بدأ النبوغ الأدبي والفكري للكاتبة والشاعرة الأذربيجانية المعاصرة "سونا والييفا" منذ نعومة أظفارها، فقد بدأت نظم الشعر وهي في الصف الخامس الابتدائي، فالتوجه نحو النظم والاقتراب من الشعر في هذه المرحلة المبكرة يدل علي أن حب الشعر ونظمه أمر فطري لامس روحها وتطور لديها حتي نبغت فيه. تخرجت الكاتبة والشاعرة الأذربيجانية المعاصرة "سونا والييفا" في كلية الثقافة والتربية بجامعة الفنون الأذربيجانية الحكومية عام 1984م، ثم عملت في بداية حياتها بالتدريس بمدرسة الموسيقي بأذربيجان. اشتغلت بعد ذلك بالصحافة وأعادت إصدار أقدم صحيفة في أذربيجان "صحيفة كاسبي" التي كانت قد أسست في القرن التاسع عشر ثم أغلقت بعد ذلك. تميزت الكاتبة والشاعرة الأذربيجانية "سونا والييفا" بمقالاتها العلمية والصحفية حول القيم الوطنية الأذربيجانية وتاريخ الصحافة وأهم الشخصيات الأدبية التي أدت دورًا مهمًّا في أذربيجان. صدر للكاتبة والشاعرة "سونا والييفا" العديد من الكتب والدواوين الشعرية والأعمال الأدبية الأخري، وآخر ما صدر لها هو رواية "الطريق نحو الضوء" حول الكاتب والصحفي الأذربيجاني "حسن بك ذردابي" مؤسس الصحافة في أذربيجان في القرن التاسع عشر. وبالنظر إلي أشعار "سونا والييفا"، نلحظ أنها تنزع نحو إعادة بناء الهوية وترسيخ قيم الوطنية لدي الأذربيجانيين وأقوام الشرق، تلك الهوية التي حاول الغرب طمسها، وتغنت في أشعارها بالشهداء والوطنيين ممن ضحوا بحياتهم من أجل الاستقلال. فدارت أشعارها حول "حب الوطن"، و"الوطنيين"، و"الحسرة علي فقدان الوطن". واللافت للنظر أن أولي قصائد "سونا والييفا" كانت عن "الحسرة علي فقد الوطن" حيث نشرت لها قصيدة حول هذا الموضوع في صحيفة "الطريق المنير" وكانت في السادسة عشرة من عمرها آنذاك. ونجد أيضًا في أشعارها عددًا من القصائد حول "مناجاة الله" مثل القصيدة التي بين أيدينا "إلهي، طرقتُ بابك". ولم تقتصر موضوعات شاعرتنا علي هذا فقط بل تنوعت موضوعاتها ومضامينها الشعرية لتشمل "الإنسان ومشكلاته"، و"جمال الطبيعة"، و"العشق الإلهي" وغيرها من الموضوعات الشعرية المتميزة التي وضعتها في مصاف الشعراء الكبار. إن مولد الشاعرة "سونا والييفا" ونشأتها في نخشفان (جمهورية ذات حكم ذاتي تابعة لأذربيجان) وبها نهر "آراز" الذي قسم الشعب الأذربيجاني تاريخيًّا إلي قسمين بين إيران وروسيا في القرن التاسع عشر، جعل الحنين للماضي والشوق للأوطان من الموضوعات الأساسية في أشعارها. لذلك كتبت العديد من القصائد حول هذا الموضوع مثل "منزل والدي"، و"سلام يا والدي"، و"حب موطن العصافير". تذكر الشاعرة "سونا والييفا" في قصيدتها "منزل والدي" أن الإنسان مهما عاش في القصور، وتنعم برغد من العيش، لابد وأن يظل مرتبطًا بمسقط رأسه ومنزله الأصلي وإن كان فقيرًا: لا يغيب عن ذاكرتي في منامي منزلنا القديم المهدم أمي تجلس عند عتبته واضعة يدها أمامها كما يغلب علي أشعار "سونا والييفا" النغمة الحزينة واللغة المؤثرة نظرًا لاهتمامها ببعض الموضوعات التي لا يتناسب معها غير هذه اللغة مثل الحسرة علي فقدان جزء مهم من أراضي أذربيجان واحتلاله من قبل أرمينيا وهو "قراباغ". كما اهتمت "سونا والييفا" في أشعارها بالمرأة الأذربيجانية مشيدة بالدور الذي تنهض به في المجتمع من أجل تربية جيل صالح ينهض بأذربيجان ويحرر كافة أراضيه. لم تكن "سونا والييفا" بمنأي عن قضايا أمتها الإسلامية ولاسيما العالم العربي. وعلي الرغم من أنها لا تنتمي للعالم العربي، فقد ساهمت بأشعارها بوصفها شرقية مسلمة في شحذ أذهان العرب للتصدي للعدو الخارجي، ودفعه لأن يفيق من غفلته ويحافظ علي الثروات التي حباهم الله إياها. ومثال علي هذا قصيدة "انهض، يا عربي!" التي بين أيدينا والتي تحذر فيها الشاعرة من الهجرة لبلاد الغرب وتدعو إلي التفاؤل والأمل وأن المستقبل سوف يكون أفضل. وأن الارتباط بالأرض والموت فيها هو حياة خالية من الألم. وتجدر الإشارة إلي أن الشاعرة "سونا والييفا" حصلت علي العديد من الجوائز القيمة تقديرا لإبداعها في الكتابة والشعر، ومن هذه الجوائز جائزة "الإعلام السامي لعام 2016" بأذربيجان. ثلاث قصائد انهض يا عربي! بلاد الشرق تأكلها النيران وبدأت أقوام الشرق في الهجرة إلي الغرب. هذه الهجرة هي الطامة أفق يا عربي، هيا بنا القافلة تستعد للرحيل هيا بنا، أيها الرجل العليل من داخلك بداية الطريق ولكل بداية لك ... نهاية قضاء وقدر هو الوجود فهذا قدر عليك ابدأ حياتك من جديد بأرضك كنز دفين الأرض وكنزها هدف رصين هناك بعيدًا مفرق طريق لا يُعرف يسار أو يمين أناس أغيار يصيبون الفقراء بأضرار لا يظهر في قرية الكرام مادام هناك نباح اللئام أو تكون لها أنوار تقام طريقك غير ممرد أقيمت فيه كمائن عظام وأحوالك لنا معروفة أعرف من وجهك أنك مهاجر ومشرّد ليس النزوح عن الوطن نجاة وكل نجاة ليست حياة عُدْ إليك وإلي ذاتك لا تلبس كفنًا وارفع راية لك صح بملء صوتك في الكون عُدْ يا عربي، عُدْ إلي منزلك عُدْ إلي موطنك مزعج كربك معروفة ... لا تطاق بلواك واحسرتاه! الابن تناديه الأرض عُدْ يا عربي، إلي الوطن الموت أو الحياة مقدران في الديار الأرض الغريبة ليست لك وحياؤك تحت الخِمار هذا الحياء ليس في الغرب فمصيرك الشمس الوجه البارد ليس لك وتنطلق القافلة والأمل الأخيران أسرع نحو الأمل أسرع وهرول هلمّ بنا عندما نهرب، يعاني الوطن لا تخف من الموت إنّ الخوف من الموت دناءة وتبكي الأرض والسماء ويلعننا المنزل والديار وتظلم الدنيا بظلم ويبدأ الرصاص كالأمطار الوطن هو المنتهي، الوطن هو الملتقي علي أرض الوطن الموت بقاء انهض، يا عربي لنعود إلي الوطن هناك من ينتظرنا عُدْ شَطر الوطنَ انهض، رفيق الشقاء قم لنذهب ونعود إلي الوطن! لا تبك يا ابن الشهيد يجهش الابن الوحيد بالبكاء عند قبر والده الشهيد قلبي انفطر لا أستطيع تحمل هذا العزاء الله علي العرش استوي لا تبكِ، يا ابن الشهيد لا تبكِ، الأرض رطبة تُسلي وتواسي الألم الأرض رغبت في شهيد والله اصطفي من يريد إذا كان الأب تاج رؤوسنا فالوطن يعلو التاج أنت ترعرعت كشجرة الدلب في الأرض التي حماها والدك لا تبك، فأنت لست وحدك سوف تعاني الأمم من هذا الألم تُنبت الأرض من دم الشهيد آلاف من الأبناء إذا كانت أمُنا هي التربة السوداء فالوشاح المقدس هو العلم سوف يحمي دمُ الشهيد هذه الأرض وهذا العلم لا تبك، يا ابن شجرة الدلب جُرحك غائر، غائر وهذا هو المجد الحقيقي منحة الله لك طرقتُ بابك يا إلهي بذنبي وإثمي وحسناتي وديني وبقلبي طرقتُ بابكِ يا إلهي ! زرعتُ عمرًا من الورود مُنحتُ الفرح، وعانيتُ من الألم كنتُ مثل الملك قبل مولدي انخدعتُ وجئتُ، يا إلهي ! عمري بداخلي حُبي في دعائي شرعتُ في الطريق من دخائلي طرقتُ بابك يا إلهي ! نهايتي معروفة من البداية لدي عقل رصين ماذا زرعتُ، وماذا أحصد؟ جئتُ خاوي الوفاض يا إلهي لمن بقي الوطن لا أستطيع امنحني العون قلبي مهموم وحزين طرقتُ بابك يا إلهي ! طريقي مليء ومنثور بالأشواك الألم بداخلي يعتصرني طرقتُ بابك يا إلهي أنت عليم بكل صغيرة وكبيرة عني أنت عليم بدعائي وكتابي أنت عليم باحتجاجي طرقتُ بابك يا إلهي فلينفتح طريق حتي آتي فليتحدد يوم حتي آتي لأعرف ذلك اليوم وأقول، قد جئتُك يا إلهي.