الشعر حياته، لا يتخيلها بدونه. من الشعراء المخلصين لفن العربية الأول، لا يتعجل الكتابة، ولا ينشر كثيرا، يوظف خبرته وثقافته وقراءاته المتنوعة في كتابة قصيدة مغايرة لها ملمحها المتفرد، ورؤيتها الغير تقليدية، يحمل علي عاتقه هموم وطنه ومجتمعه، ولا يكرر نفسه، يقول دائما "أريد أن تعيش قصائدي بعد مماتي". بدأ كتابة الشعر بعد أن أتقن علم العروض قبيل دخول الجامعة, وكانت نصوصًا نالت إدهاش أساتذته في الجامعة، حتي إن منهم من ارتاب, وإن شهدوا له بعد ذلك، وبدأ منذ ذلك التاريخ في بداية الثمانينيات نشاطه الشعري علي مستوي الجامعة والثقافة الجماهيرية, فكانت علاقته بأساتذته علاقة صداقة، وهم من قدموه للحركة الثقافية: المرحوم الشاعر دكتور عباس عجلان الدكتور عبد الله سرور والدكتور صلاح عبد الحافظ. حصل علي جائزة أفضل قصيدة في جامعة الإسكندرية, وأفضل قصيدة في محافظة البحيرة واستضافته البرامج الإذاعية: "الأدباء الشبان مسرح المنوعات شعر وموسيقي" وبدأ ينشر قصائده في الصحف والمجلات المتخصصة, وكان زملاؤه من الطلاب والطالبات يحفظون أشعاره ويدخلون بها الامتحانات الشفوية أمام الأساتذة! هو الشاعر أحمد شلبي الذي يتحدث هنا بالتفصيل عن الشعر والأدب والوسط الثقافي. - لشعرك سمته الخاص ورونقه المختلف كيف وصلت لهذه الصيغة؟ لو لم يكن للشاعر سمته الخاص فليس بشاعر إذن, لأنه سيكون غيره, وأنا منذ بدأت رحلتي مع الشعر كنت ولم أزل أسأل نفسي: ماذا سأكتب؟.. وما الجديد الذي سأضيفه؟ وأنت تعلم أن الشعر البيتيَّ أو الشكل الكلاسيكيَّ للقصيدة لا يراه سهلا إلا من يجهل سرَّ الشعر سواء من كاتبي هذا الشكل أو من رافضيه.. فالأول يظنه نظمًا يستوفي صحة العروض وصحة اللغة.. والآخر يظن أن لن يُؤتي فيه بجديد.. ولذا يعي المبدع الحقيقي في هذا اللون أنه مطالب بأن يكون له صوته الخاص وموسيقاه المغايرة حتي في القوالب الخليلية, فالبحر الشعري يتخلق بإيقاع نفسي وفني فيصبح لا هو هو ولا هو غيره.. فالشاعر يقود موسيقي البحر ولا ينقاد لها, وتكتسب القصيدة سمات الحداثة والعصر من رؤيتها الفكرية ومدي حيوية قضيتها, ومن تقنيات فنية كالحوارية والدراما, وتعدد المشاهد والأصوات. أنت كشاعر معاصر تستفيد من السينما والمسرح والكاريكاتير وفنون السرد والفولكلور إضافة إلي ثقافتك التراثية والتاريخية والفلسفية وموقفك السياسي والأيدلوجي والديني, ونظراتك في الحياة والسلوك البشري والعواطف المتباينة.. كل هذه إن انعكست بصدق في نصك الشعري فأنت أمام نص يحمل سمتًا ورونقًا خاصًّا.. وهو ما أحرص عليه. - لماذا أنت مقل في نشر قصائدك؟ تعبيرك دقيق ب "مقل", نعم.. ولكنني غير متوقف عن النشر, فأنا أنشر متي توفر النشر الكريم, وأقصد بالكريم أن يكون الناشر أكثر منك سعادة بنشر قصيدتك. - إلي أي شيء تنحاز كشاعر وكإنسان؟ كشاعر أنحاز للجيد من الإبداع عمومًا, وكإنسان أنحاز للصدق وحفظ الكرامة.. ومعًا شاعرًا وإنسانًا أنحاز إلي الوطن ومصريته الصميمة والعريقة وإنسانه البسيط مقاومًا محاولات تغيير هويته وملامح أصالته. - كيف تظهر المرأة في شعرك وماذا تعني لك؟ المرأة هي الملاذ وينبوع الحنان والعطف وهي العطاء والنماء والقوة الناعمة في الحياة أما وأختا وزوجة وصديقة.. المرأة ليست جسدًا وجنسًا, إنما هي طهارة الروح وبسمة الدنيا أمام جهامة الحياة.. لقد كان القدماء أكثر برا وواقعية في نظرتهم للمرأة وانظر لآلهة الإغريق ولإيزيس بمصر وملكات مصر الفرعونية.. وانظر للتراث الديني في مريم العذراء وامرأة فرعون, وحب المصريين للسيدة هاجر ومارية والسيدة زينب والسيدة نفيسة.. وحبنا لأم كلثوم ونجاة وفاتن حمامة وسعاد حسني.. وتقديرنا للفلاحة المصرية التي كانت كنزًا اقتصاديا تخبز وتحلب وتنتج الجبن وتربي الطيور وتبيع البيض وتربي الأولاد وتساعد زوجها في الحقل.. إن المرأة هي الحبيبة في كل من ذكرت. - تكتب الشعر العمودي فهل تأخذ موقفا من قصيدتيّ التفعيلة والنثر؟ أنا أنحاز كما ذكرت سابقا للجيد مهما يكن شكله.. فأنا أقرأ لصلاح عبد الصبور وحجازي وأمل دنقل والبياتي وأبي سنة وفؤاد طمان وحسن طلب.. كما أقرأ لأنسي الحاج ولمحمد الماغوط ولخليل حاوي.. مثلما أقرأ للبارودي وشوقي وناجي ومحمود حسن إسماعيل والأنصاري ومحمد الشهاوي وأحمد بخيت وإيهاب البشبيشي, وأقرأ للأجيال الجديدة في الأشكال كافة.. وأنفر من كل ما هو رديء سواء كان عموديا أو غير عمودي. - كيف كانت علاقتك بالشاعر الراحل عبدالمنعم الأنصاري وماذا تعلمت منه؟ لقد رأيته متفردا في عصره, كنت إذا قرأت شعره أو استمعت إليه أشعر أنه يقول شيئا جديدًا, هناك متعة في رموزه, صوره, تكثيفه.. فأنا تعلمت منه كل ذلك.. وعلاقتي به كانت علاقة المعلم الذي يمنح تلميذه الثقة في النفس ويفرح بنتاجه ويحمل قصائده ويسمعها لكل جلسائه.. وكنت عندما ألقي أمامه في المنتديات يتلفت بلهفة يحب أن يري كيف تبدو وجوه من يستمعون, وهو من عرفني وعرف عليَّ كبار مثقفي مصر وشعرائها. - أنت هادئ بطبيعتك فهل أضرك الهدوء يوما ما، وهل تؤثر شخصية المبدع في استقبال أعماله؟ يكفي الشاعر صخب النفس والفكر واضطراب ما قبل الكتابة.. والإبداع يا صديقي لا يحتاج المزاحمة والصوت العالي.. ولكن قد يخرج الإنسان عن هدوئه عندما يتحتم ذلك.. وهي مواقف لا أحب أن أتذكرها لأنها استثنائية بعيدة عن طبيعتي.. أما أن الهدوء قد أضر بي.. فلا أعتقد أو علي الأقل لا أجد أني خسرت به شيئا ذا قيمة.. فأنا أؤمن أن البقاء في قيمة ما تكتب، والحمد لله لقد نفدت أعمالي الكاملة بينما لم توزع أعمال من ملأوا الدنيا صخبًا وتحمس لهم من تحمس إلا ما وُزِّع كهدايا.. ونوقشت أعمالي في رسائل ماجستير ودكتوراه في جامعات مختلفة ومن باحثين ليس لي بهم أية صلة في جامعة الإسكندرية والمنيا وطنطا والأزهر, وفي أبحاث لترقي الأساتذة في كتب خاصة ومجلات علمية محكمة.. وتُدرَّس نصوصي في مناهج وزارة التربية والتعليم.. إن إيماني بما أفعل جعلني في ثقة وفي هدوء.. واعلم أن التطاول لا يصنع مبدعًا وإنما يصنع سفيها حتي وإن "اتقاه الناس خوف فحشه". - بشكل عام كيف تري الساحة الأدبية والثقافية الآن؟ أعتقد أن الإجابة السابقة تكفي عن جزء من السؤال, فكثير ممن فرضتهم الظروف علي الساحة لا يستحقون ما أخذوا.. ولكن علينا أن نعترف بأن الفساد ضارب بجذوره.. وانظر إلي الجوائز إلي أين تتجه ومن يُرشّح لها.. وإلي ندوات المؤسسات الكبيرة من يُدعي لها إنهم من العناصر النسائية وشبه النسائية.. ثم وجِّه عينيك صوب وجوه الشيوخ المراهقين وهم يستمعون إليهن وهنَّ يبتذلن اللغة ويمسحن الأرض بالشعر.. ولا مانع كذلك من وضع مسئول خليع يرتب للندوات وما بعدها. - ماذا تقول للشعراء الشباب؟ اكتب ما تشاء وما أنت مؤمن به, واحذر المضلين, وصل تراثك تصلْ لحداثتك.