خبر سعيد أعلنت عنه وزارة الري منذ أيام وهو نجاحها في إزالة 11 الف تعد علي النيل منذ انطلاق الحملة القومية لانقاذ النهر في يناير عام 2015. وهو خبر لا يقلل من الحفاوة به استمرار المحاولات الشرسة لارتكاب تعديات جديدة علي النهر، تقدر بعدة آلاف، خلال نفس الفترة، ولا يدعو للاحباط النظر للتل الكبير من المخالفات الذي يرتفع لأكثر من خمسين ألف تعد، الذي جاء نتيجة سنوات طويلة من اهمال النهر، والمهم اننا بدأنا السحب منه، وكما يقول المثل المشهور، خد من التل يختل. الحقيقة انه لولا الإصرار علي إزالة المخالفات لربما زادت تلك التعديات ضعفين أو ثلاثة أضعاف عن المعدلات الحالية. كما لا ننكر أن الاهتمام الذي ابدته الدولة بنهر النيل خلال العامين الماضيين قد أسهم في تثبيت الوضع الحالي ومنعه من الانزلاق لمزيد من التدهور. وهي نتيجة جيدة في ظل الظروف الحالية والتحديات الكبيرة التي تواجه الدولة أمنيا واقتصاديا. وقد انطلقت منذ عشرين شهرا حملة قومية لإنقاذ نهر النيل من التعديات، تحت رعاية رئيس مجلس الوزراء وبمشاركة واسعة من كل الوزارات المعنية مثل الإدارة المحلية والداخلية، ونجحت الحملة طبقا للبيانات الرسمية الصادرة من وزارة الري، في إزالة نحو عشرة آلاف مخالفة في عام ونصف العام، وقعت علي مجري النيل الرئيسي، وفرعي دمياط ورشيد. ومن الامور التي تبعث علي التفاؤل ان تلك الحملة لم تفقد زخمها بالرغم من تغيير معظم القيادات التي تبنت انطلاقها، فقد تغير رئيس مجلس الوزراء وتغير وزير الري ومعظم الوزراء المشاركين في الحملة، لكن الفعاليات مازالت مستمرة، مما يشع طاقة امل ان يتحول النيل إلي مشروع قومي كبير نستمر في رعايته ومتابعته بشكل مؤسسي بصرف النظر عن الجالس علي كرسي الوزارة. النجاح الذي حققته الحملة يشجع علي التقدم بتساؤل حول كيفية التعامل مع المساحات التي تمت إزالة التعدي عليها واستردادها. دور الحملة اقتصر علي هدم المبني المخالف وتركه أنقاضاً، ليواجه واحدا من احتمالين: إما أن تعود المخالفة مرة أخري طبقاً لنظرية ملء الفراغ، أو أن يترك المكان لإلقاء القمامة والمخلفات به. وفي الحالتين هناك خسارة اقتصادية تتكبدها الدولة بسبب عدم الاستفادة من تلك المساحات الهائلة التي تتجاوز 250 كيلومترا مربعا موزعة علي جانبي النهر وفرعيه دمياط ورشيد بعمق يصل ل 80 مترا، كنز ضخم يقع علي ضفاف النهر ولا تستفيد منه الدولة الا اقل القليل، فالمناطق المتميزة يسيل لها لعاب الكثير من الثعالب (أو الذئاب) التي تراقب المكان من بعيد من أجل اقتناصها مجدداً، لتستمر الدائرة المفرغة من تعدٍ وإزالة وتعدٍ، بلا انتهاء. ليتبدد مجهود كبير يتم بذله ونبدو كمن يحرث في مياه النهر. والأمر المتصل بالاستفادة من المساحات التي تم تحريرها يرتبط بقانون حماية النيل نفسه، الذي يحتاج لتعديل لتوحيد جهة الولاية علي النهر، المتفرق دمه حاليا بين وزارات متعددة، وهذا التوحيد سيسهم في حماية النهر ويساعد في تسهيل الاستفادة الاقتصادية من المساحات المجاورة له. كما ييسر للمواطنين التعامل مع جهة واحدة بخصوص اصدار التراخيص اللازمة لهم. النقطة الاهم ان القانون الحالي يعتمد في تحديد المناطق المحرمة والمحظورة المجاورة للنهر علي قاعدة قديمة، وهي قدرة النهر علي استيعاب كمية مياه تبلغ 350 مليون متر في اليوم الواحد، وهو أقصي تصرف مائي يمكن أن يستوعبه النهر في فترات الفيضانات العالية قبل بناء السد العالي. وبالرغم من أن السد العالي قد قضي علي فكرة الفيضانات المرتفعة، بقدرته علي التخزين القرني، كما أن الأربعين سنة الماضية لم تشهد إمرار تصرفات تزيد علي 260 مليون متر في اليوم الواحد. وبذلك يصبح افتراض ال 350 مليون متر هو افتراض نظري لا مكان لتحقيقه في الواقع. هناك نتائج مهمة ستأتي بناءً علي تعديل نطاق المنطقة المحرمة والمحظورة لتصبح مرتبطة باقصي تصرف فعلي للنهر حاليا. أولاً أن المنطقة المتاح الانتفاع بها بعد إصدار التراخيص يمكن زيادة مساحتها، وبالتالي تدخل كثير من المخالفات الحالية، اذا طبقت عليها القاعدة الجديدة، تحت مظلة القانون. وثانيا ان هناك فرصة واسعة للاستغلال الاقتصادي لمنافع النيل بدلا من تركها نهبا للتعديات وهو ما يمثل اضافة للاقتصاد القومي نحن في امس الحاجة لها الآن. المهم ان نسارع باجراء التعديلات واصدار القانون الجديد الذي سيساعد في اسباغ مزيد من الحماية لنهر النيل الحبيب.