هو مطرب وموسيقار وفنان تشكيلي وكاتب أغانٍ أمريكي، ولد عام 1941، وهو أسطورة من أساطير الموسيقي والغناء، وصاحب تاريخ وتأثير ضخم في عالم الموسيقي والغناء منذ أكثر من نصف قرن. اشتهرت أعماله في الستينيات، وكانت بمثابة تأريخ لحقبة من القلق الذي سيطر علي الشباب في ذلك الوقت. كانت أغانيه تعبيرًا عن الحركة المناهضة لحرب فيتنام، وحركات الدفاع عن الحقوق المدنية في الولايات المُتحدة، كما واكبت ثورة الشباب في أوروبا. يعود إليه الفضل كذلك في إعادة إحياء موسيقي "البوب" وانتشارها علي نحو كبير في العالم. رفض بوب ديلان وصف كثيرين له بأنه المُتحدث باسم جيله، وتنصل أكثر من مرة من كونه سياسيًا أو مُصلحًا اجتماعيًا، وأن هدفه الوحيد أن يقدم الفن، كما أقدم علي بيع منزله واختار التجوال بحثًا عن أضواء الفن ورفض التعليق أو الإفصاح عن أي آراء لها علاقة بالسياسة وبالشأن العام، وكان يسعي دائمًا أن يهتم الجمهور بإبداعه وليس بشخصه. كان بوب ديلان يكتب أغانيه، كما يكتب لغيره من المطربين، إلا أن هذا الجانب من حياته الإبداعية تواري خلف الكثير من الإنجازات الموسيقية، والفن التشكيلي. اتسمت أشعاره بالطابع الاجتماعي والفلسفي، وقدراتها علي مواكبة الأحداث الجارية وتناول الكثير من الموضوعات، كما عُرف في أوساط الموسيقيين بأنه "صائغ الكلمات". تتسم أشعاره بثراء مُدهش وقدرة علي تحريك الروح وإثارة المشاعر، وتتسم كذلك بتعدد طياتها وقدراتها علي الصمود في وجه الزمن، رغم تناولها للأحداث الجارية. يري بعض النقاد أن الجمهور لم يلتفت إلي ديلان باعتباره شاعرًا لأنه لم يُقدم شعره بمعزل عن الموسيقي. لقد استفاد الموسيقار وخسر الشاعر في تلك الثنائية؛ فقد كانت الكلمات العبقرية لأغانيه سبب شعبية تلك الأغاني وتأثيرها الواسع، وعدم إصابة المُستمع بالملل من كثرة الاستماع إليها. ويري نقاد آخرون أنه لم يكن شاعرًا غنائيًا فذًا، وأن بعض أغانيه اتسمت بضعف كلماتها ورؤيتها، ولكن نجاحها كان بسبب الموسيقي القوية. ولقد ثار خلاف حول أيهما يأتي أولًا، بوب ديلان الموسيقي، أم الشاعر؟ وحين سأله أحد الصحفيين هذا السؤال في مؤتمر صحفي عام 1965، ضحك وأجاب: "أنا أغنية ورقصة"، إلا أنه كتب في مذكراته أنه "لم يصل إلي الدرجة التي يتمناها كشاعر غنائي". تري "دانا ستيفنز"، في مقال لها بصحيفة "نيويورك تايمز" أن الإبداع حالة انصهار عناصر عدة، وأن أغاني "ديلان" هي مزيج من عناصر كثيرة بداية من موسيقي البلوز إلي الأغاني الشعبية الانجليزية، والشعر الرمزي الفرنسي. كما تنفي أهمية التفريق بين ديلان الموسيقي، وديلان الشاعر، وتقول إنه يشبه السؤال: أيهما أهم، شكسبير الشاعر، أم شكسبير الكاتب المسرحي. في الواقع، خسر الشاعر داخل ديلان لحساب الموسيقي؛ الذي أصبح أسطوري الشهرة وقضي علي الشاعر. نشر ديلان ديوانًا من الشعر الحُر بعنوان "العناكب الكبيرة" عام 1971، إلا أنه لم يلفت الانتباه، وظل الشاعر مطمورًا إلي أن أخرجته لجنة نوبل هذا العام إلي النور، ومنحته أرفع جائزة أدبية في العالم. تغلب علي قصائد "ديلان" النزعة الدرامية، إذ نري ملامح قصصية واضحة في أغانيه؛ هناك الراوي، والأماكن، والصراع والمواجهات. كما يستخدم بعض التقنيات السينمائية مثل القطع، والموازاة بين المشاهد، ولأن الموسيقي تسكن ديلان، ولأنه يكتب الأغاني، فقد كانت اتسمت قصائده بقوة الإيقاع، والاعتماد علي الوزن والقافية المُحكمة، والتقارب اللفظي، لدرجة تجعل الكلمات تتحول إلي موسيقي. بالطبع كان ديلان يكتب باللهجة العامية، مثل غيره من كُتاب الأغاني، واستفاد من تركيباتها اللغوية الحيّة والموحية، والقادرة علي التعبير، ومن تقنيات الأغنية؛ مثل المذهب والمقاطع المتتابعة، إلا أنه أضفي روحًا درامية علي أغانيه، وكان الانتقال من مقطع إلي آخر يُمثل نقلة نوعية تدفع الموقف في القصيدة إلي الأمام. في قصيدة "أغلب الوقت"، يُعلن الراوي عن نفسه وعن سماته الشخصية التي تتسم بالثبات الانفعالي في مواجهة رحيل حبيبته، الذي لم يلحظه حتي. يؤكد الراوي علي قدرته علي الاحتمال، والبقاء علي قيد الحياة دون حبيبته التي رحلت، وأصبح لا يفكر فيها؛ حالة معكوسة من الشفقة علي الذات، تكشف عن حجم المأساة وعدم القدرة علي تجاوزها. يعرض ديلان الحالة بالتدريج، يتطور الموقف لنري حجم المُفارقة ونلمح قدر الألم والمُعاناة التي تتسرب إلينا رغم ادعاء القوة، أو ربما بسبب المُبالغة في ادعاء القوة. في المقطع التالي، يعلن لنا أن بمقدوره مُغالبة آثار الفراق، وأنه لن يرتبك أو يتأثر بفراقها، وأنه لن يعرفها إن رآها علي مسافة بعيدة، وأنه يشك في وجودها من الأساس. يتصاعد الادعاء كلما تصاعد الإحساس بالفقد، ويتم التعبير عن الموقف بالإنكار في مُقابل الاعتراف، بادعاء التماسك بدلًا من الانهيار والبكاء، بمحاولة الثبات بدلًا من اللحاق بمن تركته ورحلت. باعت تسجيلات أغاني بوب ديلان مائة مليون نسخة، وأعماله هي الأكثر بيعًا بين كل المطربين علي الإطلاق، كما نال الكثير والكثير من الجوائز الموسيقية العالمية، وحصل كذلك علي جائزة بولتزر خاصة عام 2008 لدوره في إثراء الثقافة الأمريكية، وقدراته الشعرية الاستثنائية. لم يكن تأثيره لحظيًا أو مرتبطًا بحالة ثورية خاطفة، ولم يقتصر علي البوهيميين من شباب الستينيات، بل امتد إلي أجيال مُتعاقبة، وشهد الكثير من المُبدعين في مجالات شتي بتأثيره عليهم.