يحفل تاريخ الأدب والنقد الحديث بحالات قهر فيها أصحابها المستحيل وتحدوا الظروف واستطاعوا الانتقال إلي عالم الشهرة بقوة إرادتهم، خاصة أنهم لم يفسحوا لأي شيء يمكن أن يعطل طاقاتهم عن الإبداع، ومن بين هذه الحالات روائية وقاصة وشاعرة وناقدة تمتلك لغة تستفيد منها في حياتها اليومية حول عشق الحكي الشعبي والتعبير عن المهمشين.. إنها الدكتورة كاميليا عبدالفتاح الصوت الروائي والنقدي المميز في فضاء الثقافة المصرية وأستاذة الأدب والنقد الحديث. لا تنكر الدكتورة كاميليا، فضل والديها في إبحارها في مجاهل التراث العربي وكنوزه، وتعرفت من خلال الكتب علي أبي العلاء المعري وليو تولستوي، وعشقت مشاهدة الكلاسيكيات العالمية وأدب شكسبير، وأدركت بعد اكتشاف موهبتها في سن مبكرة أن الكتاب هو الصديق الحقيقي، وأن العلم والقراءة سيحولانها إلي روائية وناقدة مهمة بثقافتها وفنها الساحر الذي تبدعه مخيلتها المعبرة، وتجعل منه فردوساً تهرب إليه كي تخفف وطأة واقع مرير. تنتهز الدكتورة كاميليا الفرصة للغوص في عالمها الإبداعي المنتمي لتيار أدبي نقدي يحمل إنجازات جمالية ولغة ثرية عميقة ساعدتها في التنقل بوعي بين الغرابة والإصرار والتشبث بالحياة والأمل، ولذا اعتبرته زادها المعرفي الأول وخبزها اليومي الذي جعلها تحمل رؤية وتحليلاً لكل ما يدور في المجتمع ودفعها لممارسة الكتابة النقدية لتصبح صوتاً قوياً يدافع بجرأة عن حقوق المهمشين والطبقة المهدر حقها في المجتمع. وعن نشأتها تقول: ولدتُ في الأقصر ثم انتقلت إلي الإسكندرية بحكم عمل والدي (رحمه الله) في وزارة الري، وكان قارئاً جيداً وشاعر عامية، ومثله كانت والدتي صاحبة الفضل في تعريفي بالتراث العربي وكنوزه، ووالدي كان يأتي بكتب متميزة ساعدتني علي الاستمتاع بالقراءة والانطلاق في مراحل تعليمي، لدرجة أنني كنت مشهورة في عالم الصحافة والإذاعة والشعر والمسابقات الثقافية والفنية المدرسية. واستناداً لكونها أديبة وناقدة تقول إنه لا توجد عندنا أعمال درامية متميزة معاصرة بعد الماراثونات الرمضانية التي ملأت الشاشات واحتوت علي مناظر وعبارات خادشة للحياء وبلطجة وقتل ودماء.. ومن هنا تتساءل لماذا التركيز والالتفاف حول أسماء بعينها في كتابه الأعمال الدرامية ويصل الأمر علي الجانب الآخر لقيام أحدهم بكتابة تترات أربع أو خمس مسلسلات في وقت واحد وكأن مصر أصبحت عقيمة من المواهب رغم تأكيدها علي وجود مواهب صغيرة في السن يحق وصفهم بالدانات الثقيلة علي مستوي الثقل الإبداعي. وتطالب مع غيرها من أصحاب الضمير بإفساح الطريق لهم لأخذ فرصتهم، وكفي وجود جيل بعينه مسيطر علي الإعلام والإبداع والثقافة والتعليم والصحة لدرجة وصلنا فيها إلي أن مصر تبدو وكأنها عاقر، وتشير لحاجتنا لثورة شاملة علي القبح والأنانية والاستئثار والبلادة والتلوث السمعي. وتعديل القيم والسلوكيات بالتسلل والعودة لتقديم نوعيات راقية من الأغاني والفنون الدرامية. وهذا الإصلاح بالطبع يبدأ مع الصغار داخل المدرسة والبيت والأهم عودة المعلم التربوي القادر علي إعادة المهابة الحقيقية للتربية والتعليم. وتؤكد أن انجذابها للقراءة وكتابة الشعر والنقد كان سبباً في دخولها كلية الآداب جامعة الإسكندرية ودراستها في قسم اللغة العربية واللغات الشرقية، وكان الارتقاء لسلم النجاح أهم طموحاتها، لذا حصلت علي الليسانس ثم الماجستير بدرجة امتياز، وكانت عن الشاعر العباسي المعروف أبي العلاء المعري وعنوانها "ظاهرة الاغتراب في شعر أبوالعلاء المعري"، ونظرا لتميزها لقبوها بعاشقة المعري، وبعدها حصلت علي درجة الدكتوراه بامتياز برسالة عنوانها "القصيدة العربية المعاصرة" وكانت نجاحاتها وإبداعاتها الأدبية والنقدية سبباً في سرعة تعاقد السعودية معها للاستفادة منها ومن خبراتها في جامعاتها، وهناك تدرجت وتفوقت لسنوات طويلة قبل العودة وأصبحت أستاذة الأدب والنقد المساعد بكلية التربية في جامعة الباحة، بجانب حصدها العديد من الجوائز والأوسمة. وتعترف الدكتورة كاميليا بكرم الله عليها في حصادها لثمرة تربية وتفوق أولادها وأكبرهم "تناسم" وهي طالبة في كلية العلوم، و"مرام" الطالبة في الصف الثالث الثانوي، و"مهاب" وهو بطل موهوب في رياضة الشيش، وجميعهم عاشقون لقراءة الأدب العالمي وسماع موسيقي بيتهوفن. وعن مؤلفاتها تقول: سعيدة بكل مؤلفاتي وهي "القصيدة العربية" و"الشعر العربي القديم" و"إشكاليات الوجود الإنساني" و"ثنائيات الفارس المغيب" و"بواعث الاغتراب وجموح التكوين" و"الأصولية والحداثة في شعر حسن محمد الظهراني" وديوان شعر بعنوان "موريت" ومجموعة قصصية بعنوان "شرفتي"، وتضيف: "أكتب حالياً سيرتي الذاتية لكل ما شاهدته من مراحل انتقالية في حياتي داخل مصر والسعودية، خاصة بعد حصولي علي عضوية مستشار التعليم العالي التابعة للاتحاد الدولي للصحافة العربية". وتراهن الدكتورة كاميليا علي من يستطيع أن يخرجها من المطبخ فهو ينافس الكتابة عندها فهي ست بيت ممتازة، لا تحب "الدليفري" وأكل المطاعم، وتصنع بنفسها أجمل صواني البطاطس باللحمة والبشاميل والمشويات والأسماك بكل الطرق. وتؤكد أيضاً أنها متابعة جيدة لكل خطوط الموضة في الملابس والحقائب وغيرها، لكنها تراعي الذوق والتناغم في ملابسها، بحيث تناسب شخصيتها، خاصة أن الأزياء عندها تعكس الحالة الفكرية والنفسية، وبالنسبة للماكياج فأشارت إلي أنها تعتمد عليه قليلاً للتجمل وإخفاء سحابة الإرهاق إن وجدت، وأخيراً تؤكد أنها ستظل طوال حياتها تؤمن بالحكمة القائلة "أنا أتألم إذن أنا أتعلم".