أول ما سمعت عن التابعي عندما كان رئيساً لتحرير مجلة روز اليوسف وكانت هي ومجلة المسرح التي يصدرها عبد المجيد حلمي أحب المجلات إلي قلبي، وكان التابعي يكتب وقتئذ باسم مستعار هو"حندس"وقبل ذلك كان ناقداً مسرحياً لجريدة الأهرام ومحرراً هاوياً بجريدة الإجبشيان ميل وموظفاً بمجلس النواب. وأول شخص تمرن فيه التابعي هو يوسف وهبي بك، وكان التابعي يهاجمه هجوماً عنيفاً وقد اسماه يوسف وهبي"الكاتب الذي يسقيني السم في برشامة" وكان التابعي صديقاً ليوسف، وقد ترجم له إحدي الروايات، ومما يذكر ان التابعي لم يتقاض مرتباً من روز اليوسف منذ نشأتها إلي سنة 1927 لسبب بسيط وهو ان الجريدة لم تكن تدر إيرادا! ونجحت روز اليوسف عند ما عثر التابعي علي مذكرات سعد زغلول وبدأ ينشرها وكانت أول صلتي به وقتئذ فقد اكتشفت هذا الحادث وأبلغته إلي أم المصريين وجمعنا المذكرات ووضعناها في حرز أمين بعيداً عن متناول الأستاذ التابعي!! والتابعي كثير الأسفار، وفي العشر السنوات الأخيرة امضي في اوروبا اكثر مما امضي في القاهرة. وهو صحفي عالمي، تنبأ بكثير من الحوادث الضخمة التي وقعت في اوروبا واهمها الخلاف بين الروس والحلفاء.. وينفق في رحلاته عن سعة، فإذا نزل في سان مورينتز مثلا أقام في نفس الجناح المخصص لملوك أوروبا وأمرائها. وفي سنة 1927 كان التابعي هو الوسيط بين القصر والوزارة النحاسية وقد سافر مع جلالة الملك إلي سويسرا وفرنسا وانجلترا. وكانت صلته بالوفد طيبة، فاستطاع ان يتوسط في الخلاف القائم، ولكن كان التيار أقوي من وساطته.. واضطر إلي ان يعود إلي أوروبا يائساً.. وبعد بضعة اسابيع من سفره اقيلت وزارة النحاس باشا الثالث. وكتب التابعي سلسلة مقالات كشف فيها الستار عن اسباب الخلاف. وغضب الوفد علي التابعي.. وهدد بأن يعلن ان مجلة آخر ساعة لا تعبر عن رأي الوفد.. فما كان من التابعي إلا ان أعلن هو في الصحف انه لا صلة لآخر ساعة بحزب الوفد.. وكانت هذه اول مرة تتبرأ فيها جريدة في مصر من الوفد، وكذلك أول مرة تخرج فيها جريدة علي الوفد وتبقي أقوي مما كانت وهي وفدية! والتابعي غريب الأطوار، ينفق الألوف بغير حساب، ويمكث ساعة يبحث عن قرشين صاغ انفقهما ونسي ان يقيدها عنده في دفتر خاص يقيد فيه كل مليم ينفقه من قرش صاغ أجرة مسح حذاء في شارع فؤاد الأول إلي ألفي جنيه ثمن خاتم من الألماس اشتراه في مدينة نيس وأهداه لفتاة قابلها 24 ساعة ثم خاصمها بعد ذلك! والتابعي غير متزوج، وقد فكر في الزواج 38 مرة، وعدل 38 مرة، وهو ضعيف مع النساء قوي مع الرجال. يطهو اكله بنفسه في المساء، ويعيش في القرون الوسطي. وهو مضياف من الطراز الأول، ويهتم اهتماما كبيراً بثيابه، وبأناقته، ويعتبر من أحسن عشرة رجال في مصر يحسنون اختيار ملابسهم. يحب السينما ويشتري احيانا لوج سينما ويجلس فيه وحده! ويحب قراءة الروايات البوليسية يجيد اللغة الإنجليزية والفرنسية.. ويعرف التركية والالمانية طراطيش! وفي سنة 1926 أصدر التابعي جريدة المصري مع الأستاذ محمود ابو الفتح وكريم ثابت بك فنجحت المصري نجاحاً كبيراً.. وكان التابعي معروفا بالوفدية وكان ابو الفتح من خصوم الوفد ورأي التابعي ان يبيع حصته في الجريدة، وباعها للنحاس باشا بثلاثة آلاف جنيه - وأنفق المبلغ في شهرين في سان مورينتز! وتقدر قيمة حصة التابعي الآن بأكثر من مائة ألف جنيه! ولكن التابعي كان قد اعطي كلمة أن لايبقي في المصري إذا اختلف النحاس مع الملك واحترم كلمته.. وخسر المائة ألف جنيه! وقد ينشر التابعي مذكراته في هذا الموضوع في يوم ما. ولقد كسب التابعي من الصحافة اكثر مما كسب صحفي آخر في مصر، فقد كانت المجلات التي يصدرها اكثر المجلات قراءة في مصر، ولكنه كان مسرفاً، وكان ايضاً ضحية للاضطهاد المستمر. فقد عطل محمد محمود باشا روز اليوسف عدة مرات، وأصدر التابعي مجلة الرقيب فعطلتها الحكومة بعد اسبوع، ثم اصدر مجلة الشرق الأدني فعطلتها الحكومة بعد 23 عدداً، وأصدر مجلة مصر الحرة فعطلت بعد 13 عدداً! وفي سنة 1930 تولي صدقي باشا رئاسة الوزارة فعطل روز اليوسف، فأصدر التابعي مجلة البرق فصدر العدد الأول وعطلها صدقي باشا وصادر العدد الثاني! وأصدر مجلة مصر الحرة فعطلها صدقي باشا بعد عدد واحد بحجة ان مجلة روز اليوسف مستترة وراءها. وأصدر التابعي مجلة الربيع، وكتب فيها أمراً بتعطيلها ليربح صدقي باشا من كتابة أمر التعطيل.. وعطلها صدقي باشا ايضاً بعد عدد واحد! ثم أصدر مجلة الشرق الأدني وكتب فيها بالخط العريض"اللي اختشوا! هذه المجلة تصدر بدلا من روز اليوسف. عطلها بأه!" وفعلا عطلها صدقي باشا بعد عدد واحد! واصدر التابعي بعد ذلك مجلة الصرخة ومكث يصدرها تسعة شهور، ثم عاد يصدر روز اليوسف من جديد إلي ان استقال من تحريرها في يوليو سنة 1934 ليصدر آخر ساعة.. واستأجر التابعي مجلة الطيارة، وأطلقت أنا عليها اسم آخر ساعة ثم حصل علي امتياز آخر ساعة وكانت هذه اول مرة تصرح له الحكومة بأن يكون صاحب جريدة.. مع انه حاول ذلك من سنة 1925 إلي سنة 1935!! في الوقت الذي كانت تصرح فيه الحكومات لكل من هب ودب ان يكون صاحب صحيفة! وعطلت آخر ساعة بعد ذلك عدة مرات.. وفي اثناء هذه السنوات حكم علي التابعي ثلاث مرات، مرة بالسجن ستة أشهر مع ايقاف التنفيذ لإهانته بعض ملوك اوروبا، ومرة بالسجن اربعة اشهر مع النفاذ لأنه انتقد أحمد علي باشا وزير العدل في وزارة صدقي باشا ومرة بالسجن ستة أشهر مع ايقاف التنفيذ لأنه عاب في حق صاحب السمو الملكي الأمير محمد علي. " آخر ساعة " - 12يونيو 1948