وهو علي وشك إصدار روايته السابعة عشرة "قشرة الجوز" التي اختار أن يكون الشخصية الرئيسية بها جنينا لا يزال في بطن أمه؛ تحدث إيان ماكيوان في حوار أجرته معه الجارديان عن الطبقة الراقية، وتضارب وجهات النظر، وكيف استدرج لتناول فكرة سخيفة في كتابه وعجزه عن مقاومة ذلك، ومخاوفه الدائمة التي تدفعه أحيانا للتساؤل إن كان سيتعرض يوما لإطلاق النار عليه، حيث رسم صورة ذلك المشهد في إحدي حفلات التوقيع العامة قائلا: "سوف يأتي أحدهم، خاصة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، ويطلق النار نحو صدري، فكما تعرفون، هذا أصبح غاية في السهولة في ظل تفشي وانتشار إطلاق النار". يستطرد ماكيوان متسائلا: "هل كان هناك ما يدعو لحمل السلاح يوما ما؟ أحيانا حين أري أحدهم متجها نحوي، أو أحد المتجهمين ذوي الوزن الزائد يسير بتثاقل متجها نحو المنصة، أفكر إنه بالتأكيد يضمر شيئا داخله، بعدها يبتسم ويتحول ليصبح غاية في اللطف، فأدرك أنني علي خطأ، ودائما ما أقع في ذلك". القلق الآخر الذي يصيب ماكيوان عند القيام بجولة لترويج إحدي رواياته، فتتحول في نهاية المطاف لتصبح تكرارا لنفسه، يقول: "البداية تكون علي ما يرام، وحين يتعب صوتك قليلا، ويتسلل داخلك ذلك الشعور الذي يجعلك تبدو مثل بائع فرش التنظيف أو الموسوعات القديمة، تكرر نفسك، فتكرهها، إنه نوع من كراهية الذات". واستطرد: "أنا لست كذلك عموما؛ لكنني اخترعت أنا وزوجتي أنالينا أعراضاً مرضية لمن هم غاية في التعالي، والمولعين بأنفسهم، أطلقنا عليها (عقدة نقص كراهية الذات)". يعد ماكيوان أحد أدباء الجيل الذهبي البريطاني الذي يضم مارتين إيمز وسلمان رشدي، والراحل كريستوفر هتشنز، وهو الشخص الوحيد الذي يقاطع نفسه أثناء سرد إحدي حكاياته الخاصة ليسأل: هل هي مثيرة للإعجاب؟ والذي يذكر زوجته باستمرار برغم عدم حاجته لذلك. في إحدي المرات أشار قائلا: "بدون القارئات تموت الرواية"، لكن من الواضح تماما أن المسألة الاقتصادية سبب في ذلك، فلا توجد مشكلة له مع النساء، كما أنه لا يتحامل ضد أي شخص، بل ربما يكون ذلك أحيانا ضد الرجال، أو بالأحري نوع معين من الرجال، وكان الملمح الأول الدال علي ذلك كما حكاه ماكيوان بسعادة واضحة، حين حاول إهداء بعض كتبه للغرباء في حديقة عامة، وقال: "جميع النساء كان رد فعلهن أنه شيء جميل، أما الرجال فقد اختاروا التحدث بلكنة مواطني شرق لندن مستنكرين إن كنت علي ما يرام". واستطرد بدهشة: "بالرغم من أنه كتاب واحد!". هناك أكثر من رواية لماكيوان في بداياته تتضمن شخصية غير متعلمة لكنها مفعمة بالرجولة مثل "تاربن" في رواية "سولار"، و"جيد بيري" في "حب صامد"، وهو ما يعد مصدر خطر بالنسبة لأي شخص رفيع الثقافة من الطبقة المتوسطة، وفي كتابه الجديد المتألف من 199 صفحة نجد "جون" صاحب الفكر السوي الطبيعي والعاطفي؛ إلا إنه يتصف بسلبية قاتلة، لديه زوجة شابة جميلة تدعي ترودي، الحامل في طفل منه، إلا إنها علي علاقة بشخص ساذج غير مثقف، وفي نفس الوقت منجذبة بشدة لأخيه كلود، ويتآمر الاثنان علي قتله للحصول علي إرث قيمته سبعة ملايين جنيه أسترليني، في حبكة روائية مستقاة من هاملت وماكبث، باستثاء ابتكار جذري واحد وهو أن الشخصية الرئيسية في الراوية هو الجنين الذي في بطن ترودي. طبقا لمعلومات ماكيوان لم يسبق من قبل أن تمت كتابة رواية من وجهة نظر جنين في بطن أمه، يقول: "فجأة ظهرت أمامي الجملة الافتتاحية للرواية، التي أعتقد أنني لم أجري أي تعديل بها، وبين ليلة وضحاها انقلبت أحوالي وتقمصت شخصية امرأة، وأدركت علي الفور أن كتابة الرواية من وجهة نظر جنين يشكل تحدي أدبي جميل، لقد صدمتني سخافة الفكرة لدرجة عدم استطاعتي التخلي عنها أو مقاومتها". الشخص الوحيد الذي كان يجد نفسه لا حول له ولا قوة أكثر من الجنين هو هاملت الذي قال إنه "قادر علي الكثير من التفكير إلا إنه محاصر"، وهو ما منح ماكيوان حبكته الدرامية، وحل مشكلة كيف يمكن للجنين أن يعرف ما يكفي عن العالم الخارجي ليكون منطقيا مع ما يسمعه مصادفة من ترودي المستمعة المتعطشة لمحطات الراديو، يستطرد ماكيوان: "لكن بمجرد البدء يطرأ علي ذهنك سؤال واحد؛ كيف لجنين بكل تلك البلاغة النحوية؟ ومع من يتحدث؟ أين الحاسب الآلي الخاص به". يستغرق في الضحك ثم يضيف: "قلت لآنالينا ربما علي مغادرة البلاد عند نشرها، لأبعد ما يمكن، كل ما خطر لي أنني سوف أتلقي ركلة بسببها، وكلما خطر لي ذلك استمتعت به، أنا ملتزم منذ الجملة الأولي أن يكون هناك الكثير من المرح، ظللت أكتب رواية بعد رواية متأصلة في عالم المعقول والمشاركة الوجدانية، ودرست وبحثت قبل كتابة الروايات، وأنا غاية في الالتزام بشكل من أشكال الواقعية الاجتماعية، إلا في تلك الرواية التي اعتبرتها أجازة من كل ما هو صواب، لذا لم يكن علي البحث أو الدراسة". تلك الأبحاث كانت أسطورية، فقد أمضي عامين متابعا بحوث أطباء المخ والأعصاب من أجل كتابة روايته "السبت"، كما ظل مترددا علي قسم الفيزياء والطاقة الشمسية بجامعة كامبريدج لكتابة روايات أخري، ذلك الروائي معروف بجمع الأدلة التي يفترض أن يجمعها الباحثون، فهو يفعل ذلك طوال الوقت حتي أثناء تناوله للطعام، كما أنه مفتون بالاحتفاظ بخطابات قرائه في أرشيف خاص، ربما لتنبيهه إلي بعض الأخطاء، وهو عادة يرد علي رسائلهم ويشكرهم، ويصحح الأخطاء. وحول ما يعنيه بكتابة تلك الرواية يقول: "حسنا، آمل أن تكون حول متعة التواصل التي في رأيي لم تناقش بشكل كاف". هناك تفسير آخر محتمل لكتابته روايته الأخيرة، وهو أنه سنة 2002 اكتشف وجود أخ غير شرعي له من أمه وأبيه أنجباه قبل زواجهما وعرضاه للتبني، حيث كانت أمه متزوجة من آخر وتزوجت والده بعد أن توفي زوجها في الحرب، يعلق ماكيوان علي ذلك قائلا: "لم أفكر في ذلك من قبل"، ثم مندهشا: "أعني أنني لا يمكنني فهم ذلك، ولم يخطر ببالي، سوف تكون قراءة حمقاء علي ما أعتقد". وحول تقديمه لنسخ مجانية من كتبه؛ قال: "لا أهتم بالمبيعات، اللحظات الحاسمة بالنسبة لي هي الانتهاء من كتابة الروايات، أعرف آخرين يرغبون مثلا في مغادرة أوروبا، أما أنا فتعجبني الأفكار، وأهوي قراءة الكتب، وأعيش وسط عالم من الفضول المستمر، لذا تميل شخصياتي أن تكون من هذا القبيل، ليس كلها لكن أغلبها، وأعتقد أن علي كل منا السعي وراء اهتماماته، واهتماماتي هي وجود شخصيات مكتوبة لأنني استطيع استكشاف الأشياء التي أهتم بها من خلالها". فيما يخص إتهامه بالتكبر؛ يجيب: هناك دائما مصطلح (النخبة)، وأعتقد أنه يعني قراءة بعض الكتب التي من المستحيل النظر إليها، وتلك هي أهم متع الحياة، فأنا لا أحضر مباريات كرة القدم، في حين يجد الكثيرون متعة هائلة فيها، ولا أظن أنهم نخبة، فنحن نسعي للملذات وفقا لشخصياتنا وخلفياتنا. ورغم أنني نشأت في منزل غاية في الجهل، إلا أنني سعيت لمعرفة بعض الأمور التي لدي أصدقاء الجامعة ولم أكن أقدر عليها، فمنهم من كانت والدته تعزف القيثارة أو والده فيلسوف شهير، فكانت تلك القيثارة بمثابة الضوء بالنسبة لي، لذا لم أتغير حقا، فهناك بعض المزايا لعدم وجود بيت يمتلئ بالكتب والموسيقي الكلاسيكية، حيث يكون عليك التمرد ضده، وتمثل تمردي في الذهاب إلي كل تلك الأماكن الجديدة، حيث لا أحد من عائلتي سلكها ولم أتوقف عن ذلك حتي الآن».