«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نعمات أحمد فؤاد عطاء خصب ومتنوع لوجه الوطن لا‮ ‬غير
نشر في أخبار الحوادث يوم 08 - 10 - 2016

‮ ‬رغم أن الميديا اختصرت الدكتورة والأديبة ذات العطاء المكثف والمتنوع في معركتها الشهيرة في عقد السبعينيات حول‮ "‬هضبة الأهرام‮"‬،‮ ‬وفي حينها تصدّت الدكتورة نعمات‮ ‬،‮ ‬ليس بوصفها مفكرة مرموقة‮ ‬،‮ ‬أو أديبة معروفة‮ ‬،أو باحثة أثبتت جدارتها في كل ما خاضته من الغوص بعيدا في تراث مصر الثقافي والفكري والطبيعي‮ ‬،‮ ‬ولكن بصفتها مواطنة مصرية ذات حقوق وسيادة ومعرفة وتاريخ وثقافة وعلم ووطنية لا‮ ‬يعرفها من خانوا ومن باعوا ومن وهنت عزائمهم أمام المال الحرام‮ ‬،‮ ‬والذي أرادوا أن‮ ‬ينتزعوه في‮ ‬غفلة كارثية امتدت ومازالت ممتدة حتي الآن،‮ ‬وقفت نعمات علي رأس مجموعة من المثقفين والكتاب والقانونيين أمام كل طواغيت رأس المال المسنودين بالسلطة السياسية‮ ‬،‮ ‬وهي الأديبة والمثقفة والناقدة الأدبية‮ ‬،‮ ‬ومن المفترض أنها تتقوقع داخل تلك الصفة الأدبية والأكاديمية‮ ‬،‮ ‬ولكنها آثرت أن تمارس دورها الطبيعي‮ ‬،‮ ‬ذلك الدور الذي تناساه المثقفون في حقب عديدة‮ ‬،‮ ‬فصمتوا تماما‮ ‬،‮ ‬أو ساندوا السلطان متعدد الوجوه‮ ‬،‮ ‬وما كان من السلطة السياسية في ذلك الوقت‮ ‬،‮ ‬إلا أن تترصد تلك القامة الشامخة‮ ‬،‮ ‬وتضرب أنواعا من التجهيل والاستبعاد والتهميش‮ ‬،‮ ‬رغم أنها لم تسع إلي تصدر أي مشهد دون حق‮ ‬يذكر‮.‬
إذن فالمسألة التي تم اختصارها فيها‮ ‬،‮ ‬وهي تصديها للصوص التاريخ والآثار والمآثر الوطنية‮ ‬،كانت مسألة محدودة جدا في تاريخها المديد‮ ‬،‮ ‬وكانت تلك المهمة نتيجة استغراق المواطنة نعمات فؤاد في التعرف علي تضاريس ذلك الوطن الثقافية والطبيعية والدينية والأدبية والفنية عبر عقود عديدة‮ ‬،‮ ‬وخرجت بنتائج مذهلة‮ ‬،‮ ‬ربما كانت‮ ‬غائبة عن الحياة المصرية‮ ‬،‮ ‬وفي تلك المجالات كلها‮ ‬،‮ ‬أصدرت عدة كتب مهمة في وقت مبكر جدا‮ ‬،‮ ‬منها كتاباتها عن ام كلثوم وأحمد رامي وابراهيم عبد القادر المازني ومصطفي صادق الرافعي‮ ‬،‮ ‬والنيل في الأدب،‮ ‬والقاهرة في حياتي‮ ‬،‮ ‬والجمال والحرية والشخصية الانسانية في أدب العقاد‮ ‬،‮ ‬وغير ذلك من كتابات تصل إلي حد الاكتشافات‮.‬
وجدير بالذكر أن الراحلة الكبيرة‮ ‬،عندما كانت تتصدر لبحث ما في أدب قامة فكرية أو أدبية‮ ‬،‮ ‬تنطلق من أفق انساني واسع وعام ومعرفي شامل‮ ‬،‮ ‬ثم تثنّي ذلك الأفق الانساني بمحددات وطنية ومصرية خاصة‮ ‬،‮ ‬وفي بحث لها نشر في العدد الرابع من مجلة‮ "‬الرسالة الجديدة‮" ‬عام‮ ‬1954‮ ‬،‮ ‬وكان عنوان البحث‮ :"‬الانسانية في الأدب العربي المعاصر‮"‬،‮ ‬آثرت الباحثة‮ ‬،‮ ‬والتي كانت توقّع اسمها بصفة‮ "‬ماجستير في الأدب‮"‬،‮ ‬قبل أن تتطرق للأدب العربي‮ ‬،‮ ‬أن تتجول في حديقة الأدب العالمي‮ ‬،‮ ‬وكذلك قبل أن تتحدث عن الأدب المعاصر،‮ ‬راحت تطرق أبواب الأدب القديم‮ ‬،‮ ‬فاستهلت دراستها قائلة‮ :"‬منذ عرف الانسان الكلمة المرنمة التي انتظمت مع الزمن قصائد سمّاها شعرا‮ ‬والكلمة البليغة التي تساوقت مع حياته فمضت تصورها تصويرا سمّاه نثرا فنيا‮ ‬،والأدب مستودع سره‮ ‬،ومجلي روحه‮ ‬يبثه مكنون نفسه وخفقات قلبه وومضات وحيه‮ ‬،‮ ‬وإشراقات إلهامه‮ ‬،والأدب للانسان بمثابة مرآة صافية‮ ‬يري في صقالها نفسه الظاهرة والباطنة لا‮ ‬يضخّم المحاسن رياء‮ ‬،ولا‮ ‬يحجب العيوب زيوف‮ ‬،‮ ‬بل الحقيقة في واقعها سافرة سفور الشمس‮ ‬،‮ ‬واضحة وضوح الحق‮ ‬،‮ ‬ثابته ثبات اليقين‮".‬
ومن‮ ‬يتتبع كتابات د نعمات‮ ‬،‮ ‬سيلاحظ أن إدارة البحث عندها‮ ‬،‮ ‬لا بد أن تأتي مفعمة بنفحات شعرية أو عاطفية أو حميمية‮ ‬،‮ ‬والبحث الأدبي أو الفكري أو الثقافي_في عمومه_ عندها‮ ‬،‮ ‬لا‮ ‬يصدر عن جمود أكاديمي جامد وجاف ومعقد‮ ‬،‮ ‬ولكنه‮ ‬ينطلق من روح سابحة في الجمال المطلق والانساني والوطني‮ ‬،‮ ‬إذا صحّ‮ ‬الجمع لتلك العناصر‮.‬
وفي ذلك البحث المشار إليه سابقا‮ ‬،‮ ‬تقول في لغة أخّاذة‮ :"‬فالأدب كمعرض الرسام‮ ‬يري فيه المشاهد لوحات ناطقة للانسان‮ ‬،‮ ‬الانسان حين‮ ‬يتألم وحين‮ ‬يتأسي‮ ‬،وحين‮ ‬يصادق وحين‮ ‬يصانع وحين‮ ‬يجاري وحين‮ ‬يداري‮ ‬،‮ ‬الانسان في زهو النصر والانسان في كمد الهزيمة‮ ‬،‮ ‬والانسان في إشراق الأمل‮ ‬،‮ ‬والانسان في قتام البؤس‮ ‬،‮ ‬والانسان في لذة العمل‮ ‬،والانسان حين البأس‮ ‬،‮ ‬والانسان في محراب الصلاة،‮ ‬والانسان في نشوة الكأس‮.."‬،‮ ‬وتستطرد نعمات في اكتشاف المتناقضات والمترادفات الانسانية العامة والخاصة والمتنوعة والمكثفة‮ ‬،‮ ‬والتي‮ ‬يصل بحثها في ذلك إلي مستوي النص الإبداعي‮ ‬،‮ ‬وتظلّ‮ ‬تستطرد في كل ذلك بمثابة مقدمة شبه شعرية أو سردية بديعة،‮ ‬ثم تصل إلي مبتغاها البحثي لتتضح الرؤية مامنا واضحة وناصعة وجلية‮ ‬،‮ ‬وتكون تلك المقدمة قد أنفدت سهمها العاطفي قبل القارئ‮.‬
هذا مايحدث لي‮ ‬،‮ ‬وربما لغيري،‮ ‬لا أستطيع أن أنجو من التأثير العاطفي لكتابات د نعمات المتعددة والمتنوعة‮ ‬،‮ ‬رغم أنني قارئ محترف،‮ ‬ومن المفترض أن تكون روحي قد تدرّبت علي كل الأنواع الكتابية‮ ‬،‮ ‬ولكنني في كلّ‮ ‬مرة أقرأ فيها نعمات فؤاد‮ ‬،‮ ‬أجدني منسابا معها في اكتشافاتها وجزرها السحرية‮ ‬،‮ ‬ففي بحث طويل عنوانه‮ "‬المجتمع‮ ‬في الادب الحديث وفي الأدب الشعبي من خلال بيرم التونسي‮"‬،‮ ‬تغوص بنا نعمات في قلب التاريخ الأدبي والثقافي‮ ‬،‮ ‬وتقلّب ذلك التاريخ الثقافي والإبداعي علي كافة وجوهه الشعرية والروائية والسردية عموما‮ ‬،‮ ‬ورغم أن القارئ المحترف‮ ‬،‮ ‬والباحث‮ ‬،‮ ‬يدرك كثيرا عن تلك الإشكالية‮ ‬،‮ ‬إلا أنه‮ ‬يجد نفسه مأخوذا باكتشافات الكاتبة الكبيرة‮ ‬،‮ ‬عندما تتعرض لكتابات المويلحي وطه حسين والعقاد والمازني وتوفيق الحكيم‮ ‬،‮ ‬إنها تنشئ مقدمة عتيدة بالفعل‮ ‬،‮ ‬قبل أن تصيب مركز البحث‮ ‬،‮ ‬وهو اكتشاف‮ "‬المجتمع المصري‮" ‬في الأدب الحديث‮ ‬،‮ ‬ذلك المجتمع المتخيل‮ ‬،‮ ‬أو المجتمع اليوتوبي أو الواقعي أو الرومانسي،‮ ‬ونتبين‮ ‬أنها تنسج رؤيتها الكليّة في منظومة سلسة وصافية‮ ‬،‮ ‬وتقارن كل ذلك‮ ‬،بما كتبه الأجانب‮ ‬،‮ ‬وعلي رأسهم المستشرق الانجليزي‮ "‬ادوار وليم لين‮"‬،‮ ‬الذي كتب كتابه المهم‮ "‬المصريون المحدثون وتقاليدهم‮"‬،‮ ‬وتقول بأن المجتمع المصري الذي جاء في كتابات مصريين،‮ ‬كان أصدق وأحنّ‮ ‬وأوضح‮ ‬،‮ ‬رغم رومانسية هذا‮ ‬،‮ ‬وواقعية ذاك‮ ‬،‮ ‬وصوفية تلك‮ ‬،‮ ‬والتشنجات العصابية عند البعض‮ ‬،‮ ‬ولكن كل هؤلاء كانوا‮ ‬ينضحون مصرية‮ ‬،‮ ‬تلك ‮ ‬المصرية المتنوعة الألوان والأشكال والمفاهيم والعناصر‮ ‬،‮ ‬تلك المصرية التي تتجلي في‮ "‬أيام‮" ‬طه حسين،‮ ‬وهي بالمناسبة تعدّ‮ ‬كتاب‮ "‬الأيام‮" ‬من أهم وأجمل ماكتب طه حسين‮ ‬،‮ ‬وكذلك في‮ "‬سارة‮" ‬العقاد‮ ‬،‮ ‬وكتابه الآخر‮ "‬تلك الشجرة‮"‬،‮ ‬وفي كتاب‮ "‬يوميات نائب في الأرياف‮"‬،‮ ‬وتري أن الحكيم كان قد قفز قفزة عالمية في ذلك الكتاب السيري‮ ‬،‮ ‬ورغم أنه‮ ‬يتحدث عن أشكال التخلف التي‮ ‬يعجّ‮ ‬بها الريف المصري‮ ‬،‮ ‬إلا أنه لا‮ ‬ينطلق إلا من ذلك الحب الوطني الجارف‮ ‬،‮ ‬وتشيد‮ ‬_نعمات_ بمستوي وطريقة واستراتيجة الكتابة في ذلك النص‮ ‬،‮ ‬وهي تقول بأن الحكيم قد وصل إلي ذري تعبيرية فائقة في ذلك الكتاب‮ ‬،‮ ‬فهو لم‮ ‬يسترسل طويلا في وصف التخلف في الريف المصري‮ ‬،‮ ‬ولكنه كان‮ ‬يرسل بعض المشاهد القصيرة التي تختصر تلك المطولات التي كنا نقرأها في كتابات بعض السابقين له‮ ‬،‮ ‬مثل المويلحي وآخرين‮.‬
أنشأت نعمات تلك المقدمة قبل أن تصل بنا إلي بيرم التونسي‮ ‬،‮ ‬ولم‮ ‬يكن ذلك البحث إلا قسما من سلسلة أبحاث نشرت تباعا في مجلة الهلال عام‮ ‬1967،‮ ‬وكان ذلك قبل هزيمة‮ ‬يونيو‮ ‬،‮ ‬وكأنها كانت تشعر بأننا مقبلون علي كارثة‮ ‬،‮ ‬فراحت تبحث في أضابير وأزقة الحياة الإبداعية والثقافية المصرية‮ ‬،‮ ‬لاكتشاف هويتنا التائهة‮ ‬،‮ ‬وربما الضائعة‮ ‬،‮ ‬أو الحائرة‮ ‬،‮ ‬أو المنكوبة‮ ‬،‮ ‬لأننا كنا في تيه العروبة متعددة الوجوه من جانب،‮ ‬والمصرية المحصورة في عصور محدودة من جانب آخر‮ ‬،‮ ‬وكان فريق ثالث‮ ‬يريد أن‮ ‬يعود بمصر إلي العصور الإسلامية التي لم تستطع أن تعي وتطبق روح الإسلام‮ ‬،‮ ‬ولكنها عصور أفرطت في تطبيق قانون الحذف والسحل والتنكيل‮ ‬،‮ ‬أي أن مصر كانت في ذلك الوقت ممزقة بين فرقاء عديدين‮ ‬،‮ ‬وكانت أبحاث نعمات فؤاد العديدة والعميقة خير مرشد‮ ‬_علي الأقل_ للطريق نحو معرفة هويتنا الأصيلة،‮ ‬وكان بيرم التونسي خير من نجد فيه تلك الهوية‮ ‬،‮ ‬وفي ذلك الشأن استعرضت أشعار بيرم التي تنضح بكل ماهو انساني عام‮ ‬،‮ ‬ومصري وطني كبير‮.‬
وتلك الخصوصية التي كانت تتمتع بها المواطنة نعمات فؤاد‮ ‬،‮ ‬جعلتها قادرة علي التعامل مع كافة الأطياف الوطنية‮ ‬،‮ ‬وتتحاور معها‮ ‬،‮ ‬وتبدع في اكتشافها‮ ‬،‮ ‬فتكتب عن العقاد‮ ‬،‮ ‬وتبدع في إرشادنا إلي مواطن جمال خاص عند العقاد‮ ‬،‮ ‬رغم جهامته وجبروته‮ ‬،‮ ‬وكذلك تحاور المواطن المصري الأول‮ "‬أحمد لطفي السيد‮"‬،‮ ‬وتكتب مقالا عنه‮ ‬،‮ ‬علي هيئة حوار معه‮ ‬،‮ ‬وكان المقال عنوانه‮ "‬لطفي السيد‮ ‬يجلس علي الأرض بالردنجوت‮"‬،‮ ‬إذ ذهبت إليه ذات ميعاد معه‮ ‬،‮ ‬فوجدته‮ ‬ينتظرها‮ ‬،‮ ‬وأخبرها المحيطون به وببيته وبخلوته وقالوا لها‮ ‬كما تكتب_: الباشا عاوز‮ ‬يشوفك خالص‮ ..‬الباشا قال إنك ستحضرين اليوم‮.." ‬،‮ ‬ودخلت عليه في‮ ‬غرفته الخاصة‮ ‬،‮ ‬وعلي سريره‮ ‬،‮ ‬واكتشفت أنه هو نفسه الذي‮ ‬يجلس في مكتبه‮ ‬،‮ ‬ويجلس علي منصة المحاضر‮ ‬،‮ ‬لطفي السيد المهيب والشامخ والخطيب‮ ‬،‮ ‬وتقول‮ :"‬إن لطفي السيد‮ ‬يتمتع مع الذكاء بالإشراق واليقظة الواعية‮ ..‬إن وجهه‮ ‬يظهر من الشال ويشعّ‮ ‬منه هذا كله‮ ‬،‮ ‬إنه بحق أستاذ الجيل‮".‬
لم‮ ‬يكن ذلك‮ ‬غزلا‮ ‬،‮ ‬ولا مديحا‮ ‬،‮ ‬ولانوعا من التماهي مع شخصية شامخة تحمل تاريخا معقدا من الوطنية الخاصة_إذا صحّ‮ ‬الوصف_،‮ ‬كانت المواطنة نعمات تشتبك انسانيا وفكريا مع المواطن لطفي السيد‮ ‬،‮ ‬وتسأله أسئلة شبه بديهية وربما بدائية‮ ‬،‮ ‬من طراز‮:"‬ماالذي جذبك إلي الفلسفة‮ ‬،فقرأت لأرسطو وترجمت عنه كل هذا؟‮!‬،‮ ‬ورغم بديهية السؤال وبساطته‮ ‬،‮ ‬إلا أن انطلاقه من د نعمات‮ ‬،‮ ‬له معني اكتشافي لتلك الشخصية الوطنية الكبيرة،‮ ‬إنه حوار مثير‮ ‬،‮ ‬آمل أن‮ ‬يعاد نشره في جريدة أخبار الأدب‮ ‬،‮ ‬لجدته وجماله‮.‬
لم تكن علاقة نعمات بالاكتشافات الثقافية والأدبية الوطنية جديدة عليها كما قلنا ذلك من قبل‮ ‬،‮ ‬فهي حاولت أن تبحث عن تلك الوطنية في كل صورها‮ ‬،‮ ‬كما عددنا ذلك في كتبها‮ ‬،‮ ‬ولكن هناك الكتاب البسيط والجميل‮ ‬،‮ ‬والذي ترجمته منظمة اليونيسكو لتعميمه في العالم‮ ‬،‮ ‬هو الكتاب الذي وضعت عنوانا له‮ "‬إلي ابنتي‮"‬،‮ ‬وصدر في عقد الخمسينات‮ ‬،‮ ‬وفي هذا الكتاب تقدم نعمات‮ ‬،‮ ‬دون افتعال ولا تكلف ولا خطابة حنجورية زائفة‮ ‬دروسا في الوطنية السمحة‮ ‬،وليست الوطنية المتعصبة‮ ‬،وتقول نعمات في المقدمة‮ :"‬جرت العادة أن‮ ‬ينصح الآباء الأبناء‮ ‬،‮ ‬ولكن الأمهات‮ ‬يكتفين بالأمل المرنم في المهد‮ ‬،‮ ‬والبث الهامس في الرشاد‮ ‬،‮ ‬أما أن تكتب الأمهات أحاسيسهن وهي عميقة‮ ‬،‮ ‬ويصورن مشاعرهن وهي جمة‮ ‬غنية بالألوان‮ ‬،‮ ‬فذلك منهن قليل‮ .."‬
‮"..‬إن أدبنا العربي مثلا فيه عبارات قليلة موجزة من أم لابنتها أو ولدها ولكنها لا تعدو أن تكون إشارات تومئ ولا تحيط‮ ‬،‮ ‬إنها لا تشبع ذلك الدفق من العواطف في صدر أم‮ ..‬ومن ثمّ‮ ‬كانت حاجتي ملّحة إلي الكتابة إليك ولك‮ ‬،‮ ‬فكان هذا الكتاب‮ .."‬
وينقسم الكتاب إلي عدة أقسام تحت عناوين رئيسية‮ "‬مناجاة أم‮" ‬،‮ ‬ثم‮ "‬من تاريخ وطنك‮" ‬،‮ ‬ثمّ‮ "‬صور من الحياة‮"‬،‮ ‬ثم تقدّم وجبة ثقافية من قراءاتها حول شخصيات مثل أحمد عرابي وجمال الدين الأفغاني وعبد الله النديم ومحمد فريد‮ ‬،‮ ‬ثم تكتب عن سيدة عظيمة كانت مثالا للمرأة النموذجية‮ ‬،‮ ‬وهي مدام كوري‮ ‬،‮ ‬وتختم كتابها بفصل قصير عنوانه‮ "‬من حديث البنوة‮"‬،‮ ‬وفيه تلخّص كل ماسبق في الكتاب‮ ‬،‮ ‬ولماذا كتبت هذا الكتاب ووجهته إلي ابنتها‮ ‬،‮ ‬لأن عاطفة البنوة من أكثر العواطف إخلاصا وتجريدا ونبلا ونزاهة‮ ‬،‮ ‬وتسترشد ضمن مااسترشدت قائلة‮ :"‬حبس العادل عمر بن الخطاب‮ ‬،‮ ‬الشاعر الحطيئة لبسطه لسانه في الناس‮ ‬،‮ ‬ولم‮ ‬يقبل فيه شفاعة فما أن استعطفه ببيتيه‮ "‬
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ
زغب الحواصل لاماء ولا شجر
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة
فاغفر عليك سلام الله‮ ‬ياعمر
حتي اهتز الأمير الوالد ودمعت عيناه وأطلق أسيره للصبية برّا بهم‮".‬
هذا الكتاب البسيط والعميق والعاطفي والمكثف‮ ‬،‮ ‬يصلح في كل زمان ومكان‮ ‬،‮ ‬لأنه لا‮ ‬يتوقف عند محطة محليّة واحدة‮ ‬،‮ ‬بل إنه‮ ‬يجوب بالقارئ في سياحة فكرية وروحية وانسانية شاسعة‮.‬
ولم تكن انسانية المواطنة نعمات فؤاد تتوقف عند نيل مصر‮ ‬،‮ ‬وهضبتها وأهرامها‮ ‬،‮ ‬بل ذهبت إلي أبي القاسم الشابي‮ ‬،‮ ‬والأخطل الصغير‮ ‬،‮ ‬كما ذهبت لابراهيم ناجي في الوقت نفسه‮ ‬،‮ ‬إن الانسانية ترتفع عن الأسوار الوطنية التقليدية‮ ‬،‮ ‬فتكتب عن شاعرية الشابي‮ ‬،‮ ‬ووطنيته‮ ‬،‮ ‬وحياته‮ ‬،‮ ‬ومعني الموت والحياة في شعره‮ ‬،‮ ‬فتقول‮ :"‬الشابي‮..‬الشابي‮.. ‬ردد العالم العربي هذا الاسم كثيرا في الفترة الأخيرة قبيل ظهور ديوانه‮ ‬_أغاني الحياة_،‮ (‬كان ذلك عام‮ ‬1958‮)‬،‮ ‬في اهتمام ظاهر وتقدير ملحوظ‮ .."‬،‮ ‬وتسترسل المواطنة نعمات في سرود بحثية وعاطفية وأدبية في حياة الشاعر وقصائده ووطنيته‮ ‬،‮ ‬مستشرفة ذلك الأفق الذي كان‮ ‬يمثله الشاعر الرومانسي‮ ‬،‮ ‬وابن مدرسة أبوللو المصرية‮ ‬،‮ ‬وتكتشف كافة الصلات التي تربط بينه وبين معاناته الكبيرة‮.‬
كذلك تكتب كتابا صغيرا عن الشاعر‮ "‬الأخطل الصغير‮" ‬،‮ ‬وتكتشف من خلاله ذلك البعد العروبي الذي‮ ‬يربطه بكافة الأقطار العربية الأخري‮ ‬،‮ ‬وتتجول بنا في حديقته الشعرية الغنّاء‮ ‬،‮ ‬وقد صدر ذلك الكتاب عام‮ ‬1954‮ ‬،‮ ‬وتتوقف أمام قصائده التي‮ ‬يطرح فيها الشاعر همومه الانسانية العديدة‮ ‬،‮ ‬تلك الهموم التي لا تعرف الحواجز القومية‮ ‬،‮ ‬بل تشتبك مع الانسان أينما كان‮ ‬،‮ ‬ووقتما عاش‮ ‬،‮ ‬فتقدم بذلك قراءة مبكرة‮ ‬،‮ ‬عن شاعر لم نكن نعرف عنه في ذلك الوقت إلا القليل‮.‬
أما كتابها عن ناجي‮ ‬،‮ ‬فهو سياحة ممتعة وشائقة في حياة ناجي الانسان والشاعر والعاشق والمنبهر والمذهول‮ ‬،‮ ‬وتقول‮ :"‬لقد كتب الكاتبون قبلي عن الدكتور ابراهيم ناجي الشاعر أو الروح الحساسة الرفافة المعبرة‮ ..‬واليوم سأضيف إلي رأيهم الجميل فيه‮ ..‬رأي النقد‮".‬
ولا تتوقف المواطنة المصرية نعمات أحمد فؤاد عند قصائد ناجي فقط‮ ‬،‮ ‬بل إنها تغوص في أعماق كتاباته الشعرية والنثرية والسردية‮ ‬،‮ ‬لتقدّم لنا نوعا من القراءة البانورامية المدهشة‮.‬
لذلك كله‮ ‬،‮ ‬لا نستطيع أن نختصر المواطنة العظيمة نعمات فؤاد في محطة واحدة من حياتها‮ ‬،‮ ‬بل إن كل مراحل حياتها‮ ‬،‮ ‬عبارة عن حلقات مترابطة‮ ‬،‮ ‬لتقول لنا‮ :‬بأننا أمام سيدة ومواطنة تستحق التقدير والاحترام وإعادة نشر كل تراثها‮ ‬،‮ ‬بعدما استبعدتها قوي الشر القديمة‮ ‬،‮ ‬فنسيها الناس‮ ‬،‮ ‬ولم نتذكرها إلا عند رحيلها‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.