رغم صغر سني في هذا الوقت..لكني اتذكر ما حدث.. كنت وقتها في الصف الخامس الابتدائي.. وفي الواحدة و40 دقيقة من بعد ظهر السادس من اكتوبر 1973 سكت الراديو وسيلتنا الاساسية للحصول علي المعلومات.. واذيع بيان من قواتنا المسلحة بان العدو في الساعة الواحدة والنصف قام بمهاجمة قواتنا بمنطقتي الزعفرانة والسخنة بخليج السويس بواسطة تشكيلات من قواته الجوية وكانت بعض من زوارقه البحرية تقترب من الساحل الغربي للخليج.. وان قواتنا تقوم حالياً بالتصدي للقوات المغيرة. لم افهم في هذه السن مغزي البيان.. ولكن تحول البرامج الاذاعية إلي مارشات عسكرية وقرآن اعطاني انطباعا بان هناك امرا جللا.. فقد تعودنا خلال الست سنوات السابقة علي الغارات الاسرائيلية وسماع صفارة الانذار المعلقة فوق مدرستي..والهروب إلي المخابيء او الالتصاق في صفوف بجوار حائط الدور الارضي بالمدرسة.. او الاختباء تحت الاسرة بالبيت اذا لم يسعفنا الوقت للنزول إلي الملجأ. سنوات من الرعب عاشها جيلي وهم اطفال.. ووطنية وتصميم علي استرداد الارض والعرض عاشها الجيل السابق لجيلي وهم شباب وشيوخ.. لم تتوقف البيانات العسكرية التي كان يصحبها ارتفاع الاصوات في بيتنا وبالشارع »الله اكبر».. ووجدت والدي - رحمة الله عليه - يقول لنا النصر قريب فقبل الحرب قال هنري كسينجر وزير الخارجية الامريكي في ذلك الوقت ان نصيحته للسادات ان يكون واقعيا.. فالواقع يقول انكم مهزومون.. فلا تطلبوا ما يطلبه المنتصر.. ولا بد ان تكون هناك بعض التنازلات من جانبكم حتي تستطيع امريكا ان تساعدكم..فكيف يتسني وانتم في موقف المهزوم ان تملوا شروطكم علي الطرف الاخر.. اما ان تغيروا الواقع الذي تعيشونه فيتغير بالتبعية تناولنا للحل.. واما انكم لا تستطيعون وفي هذه الحالة لا بد من ايجاد حلول تتناسب مع موقفكم غير الحلول التي تعرضونها.. واضاف والدي لقد كان قرار الحرب هو النتيجة الطبيعية للطريق المسدود الذي وصلت اليه جميع الجهود السياسية والدبلوماسية. بالطبع لم افهم من كلام ابي سوي القليل ولكني ادركته بعد ان توسعت قراءتي والتقيت مع قادة وضباط حققوا النصر .. ففي 30 سبتمبر اجتمع السادات مع مجلس الامن القومي وفي نهاية الاجتماع اجمل السادات الموقف بحتمية المعركة والانتقال من الدفاع إلي التعرض طالما استمرت اسرائيل تمارس سياستها علي اساس انها قوة لا تقهر وتفرض شروطها.. وقال: لقد دخلنا منطقة الخطر وان استمرار الوضع الحالي هو الموت المحقق..وان الامريكان يقدرون سقوط مصر خلال عامين.. ولذلك فبدون المعركة سوف تنكفئ مصر علي نفسها.. واضاف: اقتصادنا في مرحلة الصفر.. وعلينا التزامات إلي اخر السنة لن نستطيع الوفاء بها للبنوك.. وعندما تأتي سنة 1974 بعد شهرين لن يكون عندنا رغيف الخبز للمواطنين.. ولا استطيع ان اطلب من اي عربي دولارا واحدا.. فعلا اكتوبر معجزة.