»فين السنيورة؟ وفتح عينك تاكل ملبن، إنها لعبة التلات ورقات» علي رصيف ميناء الإسكندرية وحواري وأزقة القاهرة القديمة، يديرها المتقاعدون من البلطجية وقطاع الطرق و»صيع» الميناء العواجيز ممن يتميزون بخفة اليد والخداع البصري، يغشون بها أولاد البلد من العاطلين والسذج والمغامرين، ممن يضعون رهاناتهم التي دائماً ما تأتي علي الورقة الخاسرة وليست السنيورة، ولا تنتهي اللعبة غالباً إلا بمشاجرة يفضح فيها غش »صاحب النصبة» أو بمطاردة بوليسية تذهب بهم جميعاً لمرفق العدالة وإنفاذ القانون. ولا يرتدع عادة هؤلاء الأشقياء، بل يعيدون الكرة في مكان آخر وبشكل مغاير ولعبة جديدة. إنهم مفلسون لكنهم خبراء في النصب والاحتيال والمخاتلة والخداع وهم أبداً لا يتوبون. شيء من هذا لاتزال تلعبه معنا بريطانيا العجوز الشمطاء التي تصر أن تمارس الغواية في شوارع ونواصي النظام العالمي الجديد، مستخدمة أصباغاً ومكياجاً وملابس غير محتشمة من متحف التاريخ الكولونيالي »الاستعماري» القديم، إذ رفضت الجمعة الماضية لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني - البرلمان - تقرير الحكومة البريطانية الذي صدر العام الماضي حول تورط عناصر في جماعة الإخوان في التطرف والإرهاب. صدر بيان لجنة العلاقات الخارجية بمجلس العموم البريطاني مساء 6 نوفمبر الجاري يبرئ الإخوان المسلمين ويقوم بغسل سمعتهم التي تمرغت في العنف والإرهاب، ويرفض تقرير الحكومة البريطانية الذي صدر العام الماضي حول تورط عناصر في جماعة الإخوان في التطرف والإرهاب. وقد تعرضت وزارة الخارجية البريطانية للنقد من قبل أعضاء في البرلمان بسبب ما اعتبروه تقريراً »خاطئاً» عن الإخوان المسلمين في مصر. كان رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون قد أمر منتصف 2014 بتحقيق عاجل عن الحركات الإسلامية وما إذا كانت تشكل تهديدا للأمن الوطني البريطاني، وجاء تأخر إعلان نتائج التحقيق الذي رأس لجنته السير، جون جينكينز، السفير البريطاني السابق لدي الرياض عدة شهور مدعاة للتشكيك واللغط، حيث قررت تقارير صحفية خصوصاً من الإندبندنت والجارديان أن التقرير نفسه خضع لقدر كبير من التعديل والحذف، لإرضاء دول خليجية لم تكن راضية عن الأنشطة الإخوانية، وجاء في خطاب كاميرون الموجّه لمجلس العموم البريطاني في ديسمبر الماضي أن »هناك علاقة غامضة بين بعض أقسام جماعة الإخوان المسلمين والتطرف العنيف، وأن بعض الأفراد والجماعات قد انخرطوا في أعمال العنف والإرهاب» بحسب التقرير، الذي ورد فيه: أن »هناك أفرادا تربطهم روابط قوية بالإخوان المسلمين في المملكة المتحدة أيّدوا العمليات الانتحارية التي نفذتها حركة حماس في إسرائيل»، لافتا إلي أن حماس حركة محظورة في المملكة المتحدة منذ عام 2001 باعتبارها منظمة إرهابية وتعتبر نفسها الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين. وأشار »كاميرون» في خطابه لمجلس العموم في ذلك الوقت إلي أنه علي الرغم من تصريح الإخوان بمعارضتهم لتنظيم القاعدة لكنهم لم يدينوا بشكل مقنع استغلال بعض المنظمات الإرهابية لكتابات سيد قطب، الذي يعد أحد أبرز مفكري الإخوان المسلمين. كان ذلك في ديسمبر 2015، لنفاجأ من جديد هذا الأسبوع باجتماع للجنة العلاقات الخارجية بالمجلس تشكك في تقرير الخارجية وتبرئ ساحة الإخوان من كل عنف وإرهاب، حيث قال رئيس اللجنة كريسبن بلانت ان تقرير الخارجية البريطانية الذي أعلنه ديفيد كاميرون »سيضعف مصداقية بريطانيا في التواصل مع جماعات إسلامية سياسية كان أداؤها حسناً في انتخابات جرت في عموم الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وأن إقصاء الجماعة من السلطة في مصر عام 2013 أعقبه قمع لمؤيديها». وعلي الرغم من تشكيكه بالجماعة استبعد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون حظر تنظيم الإخوان المسلمين في بريطانيا، إلا أن ذلك لم يرض جماعات الضغط الموالية للتنظيم الدولي للإخوان وثار الجدل فجأة في توقيت مريب ضاغطاً بضرورة أن تستمر بريطانيا في دعم جماعة الإخوان. وفي متابعة للميديا البريطانية هذا الأسبوع، قالت صحيفة التليجراف البريطانية، إن لجنة الشئون الخارجية بالبرلمان البريطاني وصفت تقرير وزارة الخارجية البريطانية عن نشاط جماعة الإخوان ب »المضلَّل»، كما أفردت صحيفة الإندبندنت تقريرًا صحفياً حول انتقادات البرلمان للتقرير البريطاني، مطالبة وزارة الخارجية بضرورة اتباع نهج دقيق وداعم في التعاون مع النطاق الأوسع لظاهرة الإسلام السياسي. والسؤال: ما هو المبرر لإثارة كل هذا حول تقرير الخارجية بعد صدوره بعشرة أشهر؟ أليس هذا مدعاة للتفكير والتساؤل؟. ومما يثير الشك والريبة في موقف مجلس العموم أن نظمت لجنة العلاقات الخارجية به 7 يونيو الماضي جلسة استماع حول الإسلام السياسي وعلاقته بالتطرف بحضور نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين إبراهيم منير، ومروان مصمودي مستشار زعيم حركة النهضة التونسي راشد الغنوشي، وسندس عاصم منسقة الإعلام الأجنبي لمكتب الرئيس الأسبق محمد مرسي والصادر ضدها حكم بالإعدام في مصر، وأنس التكريتي رئيس مؤسسة قرطبة للحريات بتركيا وهو من القيادات الإخوانية العراقية، ولم توجه الدعوة لا للخارجية البريطانية ولا السفارة المصرية ولا لأي من أصحاب الدعاوي ضد إرهاب الإخوان. ومن المضحكات المبكيات أن مارس الإخوان أكاذيبهم وأعلنوا اعتبار المثلية الجنسية حرية شخصية واعترفوا بحقوق الشواذ وتولي المرأة قيادة الأحزاب في فضيحة تشي بأنهم طلاب سلطة وليسوا دعاة دين كما يدعون كذباً وبهتانا. ولعلنا نعرف أن الإخوان صنيعة بريطانية عملت مخابراتها MI6 علي إنشائها لضرب الحركة الشعبية والمد الثوري بعد ثورة 19 ومناوأة حزب الوفد كحركة وطنية لصالح الملك والإنجليز، وهم الذين رتبوا لحسن البنا الحصول علي خمسمائة جنيه ذهب من هيئة قناة السويس، وهم الذين ربطوهم بالمخابرات والإدارة الأمريكية منذ الأربعينيات. اليوم يحاولون إحياءهم لمناوأة كل تحرك وطني مصري وعربي لتوظيفهم شوكة في خاصرة مصر ودول المنطقة المراد لها الوقوع في فخ التقسيم والفتنة الطائفية وحروب السنة والشيعة وحرب الطوائف والميليشيات المسلحة. ثم لماذا هذا التحرك البريطاني الآن وما دلالة التوقيت؟ للإجابة قم معي بتجميع »البازل» لأحداث السياسة ومفارقاتها لدينا وحولنا، وأجب لماذا خرج البرادعي في نفس التوقيت من قمقمه وأصدر بيانه الكاذب؟ للتماهي مع الإخوان وإكسابهم مظلومية جديدة بشأن اعتصام رابعة ولإعادة تسويقهم وإعطاء دعوتهم الواهمة عن 11/11 زخماً وقوة مزعومة، ثم ما تفسيرك لسماح وزارة الداخلية البريطانية في أغسطس الماضي بتعليمات مباشرة من رئيسة وزراء بريطانيا تريزا ماي لأعضاء الإخوان بالحصول علي حق اللجوء لأنهم معرضون للخطر في مصر بسبب ملاحقتهم أمنيَا من قبل السلطات الحكومية المصرية؟ ولماذا تتحرش بريطانيابروسيا والاتهامات التي أطلقها رئيس جهاز الاستخبارات البريطانية MI5 اندرو باركر، الذي قال »إن الوسائل التي تستخدمها روسيا في العالم »تزداد عدوانية»، في إشارة للتحركات الروسية في سوريا التي كشفت دعم التحالف الأمريكي البريطاني لداعش وجماعات الإسلام السياسي الإرهابية التي خرجت من عباءة الإخوان وتعمل لحسابها، وحدت من تدخلهم في ليبيا وتهديد حدودنا الغربية، ولماذا تتهم واشنطنروسيا بأنها تقف وراء عمليات قرصنة الكترونية واسعة للتأثير علي حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية؟ إذا ما جمعت البازل لاتضحت أمامك صورة المحاولات الكولونيالية الجديدة لرسم خرائط منطقتنا في سياق نظام عالمي جديد علي مقاس الولاياتالمتحدةالأمريكيةوبريطانيا التي تحاول استعادة دور دولي بعدما خرجت من الاتحاد الأوروبي، ولعلها تلعب آخر وأغبي أوراقها بالإخوان في وهم أن نظام السيسي قد يسقط في 11/11، ويالها من سذاجة سياسية وجهل بحركة التاريخ وإرادة الشعوب، ولعلهم لا يعرفون بعد أن لعبة التلات ورقات أبدعها أشقياء مصريون وما عادت تخيل إلا علي الحمقي والمغفلين، وأن متحف التاريخ القديم تهدمت قواعده وما عادت تجدي معنا مخلفاته.