إنفوجراف| أسعار الذهب في مستهل تعاملات الجمعة 3 مايو    أسعار البيض اليوم الجمعة 3 مايو 2024    استقرار أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة.. عز ب 24155 جنيهًا    دايملر للشاحنات تحذر من صعوبة ظروف السوق في أوروبا    المرصد السوري: قصف إسرائيلي يستهدف مركزا لحزب الله اللبناني بريف دمشق    «القاهرة الإخبارية»: أمريكا تقمع طلاب الجامعات بدلا من تلبية مطالبهم بشأن فلسطين    مستوطنون يهاجمون بلدة جنوب نابلس والقوات الإسرائيلية تشن حملة مداهمات واعتقالات    حرب غزة.. صحيفة أمريكية: السنوار انتصر حتى لو لم يخرج منها حيا    وزير الدفاع الأمريكي: القوات الروسية لا تستطيع الوصول لقواتنا في النيجر    جدول مباريات اليوم.. حجازي ضد موسيماني.. ومواجهتان في الدوري المصري    الكومي: مذكرة لجنة الانضباط تحسم أزمة الشحات والشيبي    الهلال المنتشي يلتقي التعاون للاقتراب من حسم الدوري السعودي    تشاهدون اليوم.. زد يستضيف المقاولون العرب وخيتافي يواجه أتلتيك بيلباو    حالة الطقس المتوقعة غدًا السبت 4 مايو 2024 | إنفوجراف    خريطة التحويلات المرورية بعد غلق شارع يوسف عباس بمدينة نصر    ضبط 300 كجم دقيق مجهولة المصدر في جنوب الأقصر    معرض أبو ظبي يناقش "إسهام الأصوات النسائية المصرية في الرواية العربية"    زي النهارده.. العالم يحتفل باليوم العالمي للصحافة    «شقو» يتراجع للمركز الثاني في قائمة الإيرادات.. بطولة عمرو يوسف    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    موضوع خطبة الجمعة اليوم وأسماء المساجد المقرر افتتاحها.. اعرف التفاصيل    «تحويشة عمري».. زوج عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف في ترعة ينعيها بكلمات مؤثرة (صورة)    «سباق الحمير.. عادة سنوية لشباب قرية بالفيوم احتفالا ب«مولد دندوت    وزارة التضامن وصندوق مكافحة الإدمان يكرمان مسلسلات بابا جه وكامل العدد    إبراهيم سعيد يكشف كواليس الحديث مع أفشة بعد أزمته مع كولر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة3-5-2024    مواعيد صرف معاش تكافل وكرامة بالزيادة الجديدة لشهر مايو 2024    دراسة أمريكية: بعض المواد الكيميائية يمكن أن تؤدي لزيادة انتشار البدانة    دراسة: الأرز والدقيق يحتويان مستويات عالية من السموم الضارة إذا ساء تخزينهما    أهداف برشلونة في الميركاتو الصيفي    رسالة جديدة من هاني الناظر إلى ابنه في المنام.. ما هي؟    "نلون البيض ونسمع الدنيا ربيع".. أبرز مظاهر احتفال شم النسيم 2024 في مصر    تركيا تعلق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل    هل يجوز الظهور بدون حجاب أمام زوج الأخت كونه من المحارم؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    بعد انفراد "فيتو"، التراجع عن قرار وقف صرف السكر الحر على البطاقات التموينية، والتموين تكشف السبب    الإفتاء: لا يجوز تطبب غير الطبيب وتصدرِه لعلاج الناس    سر جملة مستفزة أشعلت الخلاف بين صلاح وكلوب.. 15 دقيقة غضب في مباراة ليفربول    برلماني: إطلاق اسم السيسي على أحد مدن سيناء رسالة تؤكد أهمية البقعة الغالية    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    السفير سامح أبو العينين مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأمريكية    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    إسرائيل: تغييرات في قيادات الجيش.. ورئيس جديد للاستخبارات العسكرية    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    بعد تغيبها 3 أيام.. العثور على أشلاء جثة عجوز بمدخل قرية في الفيوم    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف تري إسرائيل حرب أكتوبر بعد 43 عاماً


الجدل لا يزال مستمراً
إن كان يجوز للإسرائيليين المهزومين إنكار الهزيمة والتشكيك في الانتصارالمصري، فمن أسف أن نجد بعض الأصوات من بيننا تسايرالإنكار الإسرائيلي بسطحية وجهل وربما عن غرض.
في السنوات الأخيرة تركز الجدل الإسرائيلي حول حقيقة الدور الذي لعبه أشرف مروان في خطة الخداع المصرية، وصدر قبل سنوات كتاب »الملاك»‬ للدكتورأوري بر- يوسف الذي تبني فيه نظرية عمالة د.أشرف مروان للاستخبارات الإسرائيلية ضد مصر وأصّر فيه علي ان »‬الملاك» - الإسم الكودي لمروان- كان من أهم وأثمن مصادر المعلومات التي خدمت إسرائيل بتنبيهاته المتكررة عن نية السادات شن الحرب وإبلاغهم بموعدها.
في المقابل ظهر في العام الماضي كتاب آخر بعنوان »‬جهاد السادات» لمؤلفه رجل المخابرات السابق في جهاز »‬أمان» شمعون ميندس. كان لدار »‬أخبار اليوم» سبق نشره وتقديمه باللغة العربية عرضاً وتلخيصاً تحت عنوان :»رجل السادات في الموساد»
في هذا الكتاب المتعمق يؤكد ميندس أن أشرف مروان كان الزريعة التي تمكن السادات بذكاء من غرسها نفسيا داخل الأدمغة المحمومة لقيادات الاستخبارات الإسرائيلية ليسلبها قدرتها علي التمييز والفرز لتنفذ له بدقة خطة الخداع التي أطاحت بأسطورة الجيش الذي لا يقهر. قبل عدة اشهر ظهرت في الولايات المتحدة الترجمة الإنجليزية لكتاب »‬الملاك»، و»‬للمصادفة» تواكب ظهور تلك الترجمة مع ذكري وفاة د.أشرف مروان، و»للمصادفة» أيضاً تواكبت كثافة التغطيات الصحفية لهذه الترجمة في وسائل الإعلام الأمريكية مع الذكري الثالثة والأربعين لنصر أكتوبر!
كانت الحفاوة التي قوبل بها كتاب »‬الملاك» في الصحف الأمريكية عند صدوره الأول بالعبرية عام 2010 ثم نفس الحفاوة مع الترجمة الإنجليزية له لافتة للنظر، إزاء التجاهل الواضح لصدور كتاب »‬جهاد السادات» الذي يتبني وجهة نظر مخالفة للكتاب الأول بل وربما مخالفة لما يود الإسرائيليون وحلفاؤهم الأمريكيون ترويجه والاقتناع به بل وإقناع العالم به.
»‬الملاك».. أبلغنا بمعلومات فائقة السرية
في هذا الكتاب الذي وضعه البروفيسور أوري بر يوسف الأستاذ بجامعة حيفا أظهر المؤلف د. الراحل أشرف مروان علي أنه أكبر عملاء الموساد إطلاقاً علي مر العصور، وأحد أكبر الجواسيس إدهاشا في التاريخ. بر- يوسف يعتمد في مزاعمه علي عاملين رئيسيين هما أولاً: أهمية ومكانة شخصية أشرف مروان وعلاقته العائلية بأسرة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، فضلاً عن اقترابه الشديد بعد ذلك من الرئيس أنور السادات بحكم وظيفته كسكرتير الرئيس للمعلومات وتكليفه بمهام خاصة، واطلاعه علي أدق التفاصيل وأكثرها سرية وقد أكسبه ذلك تقديرا واهتماما خاصا لدي الموساد الإسرائيلي. ثانياً: أهمية ودقة وصحة المعلومات التي أبلغ الموساد بها، وتحذيراته المتكررة من قرب نشوب الحرب. ويسرد البروفيسور الإسرائيلي أوري بار يوسف في كتابه »‬الملاك»، كماً كبيراً من التفاصيل، فيورد بعضاً منها: ان جميع خطط حرب الجيش المصري، بما في ذلك »‬العملية 41»، و»المآذن الشاهقة»، ووثائق تنظيم القوات، ومواقع الوسائل القتالية وإمكانياتها، وتسجيلات المحادثات مع زعماء الدول الأجنبية، وقوائم المداولات الجارية في المؤسسات الأمنية بالغة الأهمية في مصر، والمداولات التي شارك فيها السادات أو تلك التي أوفد فيها أشرف مروان بدلاً منه، ومداولات قيادة الأركان المصرية، ومحادثات مع السوفييت، وطلبات الأسلحة الموجهة إليهم، وردودهم علي تلك الطلبات وتعليقاتهم عليها، ولقاءات العمل مع وزراء الدفاع، وقادة الأركان ورؤساء أجهزة الاستخبارات.. كانت جميعها معلومات نقلها مروان بالكامل إلي إسرائيل.
دائماً يكرر بر- يوسف حكاية قيام أشرف مروان بإبلاغ مسؤوله عميل الموساد في بداية نوڤمبر 1972بأن السادات ينوي شن الحرب قبل نهاية ذلك العام دونما انتظار لاستكمال منظومة السلاح. وفي أوائل 1973 أخبرهم ان الحرب ستقوم في مايو من نفس العام، وفي 11 إبريل أكد المعلومة وأبلغهم ان الحرب ستقوم في منتصف مايو.
في أوائل مايو وقعت مصر مع الاتحاد السوڤييتي صفقة صواريخ سكاد وكان مروان قد أبلغهم بذلك. في أوائل يوليو أبلغهم مروان بأن السادات قرر ألا تنتظر مصر حدوث توازن القوي الجوية بينها وبين إسرائيل، الأكثر من ذلك أنه أبلغهم عشية الحرب بموعدها في اليوم التالي. كل هذه المعلومات يعتبرها بر يوسف دليلا علي خيانة مروان لمصر وعمالته لإسرائيل.
لعنة »‬يوم كيبور» طاردت إسرائيل في حربي الخليج الأولي ولبنان
ما برح ارتباك إسرائيل من المباغتة المصرية في حرب أكتوبر 73 يفرض نفسه علي الدوائر السياسية والعسكرية في تل أبيب، فرغم تقادم السنين، إلا أن الإسرائيليين يعترفون بأنهم لم يستوعبوا درس الماضي، رغم الحصول علي الفرصة الكافية، فحرب أكتوبر، بحسب الپروفيسور الإسرائيلي جابي أڤيطال لم تبدأ في الأسبوع الأول من الشهر ذاته، وإنما انطلقت شرارتها الحقيقية في اليوم الذي وضعت فيه حرب الاستنزاف أوزارها، وتحديداً في الثلاثين من أغسطس 1970، فحينما وقعت إسرائيل علي اتفاق وقف إطلاق النار، بدأ المصريون في بناء »‬حائط الصواريخ» المضادة للطائرات، كما وجه السوريون بطاريات صواريخهم صوب قناة السويس من دون تدخل إسرائيلي، وأفضي صمت إسرائيل إلي سقوط 25% من مقاتلات سلاح الجوي الإسرائيلي علي الجبهتين المصرية والإسرائيلية خلال ال 48 ساعة الأولي من حرب أكتوبر.
ورغم »‬الصفعة العنيفة» التي تلقتها إسرائيل من المصريين والسوريين قبل 43 عاماً، إلا أن إسرائيل، بحسب الپروفيسور أڤيطال، لم تغير استراتيجيتها في التعامل مع الواقع الجديد، تفادياً لمباغتة عسكرية جديدة قد تتعرض لها، فرغم اتفاقات السلام التي أبرمتها إسرائيل مع مصر والأردن، وانشغال العواصم العربية لاسيما دمشق بأزمتها الداخلية، واهتمام دول الخليج وكذلك إسرائيل بالتعاطي مع آليات التهديد الإيراني، إلا أن أفيطال يري ضرورة توخي إسرائيل للحذر والحيطة من احتمالات مباغتة جديدة، ربما لن تختلف عن حرب يوم الغفران عام 73.
من الزاوية ذاتها يسهب الخبير السياسي الإسرائيلي يارون بن يشاي في الحديث عن فيروس »‬الإرتباك» الذي لازم المؤسسات السياسية والاستخباراتية والعسكرية في تل أبيب منذ يوم الغفران 73، وربما يؤكد هذا المفهوم تضارب الآراء والمواقف، الذي استبق الحرب بساعات، ففي تمام الساعة الثامنة وخمس دقائق صباح اليوم الأول للحرب، عقدت رئيسة الوزراء جولدا مئير اجتماعاً للمجلس الوزاري المصغر للشئون السياسية والأمنية، وارتبك الجميع في اتخاذ قرار حول عدة إشكاليات من بينها، توجيه ضربة عسكرية للعاصمة دمشق من عدمه، وإخلاء المستوطنين من العريش والجولان، أو توجيه ضربة استباقية للمصريين قبل اندلاع الحرب.
ووسط هذه الأجواء أكد رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية »‬أن الحرب لم تصبح واقعاً حتي الآن، ونحن علي أهبة الاستعداد لأي طارئ»، ولم يكترث ديان بحديثه، حينما أصر علي استدعاء الاحتياط، لكن ذلك تناقض مع موقف رئيس الأركان ديڤيد أليعازر. ورغم غياب الرابط في حديث يارون بن يشاي بين حالة الارتباك والمواقف السياسية، إلا أنه رأي أن وضعية المطبخ السياسي والأمني في تل أبيب إبان حرب الغفران، لازمته عند اتخاذ قرارات مصيرية خلال حرب الخليج الأولي عام 1991، وحرب لبنان عام 2006، إذ تخبطت قرارات رئيس الوزراء الأسبق شامير في توجيه ضربة عسكرية للعراق علي خلفية قصف صدام حسين لإسرائيل بالصواريخ، ففي حين عزا شامير تراجعه عن تلك الضربة إلي تحسبه من رد فعل إدارة بوش الأب الغاضب، رأي بن يشاي أنه كان مرتبكا حيال تلك الخطوة، لاسيما أن رئيس الوزراء مناحم بيجن اتخذ قرار قصف المفاعل النووي العراقي من دون الإكتراث بالموقف الأمريكي. وتنسحب حالة الإرتباك ذاتها، بحسب الكاتب الإسرائيلي علي عزوف رئيس الوزراء إيهود أولمرت عن توجيه ضربة عسكرية للبني التحتية اللبنانية عام 2006، رغم أن رئيس الأركان في حينه دان حالوتس كان مصراً علي تلك الخطوة.
فإسرائيل، لازمها الارتباك في تقدير الموقف بعد حرب الغفران 73، وحاول قادتها تبرير ارتباكهم بتعليقه علي شماعة »‬رضا البيت الأبيض»، بحسب وصف الكاتب الإسرائيلي، إلا أنه أكد أن التحرر في اتخاذ القرار كان ممكناً في كثير من الأحيان.
»‬جهاد السادات» .. مروان كان سفير السادات لدي الموساد
لايختلف شمعون ميندس مؤلف كتاب جهاد السادات مع بر- يوسف مؤلف كتاب الملاك حول صحة المعلومات، لكن الخلاف الحقيقي بينهما حول زاوية الرؤية وتفسير تلك المعلومات. بينما يري الأول تلك القرائن دليلاً علي خيانة مروان لمصر، يراها الثاني دليلاً علي إخلاصه لها، واعتباره ركيزة أساسية في خطة خداع إسرائيل وتنويمها.
وقد وضع مؤلف كتاب »‬جهاد السادات» - الذي نشرته دار »‬أخبار اليوم» نقلاً عن العبرية تحت اسم »‬رجل السادات في الموساد» - تصنيفاً لعمليات الخداع، التي استبق بها السادات حرب أكتوبر، مشيراً إلي أن الرئيس الراحل اعتمد علي ثلاثية خداعية »‬خدر بها إسرائيل» وهذه الثلاثية هي:
الخداع الأول كانت خطواته: وقف إطلاق النار والرضا الإسرائيلي عن النفس في أعقاب حرب الاستنزاف، ونشر منظومة الصواريخ المضادة للطائرات، ودمج »‬المنبع» ويقصد به هنا أشرف مروان في عملية بناء التحايل والخداع.
من المهم التأكيد علي أن حرب الاستنزاف، وظهور أشرف مروان في سفارة إسرائيل بلندن، ووقف إطلاق النار، و»حائط الصواريخ»، كانت جميعها مراحل أساسية في خطط السادات، التي مهدت له الطريق أمام نجاح الأربع والعشرين ساعة الأولي في حرب يوم الغفران، وتوجيه ضربة عنيفة لإسرائيل في بداية الحرب.
الحشيش المخدر
يقول المؤلف إن وقف إطلاق النار الذي طالبت به مصر، استهدف تمكينها من إعادة الإعداد الفعلي لبنيتها التحتية من أجل خوض حرب يوم الغفران، ولم تتفهم إسرائيل أبداً حيوية وقف إطلاق النار حيال مصر، إذ لا تختلف قيمة وقف إطلاق النار بالنسبة لمصر عن قيمة »‬الهدنة الأولي» بالنسبة لإسرائيل عام 1948 كما أن معطيات التاريخ العسكري تفيد بأن الحوائط من هذا النوع تُقام من أجل الدفاع، إلا أن المصريين أقاموا حائط الصواريخ ليكون مكوناً من مكونات الهجوم، فكان له بالغ الأثر في تحييد سلاح الجو الإسرائيلي في بداية الحرب، ومنح الجنود المصريين الذين عبروا القناة غطاءاً ممتازاً مضاداً للطائرات. أما مهمة المقاول الساداتية الهادفة إلي نجاح المرحلتين الأخيرتين اللتين تحدثت عنهما، فألقيت علي الدكتور أشرف مروان، وكانت تزويد مصر بأكسجين التقاط الأنفاس من جهة، والحشيش المخدر لإصابة إسرائيل بالارتخاء من جهة أخري.
لم يكن الدكتور أشرف مروان أول مصري يعرض خدماته علي إسرائيل، وإنما سبقه عدد آخر من المصريين الذين عرضوا خدماتهم علي الموساد، ونظراً لأنه في تلك الحالات تتعاظم المخاوف من إمكانية تجنيد هؤلاء »‬المتطوعين» من قبل العدو، فكانت أفضل الطرق التي يمكن من خلالها الحكم علي جدية العرض، هي إجراء حديث مستفيض ومفصل بين المتطوع والخبير.
ويتضح أن ظهور الدكتور أشرف مروان أمام بوابات الموساد، وضع رئيس المؤسسة الاستخباراتية ورجاله أمام معضلة. فهل يعد الرجل طُعماً لإغراء إسرائيل، أم إنه يرغب بشكل حقيقي في العمل لصالح الموساد؟، وكان أول من أدلي بدلوه لحل تلك المشكلة، هو رئيس الوحدة 6 (مصر) حينئذ العقيد مئير مئير، إذ وصل إلي استنتاج »‬أنه بات علي يقين في تلك المرة بأن الوضع مختلف. كما أن طريقة الإلحاح التي دُعي للعمل بها، وضلوع رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية شخصياً في القضية، إلي جانب المعلومات التي أمد بها مروان إسرائيل، كانت جميعها مؤشرات علي أن الوضع مع مروان يختلف عن سابقيه، الذين عرضوا خدماتهم علي الموساد». بالإضافة إلي ذلك، كانت هناك عمليات تقييم أخري أفضت إلي القناعة بأن تطوع أشرف مروان لخدمة الموساد »‬يعطي فرصة غير مسبوقة لشراء مصدر مقرب بشكل غير عادي من القيادة المصرية». إذ أقنع مروان قيادة الاستخبارات الإسرائيلية بأن علاقاته الأسرية النافذة، واقترابه من الرئيس، يمكنه من الإطلاع علي معلومات ووثائق بالغة الحساسية، لا يُسمح لأي شخص آخر بالإطلاع عليها. رغم ذلك قرر الطاقم الاستخباراتي وضع مروان في اختبار يتضمن ثلاثة مسارات: اولها القناعة بأن الاستخبارات المصرية بعيدة عن التطور، إذ إن محاولاتها الرامية إلي زرع جواسيس في إسرائيل، أعطت صورة سلبية عنها. ومن خلال هذه الانطباعات عن الاستخبارات المصرية، تمكن أشرف مروان من تجاوز تلك العقبة.
المسار الثاني الذي أعطي الطاقم الاستخباراتي فيه رأيه، كان علاقة مروان الأسرية، إذ بات الاعتقاد أنه من المستحيل أن يوفد المصريون صهر الرئيس عبد الناصر، لأداء تلك المهمة بالغة الخطورة، فكان يجب علي المصريين الانتباه إلي »‬إن صراع القوي الاستخباراتية بينهم وبين إسرائيل، يضعهم في زاوية بالغة الخطورة»، فكان من الممكن أن يؤدي هذا الصراع إلي اغتيال أشرف مروان أو اعتقاله. لكن مروان تجاوز هذه العقبة هي الأخري. إذ اعتمدت الاستخبارات الإسرائيلية علي القوة، بينما اعتمدت الاستخبارات المصرية علي العقل، ولذلك يمكننا الوقوف حالياً علي أسباب هزيمة إسرائيل في حرب العقول).
أما المسار الثالث، فكان أهمية المعلومات التي أمد بها مروان إسرائيل. »‬هذا السبب هو الذي جعل فرضية الخداع غير مقبولة استناداً إلي أهمية المعلومات، التي أطلع عليها مروان الإسرائيليين خلال اللقاء الأول». ولكن لكي نكون أكثر ثقة، تقرر اتخاذ أساليب الحذر والحيطة، وتم وضع الرجل تحت المراقبة من دون معرفته، ومن وقت لآخر تم وضع مروان علي جهاز كشف الكذب. وأمام ذلك، هللت إسرائيل وابتهلت بعد حصولها علي هدية من السماء، لاسيما أن مروان اجتاز كافة اختبارات المؤسسة الاستخباراتية الصعبة، فالسادات لم يستخف حينئذ بالموساد، وكان علي يقين بأنه يخوض تحديا مع جهاز استخبارات رفيع المستوي،
اليرقات الصغيرة
ويقول »‬ميندس» أنه لم يطرأ علي فكر قادة وخبراء الاستخبارات الإسرائيلية احتمالية يشير مفادها إلي أن ظهور »‬اليرقات الصغيرة» (المصريون الذين عرضوا خدماتهم علي الموساد قبل أشرف مروان) في الاستخبارات المصرية، كان مرحلة استعداد استباقية لظهور أشرف مروان، وأنه لا يختلف عن صيغة إيفاد جواسيس سيدنا موسي لأرض كنعان، وبعبارات أخري، أشار الكاتب الإسرائيلي إلي أن خلاصة خبرته الاستخباراتية ومن خلال ما عرفه عن الثقافة المصرية، فإن »‬اليرقات الصغيرة» التي تم إيفادها للانضمام إلي الموساد، وصلت إلي هناك في مهمة جمع معلومات استخباراتية في إطار عملياتي، والمساعدة في زرع أشرف مروان نفسياً في مخ قيادات الاستخبارات الإسرائيلية المحموم.
ويلمح ميندس إلي أن أشرف مروان لم يقف أمام بوابة إسرائيل في لندن علي أنه عميل، وإنما كان سفيراً، التقي - بإيفاد من السادات - قادة آخرين إلي جانب كوادر الموساد، وكانت السيرة الذاتية التي أعدها باحثو الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بغباء عن السادات، هي نواة البنية التحتية، التي اعتمدت عليها كافة أنشطة الاستخبارات وتحليلاتها
الأهم من كل ذلك، وفقاً للكاتب، كانت »‬تقديرات المصدر»، أي، تقديرات أشرف مروان نفسه، الذي شارك في تلك اللقاءات والمحادثات، ووصفه للأجواء التي جرت فيها وشمولية تلك المعلومات وضعت أمام إسرائيل صورة بانورامية واسعة حول الطرق والوسائل التي تفكر وتخطط بها مصر من أجل شن حرب ضد إسرائيل، وكانت الرسالة المصرية المتسقة مع تلك المعلومات، هي أن مصر لا تستطيع خوض الحرب، طالما لا يتوافر لديها توازن استراتيجي مع سلاح الجو الإسرائيلي. جوهر القضية هو أن الدكتور مروان زود جهاز الاستخبارات الإسرائيلي بمعلومات مثيرة وباهرة بغرض التخدير.
وبالتطرق إلي المعلومات التي تلقتها إسرائيل من مصر، أدلي قائد الأركان الإسرائيلي حينئذ الميجور جنرال ديفيد أليعازر بشهادته حولها، فقال: »‬إننا نعيش حالة نتج عنها، أن ثقتنا في مصادرنا الجيدة، جعلتنا نعلم تفاصيل كل ما يجري في مصر». وتؤكد تلك الجملة أن قائد أركان الجيش الإسرائيلي، كان ينام قرير العين كل ليلة، وهو ما يوضح أسباب تعرض تفكيره للتخدير في تلك الأيام، ويؤكد أن خطة الخداع المصرية حققت هدفها.
ويعود المؤلف الإسرائيلي بذاكرته إلي الوراء فيقول: أتذكر أنه في تلك الأيام، قرأت تقارير حول التدريبات التي يجريها الجيش المصري، وأن كافة التدريبات التي أجرتها الفرق العسكرية المصرية فشلت عن بكرة أبيها، وفقد القادة علي مستوي الكتيبة وما فوقها السيطرة.. كانت تلك التقارير تتحدث عن وحدات الجسور المصرية، التي خضعت لتدريبات لمدة عامين، إذ خاض جنود تلك الوحدات تدريبين كل يوم علي تركيب الجسور وفكها، وكان كل ثلاثة أشخاص يقومون بمهمة واحدة، للتأكد من أن تنفيذ المهمة لن يفشل. وتلقت وحدات الجسور تدريباتها في العمق المصري، وفي ظل ظروف مشابهة لظروف قناة السويس. ويقول العقيد داني مت، وهو قائد إحدي وحدات المظليين، التي عبرت القناة (من ثغرة الدفرسوار) أنه ورجاله في الوحدة، سخروا من الجنود المصريين، حينما كانوا يتدربون علي الزوارق بطول القناة. إلا أن تلك التدريبات كانت بطبيعة الحال تضليلاً مصرياً موجهاً، آمنت من خلاله إسرائيل بأن المصريين ما زالوا يواجهون عقبة في خوض الحرب.
علف الدجاج
كل ذلك - وفقاً لميندس - كان شاهداً علي ما حدث عام 1972، أما نقطة التحول فكانت تلك التي يصفها الدكتور سمير محمود قديح، وهو باحث مصري بارز في شئون الأمن والإستراتيجية. وفي سياق مقال نشره تحت عنوان »‬من هو أشرف مروان؟» قال إن السادات أوعز إلي مروان عام 1972 بالتوقف عن تزويد الموساد بالمعلومات الحقيقية فقط، وفي تلك الآونة تغير وجه خطة الخداع المصرية، وانتقل هدفها من زاوية التخدير إلي الخداع، حيث توقف السادات عن التهديد بالحرب، وأمر مروان بخداع الموساد عبر إمداده بمعلومات حقيقية، ومعها تقارير زائفة، وهي »‬الضوضاء»، أو ما يعني بلغة الاستخبارات (علف الدجاج)، وذلك استعداداً لحرب أكتوبر 1973.
ويشير ضابط الاستخبارات الإسرائيلي في كتابه إلي أنه في ديسمبر 1972، نقل مروان تحذيراً للموساد حول حرب قريبة، لكن شيئاً لم يحدث، وفي أبريل كرر التدريب ذاته، مشيراً إلي أن الحرب ستندلع في مايو 1973، وفي تلك المرة هي الأخري لم يحدث شئ، خاصة أن إيلي زعيرا (رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في حينه) رفض هذا التقرير، وأوضح أنه طالع صوراً جوية حينئذ، ورأي أن المطارين المصريين المتقدمين تُجري في ممرات طائراتهما عمليات ترميم، إلا أن هذين المطارين كانا أكثر حيوية من غيرهما لأنشطة عملياتية قام بها سلاح الجو المصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.