يقول الحق سبحانه: قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، الحمد لله كما علمنا أن نحمد وصلى الله وسلم على رحمته وخاتم رسله سيدنا محمد.. وبعد توقفنا فى الحلقة السابقة من كلامنا على أواخر سورة الجن (ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عدداً) (الجن:28) ثم بدأنا بتوفيق من الله الكلام على خواطرنا حول قوله تعالي: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (المزمل: 1 و2) فالجن استمعوا لقراءة رسوله الله للقرآن وآمنوا به انه يهدى إلى الرشد وأنه غير الكتب السابقة فهو قرآن عجب، ثم يخاطب الحق سبحانه نبيه وحبيبه محمداً ليقربه إليه أكثر.. ف(يأيها المزمل) (المزمل:1) المتزمل والمتغطى والمتلفف بغطائك (قم) فربك يريدك أن تقوم من الليل متجهداً عابداً متودداً إلى من أعطاك منزلة من يستمع الجن إلى قراءته. قم أشكر نعمة الله عليك، ولاتحزن لما يواجهك من تكذيب قومك لك فراحتك فى قربك مني، قم بين يدى يذهب عنك ماتشعر به من ألم من قومك، أدّ قيام ليلك بمحبة وعشق لله سبحانه، تذق حلاوة طاعتك له. يقول الحق سبحانه (قُمْ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (المزمل: 2-4). قم نصف الليل أو انقص من النصف قليلاً إلى الثلث ، أو زد على النصف قليلاً إلى الثلثين. فخيرّة ربه بين ثلاثة مقامات: النصف، الثلث، الثلثين، يقوم بأيتهن شاء، فكان رسول الله وطائفة من المؤمنين معه يقومون على هذه المقادير ، وشق ذلك عليهم، فكان الرجل لايدرى كم صلي، وكم بقى من الليل، فكان يقوم الليل كله مخافة أن لايحفظ القدر الواجب حتى خفف الله عنهم بآخر هذه السورة. وقد سئلت عائشة رضى الله عنها: أنبئين عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل. فقالت: ألست تقرأ(يأيها المزمل) (المزمل:1) قلت: بلي، قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل فى أول هذه السورة، فقام نبى الله وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثنى عشر شهراً فى السماء حتى أنزل الله فى آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة. وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (المزمل:4). قم ليلك متعبداً راغباً فى فضل الله عز وجل وليكن زادك فى ليلك هو القرآن فرتله ترتيلاً. أى بينه بياناً وترسّل فى قراءته وتمهل وبين حروفه حرفاً واعط لكل حرف حقه بالمد والإشباع والتحقيق ، حتى أن ابن عباس كان يقول: اقرأه على هنيئتك ثلاث آيات وأربعاً وخمساً. أحضر قلبك وعقلك عند قراءتك للقرآن فى صلاتك فى تأمل وتفكر فى حقائق الآيات ومعانيها، ذكر لله وتعظيمه وذكر لوعده للمؤمنين بالجنة والثواب العظيم، وذكر لوعيده للكافرين بالنار وسوء المصير، وذكر لقصص الأنبياء والأمم السابقة للاعتبار بما حدث مع الأمم السالفة الماضية. والمقصود بالترتيل إنما هو حضور القلب عند قراءة القرآن. وقد سئل أنس بن مالك فكيف كانت قراءة رسول الله؟ فقال: كانت مداً، ثم قرأ (بسم الله الرحم الرحيم) يمد (بسم الله) ويمد (الرحمن الرحيم). والقرآن لم ينزل لمجرد قراءته فقط، لكنه نزل ليقرأ للحفظ والبقاء إلى يوم القيامة لئلا يذهب ولاينسى ، ولنتذكر ما فيه ولفهم ما أودع فيه من الأحكام، وماله على العباد من حقوق وما لبعضهم على بعض. والقرآن أيضاً نزل ليعُمل بما فيه ويتعظ ويجعلوه إماماً يتبعون أمره وينتهون عن نهيه، وهذا كله لايُدرك إلا بالتأمل وذلك عند قراءته على الترتيل. اقرأه بثؤدة وتبين حروفه ترتيلاً بليغاً بحيث يتمكن السامع من عدها، وترتيل القرآن واجب فمن لم يرتله فهو آثم كترك الإشباع مثلاً. وتدبر القرآن إنما يحدث بالترتيل، يقول تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) (محمد:24) ف (يتدبرون) و(يتفكرون) هما أم كل المعاني عليك أن تفهم آيات القرآن ويتدبرها وتتفكرها وتتفهما عن معرفة وعلم. ويقول تعالى: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) (ص:29). ثم يقول الحق سبحانه: (إِنّا سنلقي عليك قولا ثقيلا إنَ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (6) إِنَّ لَكَ فِى اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً (المزمل: 5-7). كأن الحق سبحانه كان يُعد رسول الله صلى الله عليه وسلم للمهمة الكبرى لحمل الرسالة، فأعده إعداداً ربانياً بقيام الليل والتهجد والقرب منه سبحانه، والوقوف بين يديه فى جوف الليل.. فكأن التجهد ليلاً والوقوف بين يدى الله فى هذا الوقت سيعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم القوة والطاقة اللازمة للقيام بهذه المسئولية الملقاة على عاتقه، ألا وهى مسئولية حمل المنهج وتبليغه للناس. والقول الثقيل هنا هو الوحي، والحق سبحانه لم يقل: سننزل عليك قولاً ثقيلاً، بل قال: سنلقى ، لأن كلمة سنلقى تناسب (قولاً ثقيلاً) (المزمل:5) فالإلقاء فيه قوة وشدة وصعوبة. والوحى كان كذلك، وقد كان رسول الله يتفصد جبينه عرقاً لما يحدث فى جسمه من تفاعل وعمليات كيماوية ، ثم حينما يسرى عنه تذهب عنه، هذه الأعراض. وقد أخبر بعض الصحابة وكان يجلس بجوار رسول الله والرسول صلى الله عليه وسلم يضع ركبته على ركبته، فلما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحى قال الصحابي: شعرت بركبة رسول الله وكأنها جبل. وإذا أتاه الوحى وهو على دابة كانت الدابة تئط أى تنح من ثقل الوحي، وقد قال تعالى: (إنا سنلقى عليك قولاً ثقيلاً) (المزمل:5). إذن كان النبى صلى الله عليه وسلم يتعب بعد هذا اللقاء، ويشق عليه حتى يذهب إلى السيدة خديجة رضى الله عنها يقول: زملونى زملوني. أو: دثرونى دثروني، كأن به حمى مما لاقى من لقاء الملك ومباشرة الوحى أولاً. ولأن الوحى كان قولا ثقيلاً يشق على رسول الله كان الوحى يفتر عن رسوله ليرتاح من تعبه ومشقته، فإذا ما ارتاح وذهب عنه التعب بقيت له حلاوة مانزل من الوحى فيتشوق إليه من جديد. فقال تعالى: (ألم نشرح لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك، الذى أنقض ظهرك) (الشرح : 1-3) والوزر هو الحمل الثقيل الذى كان يحمله رسول الله فى نزول الوحى عليه. فالحق سبحانه شاء أن يرفع عنه صلى الله عليه وسلم هذه المعاناة وأن يريحه مما أنقض ظهره وأتعبه، ففتر الوحى فترة عن رسول الله حتى استراحت أعصابه وهدأت طاقته وبقيت معه حلاوة ما أوحى إليه هذه الحلاوة التى جعلت رسول الله يشتاق للوحى من جديد وشوقك إلى الشيء يُنسيك التعب فى سبيله. فتور الوحى هذا وانقطاعه فترة عن رسول الله جعل المشركين يقولون: إن رب محمد قلاه. ففى الجفوة عرفوا أن لمحمد رباً يجفوه أما حين الخلوة والجلوة فقالوا: مفتر وكذاب وشاعر. فنزلت سورة الضحي، قال تعالى: (والضحي، والليل إذا سجا، ماودعك ربك وماقلي. وللآخرة خيرك لك من الأولي، ولسوف يعطيك ربك فترضي) (الضحي:1-5) ومعنى (وللآخرة خير لك من الأولي) (الضحي: 4) يعنى ستكون عودة الوحى خيراً لك من بدايته، لأنه جاءك أولاً فوق طاقتك فأجهدك أما فى الأخرى فسوف تستدعيه أنت بنفسك وتنتظره على شوق إليه، فطاقتك هذه المرة مستعدة لاستقباله، قادرة على تحمله دون تعب أو إجهاد. إذا فالحق سبحانه جعل لرسوله ماييسر له أمر الاندماج فى المستقبل، لذلك لما عاوده الوحى لم يتفصد جبينه عرقاً، ولا أجهد كالمرة الأولي، لأن طاقة الشوق عنده وطاقة الحب تغلبتا على هذا التعب وهذا الإجهاد. فقوله تعالى: (إنا سنلقى عليك قولاً ثقيلاً) (المزمل:5) تعبير عن شدة ما يوحى إلى النبى صلى الله عليه وسلم من جهة أنه يحتاج فى تبليغه وتفهيمه والعمل به إلى مجهود قوي. ومثله قوله تعالى: (إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوماً ثقيلاً) (الإنسان:27) فهو وصف ليوم القيامة باعتبار ما فيه من الشدائد والأهوال. وفى قوله تعالى: (قولاً ثقيلاً) (المزمل:5) أقوال أخرى ذكرها العلماء فهو قول ثقيل فى فروضه وأحكامه، وهو ثقيل فى الميزان يوم القيامة وهو مهيب ليس بالخفيف، ولايتعلق بسفاسف الأمور فهو كلام رصين. ثم يقول تعالى: (إن ناشئة الليل هى أشد وطئاً وأقوم قيلاً) (المزمل:6) ففى الوقت الذى ينام فيه الناس ويخلدون إلى الراحة وتتثاقل رؤوسهم عن العبادة، تقوم بين يدى ربك مناجياً متضرعاً، فتتنزل عليك الرحمات والفيوضات، فمن قام من الناس فى هذا الوقت واقتدى بك فله نصيب من هذه الرحمات وحظ من هذه الفيوضات، ومن تثاقلت رأسه عن القيام فلا حظ له. إذن فى قيامه الليل قوة إيمانية وطاقة روحية، ولما كانت مهمة الرسول فوق مهمة الخلق كان حظه من قيام الليل أزيد من حظهم فأعباء الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرة، والعبء الثقيل يحتاج الاتصال بالحق الأحد القيوم حتى يستعين بلقاء ربه على قضاء مصالحه. ف(ناشئة الليل) (المزمل:6) هى ساعاته، وكل ساعة منها ناشئة لأنها تنشأ عن التى قبلها، فكل صلاة بعد العشاء الآخرة هى ناشئة الليل. وقد تنسب الناشئة إلى قائم الليل نفسه، فهو الذى ينشيء عبادته لله الليلية، وهو ينشئها فى أية ساعة من ساعات الله شاء، فالله فى بداية السورة أعطى القائم بالليل ثلاثة اختيارات فقال تعالي: (يأيها المزمل، قم الليل إلا قليلاً. نصفه أو انقص منه قليلاً، أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً) (المزمل:1-4). فأنت تختار الساعة التى تقوم فيها لقيام الليل بين يدى الله، فى الساعة التى توافقك وتكون أكثر مواطأة لك، لذلك قال تعالي: (إن ناشئة الليل هى أشد وطئاً وأقوم قيلاً) (المزمل:6) من المواطأة فساعات الليل أكثر موافقة ومواطأة لأن تصلى وتقترب فيها من الله من ساعات النهار. فالقلب يكون أفرغ فى الليل لادراك وتأمل الآيات وتدبر معانيها، وكذلك السمع والبصر يكون أحفظ للقرآن. وقد تكون (وطئاً) بمعنى الوطأة ، كالوط، بالأقدام ، فقيام الليل أشد على البدن وأصعب، فالليل هو وقت راحة الإنسان فإن قضاه فى قيام الليل كان أشد عليه. (وأقوم قيلاً) المزمل:6) فترتيل القرآن وقراءته أصوب قراءة وأصح قولاً من النهار لهدأة الناس وسكون الأصوات، إنه خير ماتقرأه فى ليلك، وأصوب ماتخرجه فى حال الهدوء والسكون والبعد عن ملاحظة الناس، فلا أحد معك وأنت تناجى ربك ولاشيء يشغلك بعكس حالك فى النهار حيث المعاش. فعبادة الليل أشد نشاطاً وأتم إخلاصاً وأكثر بركة وأبلغ فى الثواب من عبادة النهار. هذا عن الليل، أما عن النهار فقد قال الحق سبحانه: (إن لك فى النهار سبحاً طويلاً) (المزمل:7) ففى النهار لك فرصة وتوسع وفراغ لتقضى حوائجك إقبالاً وإدباراً وذهابا ومجيئاً). وأصل السبح الجرى والدوران ، ومنه السابح فى الماء لتقلبه بيديه ورجليه، ولكن السبح ايضاً النوم والتسبح التمدد، فمعنى (إن لك فى النهار سبحا طويلاً) (المزمل:7) أى لك فراغ طويل لنومك وراحتك فاجعل ناشئة الليل لعبادتك). ومن أهم مهمات رسول الله صلى الله عليه وسلم فى نهاره تبليغ رسالته سبحانه وتعليم أمته وجهاد عدوه ، فالحق سبحانه يعد نبيه ورسوله محمداً ليتلقى القول الثقيل وينهض بالعبء الجسيم، قياماً لله فى الليل وفراغاً فى النهار لمشاغله ونشاطه. فلينقض نهارك فى هذا السبح والنشاط، ولتخلص لربك فى الليل تقوم له بالصلاة والذكر وترتيل القرآن ترتيلاً. ثم يقول الحق سبحانه: (واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً) (المزمل:8) اذكر ربك الذى شرع لك ثم وفقك وأعانك ، والحق سبحانه يقول (واذكر ربك فى نفسك تضرعاً) (الأعراف: 205). ويقول: (اذكروا الله ذكراً كثيراً) (الاحزاب:41) وهناك فارق بين (وأذكر ربك) (آل عمران: 41) و(اذكروا الله ) (الاحزاب: 41) فقوله (أذكر الله ، يستشعر سامعها التكاليف، لأن الله هو المعبود والمعبود هو المطاع فى الأوامر والنواهي. أما قوله (واذكر ربك) (آل عمران) فهو تذكير لك بما حباك به من أفضال، خلقك ورباك وأعطاك فيض نعمه مالا يُعد ولايُحصى فاذكر ربك لأنك إن لم تعشقه تكليفاً فأنت قد عشقته لأنه ممدك بالنعم، وسبحانه يتفضل علينا ويوالينا جميعاً بالنعم. وأذكره على حالين : الأول تضرعاً أى بذّلة لأنك قد تذكر واحداً بكبرياء، إنما الله الخالق المحسن يجب عليك أن تذكره بذلة عبودية لمقام الربوبية. واذكر اسم ربك خيفة أى خائفاً متضرعاً لأنك كلما ذللت له يعزك، ولذلك نجد العبودية مكروهة فى البشر وهى استعباد، والناس ينفردن ممن يستعبدهم لأن عبودية الإنسان لمساويه طغيان كبير وظلم عظيم ، فهى تعطى خير العبد للسيد، ولكن عبوديتك لله تعطى خير الله لك. وأنت عندما تكون بين يدى الله تقيم الليل، فاذكر اسم ربك بربوبيته سبحانه لك وقف أمامه خاشعاً خاضعاً متضرعاً، فأنت ترفع دعاءك للخالق المربي. فاذكر اسم ربك بالتوحيد والتعظيم والتقديس والتسبيح والاخلاص (وتبتل إليه تبتيلاً) (المزمل:8) التبتل: الانقطاع عن الدنيا ورفض الدنيا وما فيها والتماس ما عند الله، فأخلص لله إخلاصاً وتفرغ لعبادته، واقطع نفسك عن الشهوات واللذات. وأصل التبتل القطع ولذلك قيل لمريم العذراء البتول، فالتبتل الانقطاع عن كل شيء إلا من عبادة الله وطاعته. وقد يسأل سائل: نظم السياق كان يقتضى أن يقول: وتبتل إليه تبتلاً، ولكن الحق سبحانه قال (وتبتل إليه تبتيلاً) (المزمل:8) فتقدير الكلام : وبتّل نفسك إليه تبتيلاً. فكأنه لايحدث التبتيل إلا إذا حدث التبتل، فبتّل نفسك واجتهد، فكأن الأمر يحتاج إلى مجاهدة للنفس شديدة تجعلك تنقطع عن ملذات الدنيا وراحتها لتقف بين يدى الله تذكره وتعبده. ف(تبتيلاً) مصدر على غير المصدر وهو واقع موقع التبتل، فمصدر »تفعّل« (تفعُّل)، تبتل تبتلاً، مثلما نقول: تصرف تصرفاً وتكرم تكرماً، أما التفعيل فمصدر فعَّل، أى بتل تبتيلاً. وأنت لاتتبتل وتنقطع إلى الله إلا إذا كنت تعيش معنى أنه سبحانه رب السموات والأرض، مالك الملك، سبحانه. وإلى لقاء آخر - إن شاء الله.