حفلات الزواج أصبحت مظهراً من مظاهر السفه الإنفاقي حيث تهدر أموال طائلة بغرض التفاخر والمباهاة والظهور كطبقة ثرية إعتقاداً بأن هذا يضفي علي العائلة مزيداً من الوجاهة الاجتماعية والمكانة المرموقة.. مما يجعل بعض الأسر تفكر في إقامة أفراحها بشكل جديد ومبتكر لم يسبقها إليه أحد من باب المنافسة علي الظهور بمظهر أفضل من الآخرين.. ووسط هذا الجو المملوء بالمبالغات والإسراف والبذخ تظهر الأحقاد وتتولد الضغوط وتنشأ العداوات بين الأغنياء والفقراء.. فالفقراء يحلمون بالزواج ولايستطيعون تحقيق حلمهم لقلة ذات اليد وعدم قدرتهم علي الوفاء بإمكانيات الزواج.. بينما الأغنياء يحققون أحلامهم ببذخ وإسراف وقد حذر علماء الإسلام والإجتماع والنفس من السفه الإنفاقي لإقامة الأفراح لأن ذلك يسبب استفزازا للمجتمع الذي يعاني من الفقر والبطالة تكلف فرح ابن رجل أعمال 50 مليون جنيه والذي أقيم في جزيرة باليونان حيث تم تخصيص سفينة سياحية تنقل أقارب العروسين من مصر إلي اليونان وتجهيز 200 فيللا لإستقبال المدعوين.. وطائرة خاصة تقل العروسين، أما البوفيه فكانت مأكولاته مستوردة من لندن تشمل جميع أنواع اللحوم والطيور والمأكولات البحرية بالإضافة للحلويات والمشروبات.. كما شمل الحفل فقرات غنائية لمطربين عرب وأجانب .. حصل المطرب عمرو دياب وحده علي ربع مليون دولار. وفرح آخر لابن رجل أعمال تكلف 30 مليون جنيه حيث حجز فندقاً بالكامل بالإضافة الي 80 غرفة بفندق آخر بالاسكندرية لإقامة المدعوين بالإضافة الي أسطول من السيارات الفاخرة لنقل المعازيم إلي قاعة الفرح حيث أقيم الفرح في ثلاث قاعات.. وتم استيراد ديكورات الفرح وتجهيز البوفيه بالكامل من خارج مصر.. بالإضافة إلي قيام دار أزياء عالمية بتصميم بدل العريس ووالده وإخوته.. وفستان العروس وأقاربها.. وأحيا الحفل فنانون مصريون وعرب بجانب فرق استعراضية أجنبية.. وهناك دراسة حديثة لمركز أبحاث جامعة القاهرة تؤكد أن العرب ينفقون علي أفراحهم أكثر من خمسة مليارات دولار سنوياً وهو مبلغ يكفي لحل مشكلات الفقراء والعاطلين في العالم العربي.. آفة إجتماعية خطيرة تري الدكتورة إنشاد محمد أستاذة علم الإجتماع بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات: أن ما يحدث من سفه إنفاقي وسباق في التفاخر بين المصريين في أفراحهم لا مثيل له في بلاد العالم كافة حيث تتسم أفراحنا بالإسراف والبذخ علي مظاهر لا معني لها ولا نتيجة لها سوي إهدار الأموال فيما لايفيد.. وهذه آفة اجتماعية خطيرة تبتعد بنا عن قيم وأخلاقيات المجتمع الإسلامي الذي يجب أن يلتزم بتعاليم دينه وأن يرشد نفقاته حيث تؤكد النصوص الشرعية أن كل إنسان سيسأل عن ماله من أين إكتسبه؟ وفيما أنفقه؟ وليعلم هؤلاء أن الله عز وجل حرم الإسراف والتبذير فقال: »ولاتبذر تبذيرا. إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا» (الإسراء:27) . ترشيد الإنفاق وتربط الدكتورة إنشاد بين هذه الظاهرة وبين زيادة نسبة العنوسة لدي الفتيات والعزوف عن الزواج لدي الشباب.. فهذه الظاهرة تجعل الفتاة بشكل غير مباشر تحلم بمثل هذه الحفلات في ليلة العمر.. وبالتالي تغالي في مطالبها مما يجعل الشباب يعزف حتي عن التفكير في الإقدام علي الزواج.. وتري الدكتورة إنشاد أن الشباب الآن يستحق الشفقة علي ما يمر به من حالات يأس وإكتئاب أو إنحراف لأنه يقف عاجزاً أمام هذه المظاهر المطلوبة منه أن يقلدها لكي يستطيع بناء أسرة.. لكنها توجه التحية لشباب عقلاء أعلنوا التمرد علي هذه التقاليد ورشدوا الإنفاق.. فيجب السير علي دربهم وتقليدهم حتي نتخلص من هذا السفه الذي يلحق بنا الضرر الاقتصادي والاجتماعي والنفسي.. سخط علي الأغنياء وتطالب الدكتورة أمينة كاظم أستاذة علم النفس بكلية البنات بجامعة عين شمس: وسائل الإعلام بالكف عن الترويج لحفلات أفراح المشاهير وعدم نقل مايحدث فيها من صخب ومظاهر سفه وإنفاق جنوني لأن هذا يسبب صدمة بالغة وسخطاً إجتماعياً لملايين الشباب العاطل والفقير والذي لايجد ثمن غرفة نوم ولامن يساعده علي الوفاء باحتياجات ضرورية من أجل الزواج. وتري الدكتورة أمينة أنه يجب أن تتغير المفاهيم والعادات الغريبة تجاه الزواج الذي جعله الله سكناً ومودة.. ولا نجري وراء المظاهر والمباهاة والتفاخر بالمهور العالية والتكاليف الباهظة ومن واجب من يسر الله عليه في الرزق وأدخل عليهم الفرحة والسعادة أن يشكر الله سبحانه وتعالي علي ما أنعم به عليهم من نعم وأن يوجهوا المال إلي طريق الخير ومساعدة الفقراء. توفير مساكن للشباب ويحذر الدكتور سيد عبدالرحيم أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر من الاستفزاز الاجتماعي من جانب الأغنياء خاصة في ظل إرتفاع معدلات الفقر في بلادنا ويقول: ما ينفق علي حفل زواج ابن أو ابنة أحد الأثرياء يكفي لتزويج آلاف الشباب الذين لايجدون متطلبات الزواج الضرورية .. وهذا الاستفزاز الاجتماعي من جانب القادرين مادياً يضاعف من حدة الغضب والسخط عليهم ولعل هذا الاستفزاز هو السبب وراء قيام بعض الشباب الثائر بحرق وتدمير بعض ممتلكات رجال الأعمال والأثرياء الذين إشتهروا بالسفه الإنفاقي في أفراحهم.. بينما وجدت ممتلكات رجال الأعمال الملتزمين الحريصين علي إحترام مشاعر الفقراء حماية من أعمال الشغب والانتقام الجماعي.. لذلك ينصح الدكتور سيد القادرين مادياً في بلادنا بأن يبتعدوا عن السفه الإنفاقي وإهدار الأموال علي حفلات ترتكب فيها المعاصي ولا يجني أصحابها من ورائها سوي المزيد من غضب الله وسخط الناس وحقدهم.. ويطالب بضرورة قيام رجال الأعمال والأثرياء بواجبهم الاجتماعي في مساعدة الشباب الفقير علي الزواج عن طريق توفير مساكن ومتطلبات الزواج من أثاث وأجهزة كهربائية ومفروشات وغير ذلك.. علي أن تقدم لهم بشكل كريم لا يجرح مشاعرهم ولا يشعرهم بالدونية. إهدار لنعم الله ويبين الشيخ منصور الرفاعي عبيد وكيل وزارة الأوقاف الأسبق: أن الإسلام لايحرم الإنسان من الفرحة وإدخال البهجة علي النفس والأهل خاصة في مناسبة سعيدة مثل الزواج.. فالرسول صلي الله عليه وسلم يقول: »إعلنوا النكاح وإضربوا عليه بالدف».. وحينما جاء جابر رضي الله عنه إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وأخبره بأنه تزوج فتاة.. فقال له عليه الصلاة والسلام: »ياجابر أولم ولو بشاة».. ويوضح أن الإسلام أباح كل وسيلة تدخل البهجة والسرور علي النفس في حفلات العرس ولكنه إشترط ألا يؤدي الإحتفال إلي محرم كعري أو خدش حياء أو إختلاط رجال بنساء أو بكلمات فاضحة من المطربين والمطربات الذين يحيون حفل الزواج.. ويؤكد أن الإسلام يبيح الغناء النظيف الذي يحتوي علي العبارات اللطيفة التي تدخل السعادة والسرور علي العروسين وسائر أفراد الأسرة والمحبين للزوجين لكنه يؤكد رفض الإسلام لما يحدث في الأفراح اليوم من إسفاف سلوكي وإسراف وتبذير وإهدار لنعم الله فيما لايفيد.. وتحويل هذه المناسبات السعيدة إلي مهرجانات ترتكب فيها المعاصي.. وتنفق فيها أموال طائلة علي قاعات الأفراح وعلي موائد الطعام والمطربين والمطربات بقصد التباهي والتفاخر وهذا أمر حرمه الشرع.. لأنه إضاعة للأموال بغير حق.. ولو أنفق هذا المال علي الفقراء لن تجد فقيراً واحداً في هذا البلد.. والرسول صلي الله عليه وسلم يقول: »لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتي يسأل عن أربع ثم ذكر.. عن ماله من أين جمعه وفيما أنفقه».. كما أن من شر الطعام طعام الوليمة يدعي لها الأغنياء ويمنع عنها المساكين كما قال الرسول صلي الله عليه وسلم.. فمن أراد أن لاتكون وليمته من شرار الطعام فعليه أن يدعو الفقراء كما يدعو الأغنياء.. ويشيد الشيخ منصور الرفاعي عبيد بالأسر التي تلجأ إلي إقامة حفلات زواج بسيطة في قاعات ملحقة بالمساجد حيث تخلو هذه الحفلات من السفه الإنفاقي وتخلو من مظاهر العبث واللهو المرفوض شرعاً.. ويحتفل العروسان وأسرتاهما وأصدقاؤهما في أجواء إيمانية. علية