ما إن يقترب شهر أكتوبر، حتي تتوجه أنظار العالم إلي السويد في ترقب ولهفة لمعرفة الفائز القادم بجائزة نوبل للآداب، التي من المنتظر الاعلان عنها في الواحدة من ظهر الخميس القادم وتتبادر إلي أذهان الجميع كل أنواع الأسئلة التي تدور حول هوية صاحب نوبل التالي. وما إن يتم إعلان الفائز حتي تتباري كافة وسائل الإعلام في كافة أنحاء العالم، وكل المهتمين بالأدب بقول رأيهم، الذي يتباين ما بين مؤيد ومعارض. وربما يتناول الحديث مسألة تسييس الجائزة مجددا، تلك التي كثيرا ما تصاحب إعلان الجائزة، وهي ليست اتهامات جائرة في كل الأحوال، وتأكد ذلك في كثير من المناسبات. هذا إلي جانب ربط أمر اختيار الفائز مباشرة مع ما تقتضيه مصالح الرأسمالية العالمية، أو أنها منحت نتيجة لضغوط كبيرة مورست علي لجنة الاختيار لتحقيق هدف ما، بعيدا عن جودة المنتج الأدبي لصاحب نوبل، تماما كما حدث في العام الماضي مع حصول البيلاروسية سفيتلانا أليكسييفيتش علي الجائزة، التي صاحب فوزها جدل كبير ربط بين حصول الكاتبة علي نوبل والصراع القائم بين روسيا وأنجلوأميريكا حول أوكرانيا، وموقف الكاتبة من القضية. ورغم اعتراف الكثيرين فيما بعد أن الكاتبة تستحق الحصول علي جائزة نوبل عن استحقاق لما قدمته من مستوي فني رفيع في أعمالها، إلا أن الجدل لن يتوقف، ولن يجيء اليوم الذي يمر فيه حصول أحد الأدباء علي نوبل دون ضجيج. ومن ناحية أخري، هناك بعض الوجاهة في الآراء التي تعارض فوز بعض الأسماء بنوبل دون غيرهم، كونهم، رغم عظمة ما يكتبون، إلا أنهم ربما ليسوا الأفضل بين المرشحين، أو ليسوا الأفضل في عصرهم علي الاطلاق، ويؤيدون ما ذهبوا إليه من خلال المرات العديدة التي تجاوزت فيها نوبل للآداب أسماء كتاب عباقرة مثل ليف تالستوي،لمويس بورخيس، جيمس جويس، ماكسيم جوركي، فيرجينيا وولف، فلاديمير نابوكوف، مارسيل بروست، أودين، تشينوا أتشيبي، كافكا، جارسيا لوركا، مارك توين. وقد كشفت الأكاديمية السويدية عن معلومات تخص الجائزة بعد مرور خمسين عاما عليها، وفق القواعد المتبعة. ذكرت المعلومات الواردة أسماء المنافسين في العام الذي شهد فوز الكاتب الروسي شولوخوف بجائزة نوبل 1965، وهم آنا أخماتوفا، قسطنطين باوستوفسكي، لويس بورخيس، صامويل بيكيت، سومرست موم، بابلو نيرودا. وبطبيعة الحال، لم يكن شولوخوف الأفضل بين هذه الأسماء. ويظل فوز وينستون تشرشل بجائزة نوبل للأدب عام 1953 من أغرب ما حدث في تاريخ جائزة نوبل، وأحد أكثر الأدلة قوة علي عدم نزاهة لجنة اختيار الفائز بجائزة نوبل للآداب، حيث اختارت ونستون تشرشل لتمنحه الجائزة عن مذكراته، وهو الخبر الذي كان بمثابة صاعقة علي رؤوس الجميع في كافة أنحاء العالم. وذكرت اللجنة أنها منحت الجائزة له نظرا "لبراعته في الوصف التاريخي والسيرة الذاتية، إضافة إلي مقدرته الخطابية الفائقة في الدفاع عن القيم الإنسانية السامية. الغريب أن العديد من الناس يتصور أن جائزة نوبل التي حصل عليها تشرشل كانت في السلام. من يفوز بنوبل؟ وعن التوقعات الخاصة بمن يفوز بنوبل هذا العام، ذكر موقع لادبروكس البريطاني الشهير قائمة بالأسماء المتوقع فوز أحدها بالجائزة، نذكر منها العشرة أسماء الأولي التي حصلت علي أعلي الأصوات، وهي علي الترتيب: 1- هاروكي موراكامي، اليابان. 2- نجوجي وا ثيونج، كينيا. 3- فيليب روث، الولاياتالمتحدةالأمريكية. 4- أدونيس، سوريا. 5- إسماعيل قدري، ألبانيا. 6- جويس كارول اوتس، الولاياتالمتحدة. 7- خافيير مارياس، أسبانيا. 8- جون فوسي، النرويج. 9- لازالو كرازناهوركي، المجر. 10- بيتر ناداس، المجر ضمت القائمة الطويلة أيضا الكاتبة المصرية نوال السعداوي، ميلان كونديرا، سلمان رشدي. يذكر إن الكاتبة البيلاروسية سفيتلانا أليكسييفيتش التي نالت الجائزة في العام الماضي كانت من ضمن الأسماء التي وردت في القائمة خلال العامين الماضيين. ورغم أن الياباني موراكامي كان نجما للتوقعات في السنوات الأخيرة، إلا أنه لم ينل الجائزة حتي كتابة هذه السطور، وهو يتصدر القائمة حتي الآن لنيل الجائزة هذا العام، ويشير العديد من المتابعين إلي أن حظوظ الياباني قائمة في اقتناص الجائزة هذا العام ربما تكون أفضل. ويسجل الألباني إسماعيل قدري في قائمة هذا العام حضورا مميزا ربما جعله من المرشحين بقوة لنيل الجايزة المرموقة. تقول أوستين الن أنه لو استعنا بالماضي في توقع الفائز بجائزة نوبل، ستذهب الجائزة إلي روائي فرانكوفوني ما بعد حداثي من الامبراطورية النمساوية المجرية. لكن لا يزال الأمريكان يتعلقون بأمل الحصول علي جائزة نوبل، التي غابت عن الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ أن فازت بها الكاتبة الأمريكية السمراء توني موريسون عام 1993، بينما آخر من حصل عليها من الكتاب المولودين في الولاياتالمتحدة جون شتاينبك عام 1963. وربما يكون التصريح الذي قاله سكرتير الأكاديمية السويدية عن الأدب الأمريكي كونه أدبا "شديد الانعزال، شديد التعصب وهذا ما يجعله ليس في الحسبان. ولا تري أوستين غير فيليب روث كمرشح مؤهل لاقتناص الجائزة بين كتاب الولاياتالمتحدةالأمريكية. ومن ناحية أخري، تري ورود اسم بوب ديلان في قائمة المرشحين غريبا جدا، ليس لأنه لا يملك ما يجعله يفوز بنوبل، لكنه لا يملك أساسا ما يجعله مؤهلا أن يكون في قائمة المرشحين. هناك عدد من الأسماء الأخري التي ربما تقفز إلي قمة القائمة في اللحظات الأخيرة، مثل نورالدين فرح من الصومال، إبراهيم الكوني من ليبيا، كيكي ديمولا من اليونان، أو أسماء أخري من أفريقيا أو شرق أوروبا. هذا ويتوقع البعض أن تمنح جائزة نوبل للآداب مناصفة لكاتبين، ونذكر أن الجائزة تم حجبها عام 1949 نظرا لأن أعضاء اللجنة اتخذوا قرارا جماعيا أن جميع الترشيحات لنيل جائزة نوبل للآداب لا تتفق مع معايير اختيار الفائز التي حددها ألفريد نوبل. ومن ثم قررت اللجنة تأجيل منح الجائزة إلي العام التالي، وقد نال ويليام فوكنر الجائزة في عام 1950. وهناك لجنة فرعية مكونة من خمس أعضاء تعمل منذ فبراير الماضي علي قراءة الأعمال ومتابعة آراء النقاد والتقييمات المختلفة لتلك الأعمال. وقد تنبأ أحد المدونين بفوز كريس وير بجائزة نوبل لعام 2016. كريس وير هو أحد رسامي الكاريكاتير الأمريكان، اشتهر بأعماله المتميزة، مثل رواية جيمي كوريجان، أذكي طفل في العالم. ربما يكون توقعا مجنونا، أو كتبه المدون لفرط اعجابه بموهبة كريس، إلا أنه يبقي توقعا ممكنا، مادامت الأكاديمية السويدية لم تعلن قرارها بعد. أوروبا أكثر فوزاً وعلي الرغم من أن الجائزة عالمية بالدرجة الأولي، إلا أن أوروبا كان لها نصيب الأسد علي الدوام في الفوز بها، ولو تأملنا توزيع الجائزة علي لغات العالم سنلاحظ علي الفور أن هناك شبه تحيز كامل للغات الأوروبية عن غيرها، يتضح من الأرقام التالية: اللغة الفرنسية 14 مرة. اللغة الألمانية 13 مرة. الانجليزية 27 مرة. الأسبانية 11 مرة. السويدية 7 مرات. الإيطالية 6 مرات. الروسية 6 مرات. البولندية 4 مرات. النورويجية 3 مرات. الدانماركية 3 مرات. اليونانية مرتان. اليابانية، مرتان. العربية مرة. البنغالية مرة. الصينية مرتان. التشيكية مرة. الفنلندية مرة. المجرية مرة. العبرية مرة. الأيسلندية مرة. البرتغالية مرة. التركية مرة. فرنسا ... نصيب الأسد ومن الملاحظات الهامة علي جائزة نوبل، أن فرنسا وحدها صاحبة نصيب الأسد في الفوز بجائزة نوبل علي مدار تاريخها، إذ فاز بها 15 كاتبا فرنسيا، ليس هذا فحسب، إنما كان الكتاب الفرنسيين أكثر الكتاب ترشحا لنيل الجائزة أكثر من غيرهم من كتاب العالم. وجاء فوز الفرنسي موديانو بجائزة نوبل عام 2014 كمفاجأة للجميع، حيث خلت قوائم الترشيح من اسمه تماما، ولم يكن يتصور أحد أنه سينال الجائزة في النهاية. وأعلنت الأكاديمية السويدية أنه نالها عن براعته في فن الذاكرة الذي مكنه من عرض المآسي الإنسانية التي يعجز الانسان عن فهمها. وقد عبر موديانو في لقاء صحفي مع صحيفة لوفيجارو أنه لا يعتبر الكتابة مصدرا للمتعة، بل أنها تمثل بالنسبة له عبئا ثقيلا، وأنه ليس من محبيها. وكانت الأكاديمية السويدية قد اتخذت قرارا منذ عام 1986 أن تزيد محاولاتها لتحقيق قدر أكبر من التوازن في منح الجائزة بين لغات العالم المختلفة. العقاد يحدد بوصلة نوبل وقد تحدث كاتبنا الكبير عباس محمود العقاد عن صاحب الجائزة ألفريد نوبل وجائزته قائلا: اسم يدوي في العالم مع دوي المفرقعات، ويدوي في العالم مرة علي الأقل كل سنة مع ِّ أصحاب الشهرة العاملين في السياسة والعلم والأدب، ووراء ذلك الدوي سيرة للرجل ظاهرة، وأخري باطنة هي التي تعنينا؛ لأننا نعرف منها صاحب الجوائز، ونعرف منها بواعث عمله الباقي الذي تناط به ذكراه: رجل وديع لطيف قضي حياته يشعر بالفراغ، ويتشاغل بالعمل الدائب عن هذا الفراغ، ولا يحس بنفسه خلوا من شواغل العمل إلا ليحس في ضميره بخيبة الأمل، ويحس في جسده بالوهن والحاجة إلي السكينة والعزلة. طلب إليه أخوه لدفيج نوبل أن َّ يكتب تاريخ حياته، فكتب إليه ما فحواه: إن له نصف حياة في الواقع، وأن هذا النصف كان حقيقيا أن يتولاه عند ولادته طبيب من محبي الخير، يكتم أنفاسه ساعة بدرت منه الصيحة الأولي علي أبواب الدنيا. وأراد بسليقته الأدبية أن يسطر ترجمته في صورة بطاقة من بطاقات الشخصية فسطرها علي الصورة التالية: ألفريد نوبل: نصف إنسان man-Demi ْ ضئيل، كان ينبغي أن يتاح له طبيب ً طيب يقضي عليه يوم قدم صارخا إلي دنياه. مزاياه: ْ ينظف أظافره، ولا يحب أن يثقل علي أحد. نقائصه وأخطاؤه: بغير أسرة، كئيب، سيئ الهضم. أهم رغباته: ورغبته الوحيدة ألا يدفن بقيد الحياة. خطاياه: لا يعبد إله »المامون»! حوادث حياته الهامة: لا شيء. بطاقة حزينة، فيها مسحة ساخرة، لا يخطر لأحد من المطلعين علي حياة الرجل من أهله وصحبه أنه كان مدعيًا فيها للتواضع، أو متكلفًا للظهور بمظهر الترفع عن الشهرة َّوبعد الصيت ... وإن الناس اليوم وقبل اليوم ليعجبون كيف تخلو حياته من شيء هام يذكره في «بطاقته الشخصية»! وكيف تكون أمنيته الوحيدة في الحياة أن يدفن بعد الموت ولا يدفن بقيد الحياة! وحبذا لو لم يكن دخلها ولم يعرف ما يتمناه فيها وما يحذره منها منذ اللحظة الأولي. والعجب من هذا حق، ولكنه يزول كلما رجعنا إلي أنفسنا، ولمسنا الفارق في أعمالنا بين ما يهمنا وما يهم الناس فيها، فقد تكون الجوهرة الغالية حلية يتنافس عليها الذين يشترونها، والذين يلبسونها، والذين ينظرون إليها، ولكنها عند الذي يصقلها ويعدها للتنافس عليها: إنما هي تعب الليل والنهار، وعمل من أعمال الحاجة والاضطرار. وقد كان ألفريد نوبل يعيش حقّا في فراغ أليم: بينه وبين وجدانه، وبينه وبني أقرب ْ الناس إليه، وكان هذا الفراغ الأليم هو «أهم شيء» في حياته، إن ْ أردنا أن نعرف الباعث له إلي خلق الاهتمام، وإلي خلق الاهتمام في إبان الحياة، وهو خير عنده من الاهتمام بالذكريات وبالآثار بعد زوال الحياة. َّ وإن هذا الفراغ الذي أضجره علي عيشته، وأسخطه علي الواقع الملموس في دنياه لعجيب عند من ينظرون إلي شهرة الرجل، ويسمعون بأعماله ومخترعاته، ويعرفون شيئًا عن ثرائه ووفرة أرباحه من مصانعه التي انتشرت بين عواصم الغرب وهو في عنفوان شبابه،ولكنه فراغ لا يعجب له من يعلم أنه قضي عمره منذ طفولته دون العاشرة، ولم يمتلئ فؤاده قط من شعور الوطن ولا شعور السكن، ولا شعور الحب والثقة بإنسان من عشرائه وشركائه، ولا بمبدأ من المبادئ التي كانت تروج دعواها بين الناس في زمانه، وهو أعلم من سواه بحقائق هذه الدعوي وراء الستار. فقد فارق وطنه في طفولته؛ ليلحق بأبيه في عاصمة روسيا التي اختارها مركزا ً لتجربة مشروعاته ومخترعاته، ثم قضي سائر عمره إلي يوم وفاته متنقلا بين روسياوأمريكا وإنجلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وعواصم الدول، أو ضواحي النزهة والاستشفاء، وأتقن في رحلاته هذه ثلاث لغات غير لغته الأصلية، وهي الإنجليزية والفرنسية والألمانية، ً ولكنه كان في «حياته اللغوية» مثالا للغربة والانقطاع عن وشائج الفكر في أعماق النفس البشرية، وقد ظهر ذلك من إخفاقه في محاولاته الأدبية، فكان ينظم الشعر بالإنجليزية، فيجيد غاية الإجادة التي يملكها الناظم الغريب عن اللسان والبيئة، ثم يعود إلي لغة الأم كما يقال أحيانًا عن لغة الوطن فإذا هو غريب عنها يحاول أن يودعها سرائر وجدانه، فكأنه ينقلها من لسان إلي لسان، ومن بديهة إلي بديهة؛ وكأنه في هذه المحاولة ً يوسط أحدا بينه وبين نفسه قبل أن يوسط الترجمان بينه وبين القراء. وشعر السري العاملي بالحاجة إلي طمأنينة السكن: إلي «البيت» الذي يأوي إليه الأب والابن والقرين والقريب، ولا تفلح في بنائه الأموال والأمتعة إن لم تتوطد له أركانه الأربعة بين حنايا الصدور. ْ وكان يتمني أن يسلم هذا البيت إلي الفتاة التي يهواها، ولكنه فقدها في إبان صباها، ثم أوفي علي السن التي ينظر فيها إلي تقرير مصرية «البيتي» قبل فوات أوان التفكير فيه، وتوافقه في مزاجه، وتوافقه في ْ هذا المصير، وأوشك أن ِ يجد ربة البيت التي توافقه في سنِّ عمله، فعملت عنده النبيلة «برتا كنسكي» النموسوية كاتبة لرسائله ومديرة لبيته، وكانت في الثالثة والثلاثين وهو في الثالثة والأربعين، فلما أحس ذات يوم أنه يحبها ويرتضيها ْ قرينة لحياته لم يشأ أن ْ يستغل حاجتها إليه وأن ْ يفاتحها بهواه قبل أن يتبني جوابها المنتظر لما سيعرضه عليها في غير حرج ولا اضطرار إلي المواربة، فسألها: أهي طليقة القلب؟ ولم يكن جوابها إلي اليأس ولا إلي الأمل؛ لأنه علم منها أنها أحبت فتي من نبلاء بلادها، وأحبها الفتي فنهاه أهله عن الاقتران بها؛ لفقرها وتفاوت السن بينه وبينها، وأنها ْ هجرت وطنها لتنسي، ولعلها وشيكة أن تنسي ... ولكنه ذهب في رحلة من رحلاته فكتبت إليه في غيبته تستودعه وتعتذر إليه من سفرها قبل عودته، ثم علم أنها استجابت لدعوة ْ عاجلة من فتاها، وأنه تمرد علي مشيئة أسرته فتزوج بها وأرجأ إعلان الزواج إلي أن يقنع الأسرة بقبوله ْ وقضي علي السري العاملي مرة أخري أن يأوي إلي العالم كله، ولا يأوي إلي بيت. وقد ربح ألفريد نوبل منذ شبابه ثروة عريضة من مخترعاته ومقاولاته، وربح في كهولته ثروة أعرض منها وأوسع انتشارا بني حواضر العالم وعواصم الدول ومراكز الحياة الاجتماعية، فلم تعطه الثروة العريضة في شبابه وكهولته تلك الثقة التي يفتقر إليها ويود أن يطمئن إلي ركن من أركانها؛ لأنه كسب الثروة من صناعة «المتفجرات»، وهي يومئذ تنوء بأوزار قضية التسليح وقضية السلام، وتتجسم بين أيدي العاملين فيها فضائح الرياء والسمسرة والرشوة ومكائد الجاسوسية. ومن سخرية الحظ أن ثروة نوبل جلبت له شيئًا مذكورا من ألقاب الدول التي جري العرب علي تسميتها بألقاب الثقة والتقدير، أو ألقاب الجدارة والاستحقاق؛ فزادته شكا ولم تزده ثقة، ونقل عنه أنه كان يقول: إنه مدين لألقابه من حكومات الشمال لبراعة طباخه، وللمعدات الأرستقراطية التي كانت تقدر براعة ذلك الطباخ، وأنه مدين بألقابه الفرنسية لصداقة أحد الوزراء، وبألقابه من أمريكاالجنوبية لزيارة هذا الرئيس، أو لولع ذلك الرئيس بتمثيل أدوار التشريف والإنعام. وهكذا تكشف لنا هذه الصفحة الباطنة عن رجل وديع، لطيف المزاج، بحث عن الطمأنينة والثقة فلم يجدها في حياته، فتعزي بالعمل لتحقيق الطمأنينة والثقة بعد مماته، وحرص علي تقدير العاملين لهما وشعورهم بهذا التقدير وهم بقيد الحياة، وما العمل لتحقيق الطمأنينة والثقة إلا العمل بعبارة أخري لتحقيق السلام والإيمان بالمثل الأعلي؛ مناط الثقة التي لا يدركها المشغولون بالواقع المحدود، ويزيده كلفًا بهذه الغاية أنه اخترع شيئا يصلح للتعمير في نطاقه الواسع، فلم يلبث أن رآه بين أيدي الناس سلاحا من أسلحة الحرب والدمار، فهو يرصد المال الذي ربحه من هذه الصناعة؛ للتكفير َ عن سوء أثرها في أيدي ساسِة الأمم وزبانية الحروب، وما كان له من باب للتكفير غير هذا الباب إلا إلغاء ما صنع، ومحو ما اخترع، وليس ذلك بالنافع ولا بالمستطاع. أما سيرته الظاهرة فقد أصاب حين قال: إنها لا تشتمل علي حدث ذي بال، فإن ْ »المتفجرات» لها دويها الذي يزعج الأسماع، ولكنها عند من يخترعها لا تعدو أن تكون سلسلة من الأرقام والمعادلات، وتجارب المحاولة والتنفيذ. ْ اضطرت الحياة أباه عمانويل نوبل أن يعمل وهو يقارب الرابعة عشرة، ثم أصابه نحس الطالع فاحترق بيته الذي اقتناه، وصفرت يده من المال والصفقة، فغادر ستوكهلم سنة 1837 إلي العاصمة الروسية، وألفريد صاحب الجوائز يومذاك في الرابعة من عمره، وبقيت ربة الأسرة في أرض الوطن مع أطفالها الصغار وهم ثلاثة أبناء مضطلعة وحدها بتربيتهم وتدبير معيشتهم في غيبة أبيهم، وفي انتظار الفرج من تلك المغامرة في البلد المجهول. ووصل ألفريد إلي بطرسبرج وهو دون العاشرة، لم يختلف قبلها إلي مدرسة من مدارس التعليم المنتظم غير بضعة شهور، فعوض هذا النقص بالدروس التي كان يتلقاها ً علي أستاذه الخاص في داره، ثم انقطعت هذه الدروس أيضا وهو في السادسة عشرة، فتعلم باجتهاده وفطنته كل ما وعاه من تلك المعارف التي أعانته علي الاختراع والإدارة، ُ وتحصيل ما حصل من ثقافة جعلته ندا مشهودا له بالفضل بين أصحابه وعشرائه من نخبة العظماء. وتحل بالأسرة كارثة جديدة تذهب بمصنع ألفريد وأخيه الصغير إميل (1864)، ولم يفق أبوه من جرائرها حتي قضي نحبه سنة 1872،ونهض ألفريد بالعبء كله في تجديد المصنع، والإشراف علي معاملاته ومعاملات أسرته بين الأقطار التي زارها، وتعرف إلي أقطاب الأعمال فيها أثناء رحلاته أيام الطلب والاستطلاع. ويتكشف معدن الرجل من قدرته علي توسيع أعماله والنهوض من كبواته مع سوء ظنه بالناس عامة وبأقرب المقربين إليه بعد تجربتهم في أيام سعده ونحوسه، ومفاجآت رواجه وكساده. وأدل من ذلك علي معدن هذه النفس القوية أنها احتفظت بقوتها بين متاعب القلب والجسد، متاعب القلب حرفًا ومعنًي؛ لأنه كان مصابًا بالذبحة الصدرية، ومتاعب الجسد ِ من فرط الجهد ومن سوء الغذاء، أو من قلة هذا الغذاء الصالح الذي كانت تسمح به معدته الواهية. وفي سان ريمو بإيطاليا في العاشر من شهر ديسمبر سنة 1896تُوفي ألفريد نوبل، ْ بعد أن حقق مبادئه، فلم يحفل بنصيب الآحاد من ميراثه كما حفل بنصيب الجماعات، ومنه نصيب خدامها في ميادين الصناعة والصحة والأخلاق. وأعلنت وصيته بعد أيام من موته، ولكنها لم توضع موضع التنفيذ إلا بعد انقضاء أربع سنوات، وكان هذا التأخير من الأمور المنتظرة؛ لأنها تتطلب إجراءات شتي: قانونية وعملية، يتبعها وكلاء التنفيذ بغير إرشاد من صاحب الوصية، ولا سابقة من وصية قبلها، يهتدون بها، ويعملون علي مثالها. وبدأت اللجنة جوائزها الأدبية منذ السنة الأولي في القرن العشرين، وكان أول المختارين ً لها الشاعر المفكر الفيلسوف «ينيه سولي برودوم» عضو الأكاديمية الفرنسية؛ «تقديرا لتفوقه في الأدب، ولا سيما الشعر الذي يتسم بالروح المثالية السامية والإتقان الفني والتوفيق النادر بين الضمير والعبقرية.» وقدم كاتبنا الكبير عباس محمود العقاد تأملاته ورؤيته في مدي نزاهة لجنة نوبل ومعايير اختيارها للكاتب الأفضل كل عام بقوله: وليس الكلام علي جائزة «نوبل» بالشيء الجديد ... فقد كثر الكلام في كل عام علي تاريخها، وتاريخ صاحبها، وتواريخ الفائزين بجوائزها، كما كثر التعليق علي اختيارها ْ بين الموافقة والمخالفة، وبين الاستحسان والإنكار، ولنا أن نقول: بل بين التبرئة والاتهام. ْ ولكننا نحب أن نختار للكلام عليها بابًا من التعليق والتعريف: بابًا غير مطروق، أو بابًا لم يطرقه الطراق من قبل حتي لا مفتتح فيه للعودة إليه، حينًا بعد حين. إن أحكام لجنة الجائزة السويدية ميزان لثمرات القرائح والأذواق. ْوتعليقا علي أحكامها في هذه الصفحات هو «وزن الميزان» إذا شئنا أن نجمعه في كلمتين. ما معيار هذا الميزان؟ ما مبلغه من الدقة؟ ما مبلغه من الصواب؟ ما هو مبلغ التعويل عليه من ناحية الكفاية العلمية أو كفاية المعرفة والدراية؟ هل هو مثل علي ما لا تبلغه الجوائز العالمية من الصواب والإنصاف؟ أو هناك فوق هذا مثل أعلي منه وأقرب إلي التقدير الصحيح؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة بالآراء النظرية شرح يطول. ولكن المقارنة العلمية أقرب من ذلك إلي التَّفاهم المتفق عليه، وسبيل المقارنة العلمية هو الموازنة بين أسماء معلومة معروفة القدر عند الجميع من المستحقين للجائزة، وممن لهم من أصحاب الشهرة العاملية التي تمحصت مع الزمن، وتساوت فيها الموازين بغير خلاف كبير. ولنقابل إذن بين عشرة من الذين استحقوا الجائزة وعشرة من الذين لم يستحقوها، وليكونوا جميعا من الأدباء العالميين الذين اشتهروا منذ قيام اللجنة السويدية بأعمالها؛ أي منذ أوائل هذا القرن العشرين. أما العشرة الذين نذكرهم بغير ترتيب أو مفاضلة فهم: «كاردوتشي، كيلنح، رومان رولان، جالزورتي، تاجور، أناتول فرانس، برناردشو، برجسون، أندريه جيد، همنجواي.» هؤلاء هم العشرة الفائزون. أما غير الفائزين فهم كذلك بغير ترتيب ولا مفاضلة: أميل زولا، بول يورجيه، ليون تولستوي، توماس هاردي، محمد إقبال، نقولا كزانزاكس، بلاسكو أباتري، أميل فاجيه، بنديتو كروشه، روبرت فروست. ويلوح لنا هنا معيار المقارنة الواقعية لأول وهلة؛ لأن سماع الأسماء كاف للموازنة المتفقة بين الأحكام والأقدار. فمما لا شك فيه أن المتروكين علي الجملة لا ينتقصون في معيار من معايير الشهرة والاستحقاق عن الفائزين، ويجوز عند الكثيرين أن يكون المتروكون علي الجملة أرجح في ميزان الشهرة والاستحقاق من جملة الفائزين. وإذا جاز الخلاف في هذه الموازنة فهناك أسماء أخري من الذين فازوا بالجائزة، لا يختلف اثنان في تقديرهم عند المقارنة بينهم وبين من ذكرناهم من الفائزين أو المتروكين. وهذه عشرة أسماء، نذكرها كذلك بغير ترتيب ولا مفاضلة، وهم: يونتوييدان الدنمركي، وسيلانيا الفنلندي، ولالنس الأيسلاندي، وأسكندر يوتين الروسي، وسلفانور كواسمورو الإيطالي، وهيد نستام السويدي، وجون بريس الفرنسي، وإيفواندريش اليوغسلافي، وايشيجاري الإسباني، وبول هيس الأملاني. فلا محل للتردد الطويل في حقيقة يجزم بها كل من يستمع إلي هذه الأسماء من المطلعين علي أسماء الأدباء العالميين الذين توطدت لهم أركان الشهرة علي مر الزمن: إن هؤلاء الفائزين لم يرتفعوا إلي مكانة المتروكين بتقدير الصيت الذائع ولا بتقدير النبوغ المتفق عليه. َّ ولا محل بعد ذلك للتردد في حقيقة مثلها لا بد ْ أن تترتب عليها؛ وهي أن جائزة نوبل ليست شهادة محققة برجحان من ينالها علي من تتخطاه، وإن كثيرين ممن لم ً ينالوها أرجح قدر ًا، وأثبت فضلا ً ، وأشيع ذكرا من الفائزين بها، فما معني هذا التفاوت ِّ البين في أحكام اللجنة؟ هل معناه أنه خطأ راجع إلي المحاباة وتحكم الأهواء؟ هل معناه أنه خطأ، ولكن لا يرجع إلي المحاباة بل إلي نقص في موازين النقد والتمييز؟ هل معناه أنه علامة علي القصور في كفاية اللجنة لأداء مهمتها؟ أيصح أن تكون لجنةٌ أخري أقدر منها علي النهوض بهذه المهمة العالمية؟ ظاهر الأمر أن ِّ هذه الظنون نتيجة لازمة لذلك التفاوت البين في أحكام اللجنة وتقديراتها. ِومهما يكن من مقطع اليقين في هذه الظنون فالمسلم به، في غير تردد، أن لجنة نوبل ليست بالمعصومة من عوارض المحاباة والخطأ ولا من النقص في معايير النقد والتمييز، ولكنه حكم لا تنفرد به اللجنة السويدية وحدها ولا تسلم منه، علي عمومه جماعة من بني الإنسان في كل زمان وفي كل مكان. فإذا حسبنا للَّجنة قسمتها من الضعف الإنساني الذي لا محيد عنه، فمن الإجحاف ْ بها أن تُحال عيوب التفاوت في الأحكام كلها إلي اختيارها، وأن تُلقي التبعة كلها عليها في ترجيح المجروحين وتطفيف ميزان الراجحين ... فإن هناك ظروفًا كثيرة من طبيعة العمل في ذاته تعفي اللجنة من تبعات التفاوت في الحكم، وتجعل هذا التفاوت في بعض أحواله ضربة لا حيلة لها ولا لغيرها من لجان التحكيم فيها. أول هذه الظروف أن اللجنة مقيدة بشرط مقدم علي سائر الشروط في الكتابة التي تستحق الجائزة؛ وهو خدمة السلام والاتجاه بالكتابة إلي وجهة المثل الأعلي. وسبب هذا الشرط كما هو معلوم أن مؤسس الجوائز «ألفريد نوبل» كان من مخترعي صناعة الديناميت، وكان يشفق من استخدام هذه المادة المهلكة في أعمال التسليح، فوقف من ماله حصة كبيرة لاستغلالها في الأغراض السلمية، والإنفاق من أرباحها علي هذه الجوائز لمن يستحقونها في خدمة السلام وتحقيق آمال الإنسانية، بين الممتازين من الأدباء والعلماء وأقطاب السياسة. ْ ولا يندر علي هذا الاعتبار أن ينال الجائزة كاتب متوسط يتوافر له هذا الشرط، ويُحرمها كاتب أقدر منه وأوسع شهرة في زمانه، ولكنه متشائم أو منصرف إلي الهدم وإثارة الخصومات في مقاصد الفتح والاستعمار. مسألة أخري تحسب من قيود اللجنة التي تضطرها إلي التفاوت في أحكامها؛ وهي أنها تعطي جوائزها لمن يستحقونها في عشرات السنين، ولا تقصرها علي سنة واحدة فلا يندر في هذه الحالة أيضا أن يظفر بها من هو أقدر منه وأوفي نصيبًا من الشهرة العالمية لأنه لم يبلغ مكانته إلا بعد سنوات. وسبب غير هذا من دواعي التفاوت في أحكام اللجنة، وهو أنها في الواقع لجان عدة، وليست بلجنة واحدة في تكوين أعضائها، فإن الذين يحكمون اليوم في الجوائز غير الذين كانوا يحكمون فيها قبل خمسين سنة ... ومن هنا يأتي الاختلاف لا محالة في الأذواق والأفكار. َّ ومن أهم أسباب التفاوت في الأحكام أن اللجنة مرتبطة بالحكومة في دولتها؛ لأن جوائزها تصدر من هيئات رسمية، وتوزع في محافل يشهدها رؤساء الدول؛ فمن العسير علي اللجنة أن تتجاهل مواطن الحرج السياسي في علاقة الدولة بسائر الدول الكبري والصغري، وبخاصة في مسألة السلام، أو مسألة التمييز بين من يخدمه ومن يجني عليه. وشبيه بذلك موقف اللجنة في توزيع الجوائز بين الأمم، فربما تعمدت أن تتخطي أديبًا كبيراًْ في أمة كثر فيها المستحقون للجائزة، وتعمدت أن توجهها إلي من هو دونه في ً أمة أخري، حذرا من مظنَّة المحاباة. نوبل عن عمل واحد بينما تمنح جائزة نوبل للآداب للكاتب عن مجمل منجزه الأدبي، إلا أن الجائزة تجاوزت هذه القاعدة في تسع مناسبات: ميخائيل شولوخوف عام 1965، رواية الدون الهاديء. ارنست هيمينجواي، عام 1954، العجوز والبحر. روجر مارتان دو جار، 1937، رواية آل تيبو. جون جالسورثي عام 1932، رواية بطولة فورسايت. توماس مان عام 1924، رواية آل بودنبروك. ولاديسلو ريمونت عام 1924، رواية الفلاحون. كنوت هامسون عام 1920، رواية النماء والأرض. كارل سبيتيلر عام 1919، ربيع الأوليمب. ثيودور مومسين عام 1902، تاريخ روما أصغر فائز بجائزة نوبل للآداب! روديارد كبلنج .... يعد أصغر من فاز بجائزة نوبل للآداب حيث حصل عليها عمر ناهز 42 عاما فقط. ولد كبلنج يوم 30 ديسمبر عام 1865م، في الهند البريطانية، من أهم أعماله كتاب الأدغال الذي صدر عام 1894م، وقصة كيم عام 1901. له العديد من القصائد أيضا. برع كبلنج في السرد وهو أحد فرسان الأدب الانجليزي علي الاطلاق. قال عنه هنري جيمس: بهرني كبلينج بعبقريته المتدفقة التي لا مثيل لها. ونعته جورج أوريل بنبي الإمبراطورية البريطانية غير أنه عبر في وقت لاحق عن احترامه البالغ لكبلينج ولأعماله. نال الكاتب جائزة نوبل في الأدب سنة 1907 وبذلك يكون هو أصغر حائز علي جائزة نوبل، وأول كاتب باللغة الإنجليزية يحصل عليها. جائزة نوبل والكاتبات خلال تاريخ نوبل الطويل، الذي يمتد منذ عام 1901 حتي اليوم، لم تفز بجائزة نوبل من الكاتبات سوي أربع عشرة كاتبة، أخرهن الكاتبة البيلاروسية سفيتلانا أليكسييفيتش في العالم الماضي، سبقتها أليس مونرو بعامين. ولا شك أن هذا الحضور القليل للكاتبات في قائمة الحاصلين علي جائزة نوبل للفت للغاية، وإن كان هذا الحضور يشهد تطورا ملحوظا في العقود الأخيرة. وقد كانت الكاتبة السويدية سيلما أوتيليا أول من فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1909. وقد تلقت الكاتبة السويدية دعما كبيرا من العائلة الملكية والأكاديمية السويدية حتي تتمكن من التفرغ الكامل للكتابة، وتترك العمل بمهنة التدريس. واشتهرت الكاتبة التي ولدت عام 1858 برواياتها التاريخية وكتاب للأطفال نالت عنه الكثير من الشهرة. أما ثاني الكاتبات التي نالت الجائزة الرفيعة فكانت الكاتبة الإيطالية جرازيا ديليدا عام 1926. تتميز كتابات ديليدا بالإيمان والورع بأسلوب غلب عليه الطابع الواقعي، بمقدرة كبيرة علي رسم مشاهد من الطبيعة، بينما برعت في صنع شخصيات واقعية وتتبعت استجاباتها للأزمات الأخلاقية. أما عام 1928، فقد نالت الجائزة الكاتبة النرويجية سيجريد أوندسيت، التي كانت كسابقتها تكتب الرواية الدينية والتاريخية. وقد فرت الكاتبة من قبضة النازيين لتقيم مؤقتا في الولاياتالمتحدةالأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية. وأحرزت الكاتبة الأمريكية بيرل باك جائزة نوبل عام 1938. ولدت الكاتبة في ولاية فيرجينيا لكنها انتقلت للعيش في الصين. لفتت كتاباتها الأنظار في كافة أنحاء العالم، وكانت روايتها «الأرض الطيبة» قصة واقعية رائعة للحياة في الصين تحت الحكم الامبراطوري. وقد نالت جائزة البوليتزر عن هذه الرواية التي كانت الأكثر مبيعا في وقتها. وفي عام 1945، نالت جابريل ميسترال التشيلية جائزة نوبل، لتصبح الأولي من أمريكاالجنوبية التي تنال الجائزة الرفيعة. يقال إن هذا ليس اسمها الحقيقي، لكنه اسم مستعار، واسمها الحقيقي هو لوسيلا جودوي. ظلت الكاتبة تدافع عن حقوق الإنسان، الديمقراطية، الفقراء، الأطفال، وحقوق المرأة طيلة حياتها. مثلت كتاباتها صعودا إلي عالم الروح والمشاعر، بعيدا عن الكتابات الحداثية لمعاصريها. أما الألمانية نيللي ساتشيز، فقد حصلت علي الجائزة عام 1966. هربت الكاتبة، التي ولدت في برلين عام 1891 من الحكم النازي إلي السويد عام 1940. نالت كتاباتها التي تتناول العناء اليهودي استحسان القراء والمتابعين، وبدأت صيتها في الذيوع عندما اقتربت من عامها الخمسين. قضت بعض الوقت في مستشفي للأمراض النفسية، لكنها واصلت الكتابة هناك. تحركت جائزة نوبل عام 1991 نحو أفريقيا، لتمنح للكاتبة الجنوب أفريقية نادين جورديمر التي ولدت في جنوب أفريقيا. وقد وصفت كتابتها أنها كتابة رائعة مفعمة بالحيوية، مهمومة بناسها وبلدها، أحلامهم، آمالهم، وتعقيداتهم. وبعد عامين، حصلت الكاتبة الأمريكية السمراء توني موريسون علي الجائزة، لتصبح أول كاتبة سمراء تحصد الجائزة في التاريخ. ولم تكن جائزة نوبل هي الوحيدة التي حققتها الكاتبة المتميزة، انما سبق لها احراز العديد من الجوائز الأخري مثل بوليتزر. كانت الكاتبة مغرمة بكتابات تالستوي، دستيفسكي، جين أوستين. تميزت كتاباتها بشعرية مرهفة في وصف السمر في أمريكا، إضافة إلي قدرتها المتميزة في فن الحوار. وفي عام 2004، حققت فسوافا شيمبورسكا البولندية المولودة عام 1923 جائزة نوبل في الآداب. ترجم شعرها إلي حوالي ست عشرة لغة. كانت الشاعرة مهمومة بفترة ما بعد الحرب والأثر الكبير الذي تركته علي الحياة اليومية. أما الكاتبة المسرحية والروائية النمساوية الفريدي جيلينيك، فقد حققت الجائزة عام 2004. تناولت الكاتبة في أعمالها البنية الأبوية للمجتمع النمساوي، مستخدمة نوعا من النثر التجريبي الذي يعكس العنف الجنسي علي نحو مفصل، انقسم حوله النقاد، لكن الجميع يري في شعرها جمالا وحيوية. أما الكاتبة البريطانية دوريس ليسينج، فقد صعدت لمنصة التتويج عام 2007. ونظرا لطفولتها المضطربة، تعلمت الكاتبة تعليما ذاتيا. توثق كتاباتها وتتحدي التجربة النسوية، إضافة إلي صراعها مع هوية الفرد. كتبت ما يقرب من خمسين كتابا، بينها روايات، قصص قصيرة، مسرحيات، وكتابات غير خيالية. تميزت كتاباتها بتمحورها حول الأخلاق والتواصل مع المجتمع. وقد نجحت في تجسيد صورة المرأة ودورها خلال القرن العشرين. وبعد ليسينج، نالت هرتا مولر الجائزة عام 2009. عملت الكاتبة في شبابها مترجمة بأحد المصانع قبل محاولة تجنيدها للعمل مع البوليس السري الروماني. كان رفضها يعني خسارة مصدر رزقها ودفعها نحو العمل بالكتابة. تعكس كتاباتها القمع الوحشي تحت حكم الديكتاتورية الشيوعية. وقد واجهت العديد من التهديدات، الانتقادات العنيفة، الحرمان من النشر من قبل السلطة. وبعد مرور أربع سنوات فقط علي فوز هرتا مولر بجائزة نوبل، أعلنت الأكاديمية السويدية عن فوز الكاتبة الكندية أليس مونرو بجائزة نوبل للآداب عام 2013. بدأت الكاتبة بكتابة القصة القصيرة في مرحلة المراهقة. سرعان ما اكتشفت طريقها نحو كتابة الرواية. ومثلت المرحلة الأولي التي كتبت فيها القصص مرحلة التجريب التي قادتها نحو آفاق أرحب، ووفرت لها رؤية أفضل للغة والشكل المناسب لها في كتاباتها التالية. تميزت كتاباتها بالتناول الدقيق للتجربة الشخصية وتفاصيل الحياة اليومية من خلال لغة ثرية وإضاءات علي نقاط هامة في حياة البشر. واعتبرها الكثيرون من أهم كتاب القصة القصيرة في القرن العشرين. ويختتم عقد الكاتبات الحاصلات علي جائزة نوبل في العام الماضي 2015 حين حصلت الكاتبة البيلاروسية سفيتلانا أليكسييفيتش عليها. ورغم ما أثاره حصول سفيتلانا علي الجائزة من جدل، والمناقشات التي دارت حول كون ما تكتبه أدبا من الأساس، إلا أن سفيتلانا نجحت بشكل مبهر في احداث تغيير حقيقي في مفهوم الكتابة الأدبية، والبعد الخيالي فيها، وانتقلت بها نحو آفاق أرحب، وأكدت من خلال نجاح أعمالها أن الواقع غالبا يكون أغرب من الخيال، وأن الخيال أحيانا يقف عاجزا عن أن يعكس حجم الهوس والجنون الموجود في الواقع.