تتمتع محافظة أسوان بالعديد من التقاليد المميزة التي تجعلها ذات طابع فريد بين محافظات مصر المختلفة، فكثير من القبائل والعائلات الاسوانية سواء ذات الأصول العربية أو النوبية تحرص علي الحفاظ علي التقاليد الموروثة وتتناقلها عبر الأجيال.. ولعل »العيش الشمسي» يمثل واحدا من أهم أنواع الخبز التي تعبر عن التراث الاسواني، رغم أن عمليات انتاجه تتراجع بفعل مظاهر الحياة الحديثة التي باتت تزحف علي بيوت ابناء أسوان، لكن يبقي العيش الشمس محتفظا بمكانته، وتقبل عليه الكثير من العائلات،بالاضافة إلي أنواع أخري ترتبط بالاحتفالات المختلفة. وتقول الحاجة أم محمد - 70 عاماً- أن العيش الشمسي يعد سيد أنواع الخبز في أسوان وسمي بهذا الأسم لأنه يعتمد كليا علي حرارة الشمس . وتقبل عليه جميع القبائل لحسن مذاقه وفوائده المتعددة فهو ذو طعم طازج مميز وشكل مستدير مرتفع وله قيمة غذائية ساعدت أهالي اسوان علي مقاومة حرارة الشمس القاسية . وعندما تتضمن وجبة غذاء الأسرة الأسوانية ملوخية - أو ويكة ( البامية المفروكة ) -أو سبانخ خضراء ( تشبه الملوخية ) فلا بد من شراء العيش الشمسي من البسطاء الذي يقومون بخبزه وبيعه بالأسواق بعد أن تبدلت بيوت الاسوانيين بوحدات سكنية حديثة خالية من الفرن البلدي وتضيف أم محمد أن العيش الشمسي لا يكلف الأسرة كثيرا فمكوناته تتضمن دقيق القمح -ماء دافئ للعجن- وملعقة كبيرة خميرة- وملح وردة أو نخالة القمح. وتشير أم محمد إلي أن طريقة خبزه تمر بستّ مراحل تبدأ بعمل عجينة الخميرة في الليلة السابقة ليوم الخبيز حيث يتم وضع الخميرة في إناء صغير ويضاف كيلو جرام من الدقيق وكمية من الماء الدافئ ويتم العجن حتي تصبح العجينة سائلة ثم يُغطي الإناء بغطاء محكم ويُترك حتي صباح اليوم التالي. حيث يتم إضافة الدقيق والماء بالكميات المطلوبة إلي الخميرة المعدة من اليوم السابق ويتم الاستعانة بأمهر نساء البيت في العجن وإن لم توجد يتم استئجار سيدة اشتهرت بمهارتها في عملية العجين وتبدأ في عملية العجين التي تستمر لمدة ساعة تقريبا، وبعدها يتم »تقريص» أو تقطيع العجين إلي أقراص دائرية صغيرة وتوضع علي سطح مستدير كالقرص مرشوشة بالردة ثم يوضع العيش تحت أشعة الشمس لمدة لا تقل عن ساعتين حتي يختمر. ثم تتم عملية التقريص أو تجريح العيش بواسطة شوكة نخيل أو إبرة خياطة نظيفة والتجريح هو عمل خط دائري حول قرص العجين يطلق عليه »شق الرغيف» بعدها يتم وضع الخبز في الفرن البلدي ليخرج بعدها العيش طازجًا له رائحة شهية ومذاق جميل وتقول أم محمد أن الأطفال كانوا ينتظرون خروج العيش من الفرن ليأكلوه ساخنا دون غموس أوغمسه في السمن المخلوط بالسكر أو العسل . ويقول د. نادر محروس مدير مستشفي حميات أسوان أن وضع العيش في الشمس يساعد في قتل أنواع كثيرة من البكتريا التي تتواجد أثناء تخمر الخبز، وفوائد العيش الشمسي لا تقل عن فوائد العنصر الأساسي فيه وهو القمح؛ حيث إنه يجدد الدماء في الجسم ويعطيه ما يحتاجه من سعرات حرارية وفيتامينات ومعادن، ويمنع فقر الدم وينقيه وله دور فعال في تهدئة السعال والزكام ويساعد علي تنظيف المجاري البولية ويضيف أن دراسة أمريكية حديثة كشفت عن وجود عنصر طبيعي نشط في حبوب القمح الكاملة يملك القدرة علي قتل خلايا السرطان من خلال خصائصه المضادة للأكسدة والقاتلة للأورام السرطانية وهو ما لا يتوافر وجوده في المنتجات المعالجة أو المصفاة كالخبز الأبيض وأشار إلي أن هناك عددًا من الأطباء المصريين توصلوا من خلال أبحاث متعددة تم نشر بعضها، إلي القيمة الغذائية الفعلية للعيش الشمسي المصنوع من القمح الكامل إضافة إلي أننا كأطباء لا نمنع أي مريض، مهما كان نوع المرض، من تناول العيش الشمسي بل نطلب منه الاعتماد عليه والابتعاد عن أنواع العيش الأخري لما لها من تأثير سلبي علي الصحة بشكل عام.