحة الاتربة عن القطع المستكشفة، مضيفا أن العيب علي المصريين الذين لم يصونوا الآثار ويرونها مجرد حجارة صماء بلا فائدة أما الأجانب فيرون أن هذه الآثار ذهب، مطالبا المسئولين في الدولة بالنظر بعين الاهتمام إلي هذه الأماكن». وفي نهاية جولتنا الصادمة ايقنا ان المعابد الخمسة النادرة الموجودة والبحيرتان مقدستان، اضافه إلي مقابر الملوك والملكات والأبار الغير موجودة سوي في هذه المنطقة بأن الضمير لا يزال غائبا عن الجميع ففي آخر المنطقة وجدنا تمثالا ضخما يبلغ طوله نحو 10 أمتار من الحجر الرملي ويعتقد أنه يرجع للملك رمسيس الثاني، لكنه لأسباب غير معلومة لدي الأثريين بالمنطقة انقسم إلي نصفين، نصفه العلوي ملقي علي الأرض منذ سنوات طويلة والجزء الآخر للنصف الأسفل منه ويقف بجانبه بارزاً منه أقدام الملك وبعض من النصوص الفرعونية التي تعرف صاحب التمثال أما الوجه فقد صودف وجوده مهشما علي بعد أمتار من جسد التمثال، لتكتشف في النهاية أننا غير جديرين أن يكون لدينا هذه الكنوز التي يحلم بها أي شعب من شعوب الدنيا. ليس لها مثيل وفي هذا الصدد يؤكد دكتور زاهي حواس وزير الآثار الأسبق انه كان هناك برنامج لعمل »سور لحماية المنطقة إلي جانب مركز للزوار والمتحف المفتوح وتم وضع الاعتمادات المالية لذلك عام 2010 مشيرا إلي أن صان الحجر تعد من أهم الاكتشافات الأثريه وإنها كانت عاصمة مصر القديمة والآثار التي بها ليس لها مثيل ويتعجب دكتور زاهي أن البعثة الفرنسية التي ظلت مدينة صان الحجر حكرا عليها في الاكتشافات يقتصر دورهم علي الاكتشافات الأثرية فقط دون العمل علي ترميمها مطالبا إياهم بالعمل علي ترميم الآثار المكتشفة مؤكدا أن مصر تمتلك مرممين علي أعلي مستوي ولكنهم يحتاجون لخطة ونظام واضح يعملون فيه مستغربا أن من يقوم بالترميم هم الأقل خبرة وعن العشوائيات المحيطة بالمنطقة يطالب دكتور زاهي حواس بإزالتها فورا وتعويض أهلها لأن الآثار المصرية يجب أن يحافظ عليها، موضحا انه نتيجة التصاق المناطق العشوائية بالمنطقة الاثرية أدي إلي غرق المنطقة الاثرية بالمياه الجوفية لذا وجب إزالة هذه العشوائيات لأن الأثر المصري أهم من أي شئ، مطالبا الوزارة بالاستفادة من المعونة الأمريكية والتي بها جزء مخصص لوزارة الآثار لسحب المياه الجوفية من تحت المنطقة الاثريه والاهتمام بها مثلما قامت الوزارة سابقا مع البر الغربي والشرقي للأقصر والأهرامات. الضمير غائب من جانبه يؤكد محمد إبراهيم بكر »رئيس هيئة الاثار الأسبق» بان منطقة »صان الحجر أو تانيس» هي المنطقة الوحيدة التي دفن فيها ملوك وملكات في المنطقة للأسرتين 21و22 وهي عاصمة مصر القديمة مضيفا بانها منطقة بالغة الاهمية وكانت صامده امام الجيوش التي تأتي من العواصم القديمة المختلفة مثل الشام والعراق وكانت احدي مناطق القوي داخل مصر القديمة ايام حكم الملك رمسيس الثاني فكانت هناك علاقات حربية مع مختلف المناطق في العالم وقتها مثل الأناضول، وأضاف بكر أن الكثير من الآثار بمنطقة »صان الحجر» تم استخدامها ومنها المسلة الحالية الموجودة في مطار القاهرة والتي انتقلت من »اقصر الشمال» إلي المطار ولكنهم تعجلوا في نقل المسلة كاملة فنسوا قطعة مهمة تم استكمالها ولصقها بالجبس، مشيرا إلي أن بعض الأهالي يشكلون خطرا علي المنطقة بسبب سرقتهم للآثار بهذه المنطقة المهمة، لأنها منطقة لا يوجد بها جبال، إضافة إلي ازمة المياه الجوفية الموجودة بالمنطقة بأسرها والتي تشكل خطرا دائما علي هذه الأثار التي ستختفي اذا ما تم القضاء علي هذا الإهمال بشتي صوره، وتساءل »رئيس هيئة الآثار الأسبق» أين كبير مفتشي الآثار فالضمير غائب تماما و»يصعب عليا اني اشوف هذه المنطقة الأثرية بالغه الأهمية وهي غارقة في بحور الإهمال»، واستكمل بكر حديثه أن كل ملك في هذه الحقبة التاريخية الهامة كان يشيد معبدا باسمه إضافة إلي المسلات التي تبني كتذكار في مناسبة هامة او انتصار في معركة، ولكن الكثير من هذه المعابد تحطمت ونهبت منذ زمن وحتي الآن، مضيفا أن الكثافة السكانية والعشوائيات والحفر والسرقة والبناء والزراعة علي الأراضي الآثرية زادت خلال السنوات الأخيرة، مطالبا بوجود كاميرات وإضاءة للمكان حتي لا يبقي الحال كما هو عليه وتستمر الكارثة فالكثير من خفراء الآثار ضعاف النفوس يقومون بتحصيل أموال غير شرعية عن طريق سرقة الآثار بالاتفاق مع الأهالي، مطالبا الاجهزة المعنية بالمراقبة والتفتيش الدائم فالقانون من المفترض انه حاسم وقاس في هذه المسأله ويجب الإهتمام بنظافة المكان وصيانه الطريق الذي تقود إلي عاصمة مصر القديمة »تانيس». حالة مزرية ويري أحد الخبراء الأثريين المصريين أن صان الحجر هي طيبة الشمال كطيبة الموجودة في محافظة الأقصر، مضيفا أنها من أعظم المدن الاثرية، حيث يتواجد بها البحيرة المقدسة وثاني أكبر تمثال لرمسيس ومعابد كثيرة أبرزها معبد آمون وأضاف إن المسلتين المتواجدتين في المطار وحديقة الأندلس هما من صان الحجر، مشيرا إلي أن كنوز تانيس اكبر دليل علي أهميتها إلي جانب أن صان الحجر بها أكبر اكتشافات من الفضة التي كانت نادرة وقتها وان المتحف المزمع إنشاؤه كان موجودا مسبقا إلا انه كان في حالة مزرية واضاف رئيس اتحاد الأثريين المصريين أن صان الحجر ظلمت سياسيا ودينيا وتاريخيا نتيجة بعض الادعاءات التي ربطت صان الحجر باليهود معبرا عن حزنه عن عدم تواجد الحراسة الجيدة لصان وأنها ليست علي الخريطة السياحية نظرا لوقوعها في منطقة ريفية طرقها غير ممهدة ولان كثيرا من المسئولين المصريين لا يعرفون صان الحجر وقيمتها ولا يعرفون موقعها مطالبا الدولة بتمهيد الطرق الجيدة لاستقبال السائحين وتوفير الإضاءة التي تساعد في كشف المكان وحمايته من السرقة منوها أن صان الحجر لم تكتشف بعد ولابد من الاهتمام بالاكتشافات بها وسيفاجأ وينبهر العالم بكنوز مصر، كما انبهروا باكتشافات توت عنخ آمون. زيادة الوعي ويقول عمر زكي خبير الآثار المصرية أن الكثير من التعديات تمت بعد ثورة 25 يناير علي مدينة صان الحجر وأن وزارة الآثار قامت بعمل الكثير من المحاضر الرسمية التي تؤكد ذلك، ويري زكي الحل في زيادة الوعي الاثري لدي المواطنين وتعريفهم مدي النفع الذي سيعود علي الوطن من هذه الاكتشافات عن طريق الحملات الإعلانية الجيدة من الصحف والإعلام مشيرا إلي أنه يجب علي المجالس المحلية إقامة الدورات التثقيفية وكذا الجمعيات الأهلية الخاصة ويضيف خبير الآثار المصرية أنه لابد من تطوير المنطقة وزيادة الاكتشافات والحفريات الأثرية. تشديد الحراسة ويوضح د. مختار الكسباني أستاذ الآثار ومستشار المجلس الأعلي للآثار ان القانون يمنع وضع »سور» حول المنطقة الأثرية ولكنه ينبغي تشديد الحراسات، مضيفا أن مصر كلها عشوائيات ولا يصلح أن تتواجد منطقة عشوائية بجوار منطقة أثرية مطالبا الدولة بإزاله العشوائيات المجاورة للمنطقة الاثرية، مؤكدا أنه يجب علي الدولة زيادة الوعي العام للمصريين للحد من عمليات بيع الآثار متهما الجماعات الدينية أنها المصدر الرئيسي لزراعه الفكر الذي يتيح بيع الآثار المصرية من أجل تمويل أفكارهم المتطرفة. ربنا يسهل ومن جانبه يؤكد د. محمود عفيفي رئيس قطاع الآثار أن الوزارة تعمل علي مشروع لإعادة ترميم آثار المنطقة وإرجاع معبد آمون لحالته، موضحا أن الوزارة قدمت إنذارا للبعثة الفرنسية مطالبا إياها بترميم المنطقة الأثرية وألا يقتصر دورها علي الاكتشافات فقط وأنه في حالة الرفض تقوم الآن وزارة الآثار باتفاق مع أكثر من بعثة لإعادة تطوير المنطقة مثل البعثة الفرنسية وعن استكمال »السور» حول المنطقة الأثرية يقول دكتور عفيفي أن السور يحتاج لملايين الجنيهات لاستكمال بنائه وأن الوزارة لا تتوافر لديها هذه الاعتمادات لأنها تعتمد علي التمويل الذاتي »ولما ربنا يسهل» هنكمل بناء السور، مشيراً إلي التواجد الدائم للقوات الأمنية لتأمين المنطقة الأثرية، منوها أن مشروع سحب المياه الجوفية كان موجودا مسبقا، إلا أن وزارة الري رفضت هذا المشروع وأجابت: »هنصرف المياه فين» خوفا علي أهالي المنطقة أما عن السوق الزراعي والمناطق العشوائية المجاورة للمكان يوضح دكتور محمود أن الوزارة يقتصر دورها داخل حدود المنطقة الأثرية أما خارجها فتسأل عنها المحافظة.