كاد حزنها علي وفاة أبيها أن يقتلها. فشلت كل محاولات زوجها لاحتوائها. جلس علي الكرسي المجاور لباب الغرفة يدخن ويسأل نفسه عما يمكنه أن يفعله، لقد مات والدها، مات أول رجل أحبته في حياتها. هناك فراغات يتركها الراحلون، فراغات لا يمكن أن تملأها بشخص آخر، فالفراغ الذي يتركه رحيل الأم لا تملؤه حبيبة، والفراغ الذي تتركه الحبيبة لا يملؤه صديق، والفراغ الذي يتركه صديق لا يملؤه صديق آخر. الأشخاص كالألوان، إذا رحل عن حياتك اللون الأحمر قد يهون عليك اللون الأخضر بعض الألم، لكنه مهما كان مخلصا لن يصبح أحمر في يوم من الأيام. الحياة لغز ولا أحد علي قيد الحياة يعرف الحل، هناك أشخاص يحرصون علي جمع الدرجات بقوة، هؤلاء سيكافئهم الله بدخول الجنة، وهناك من كانوا حريصين علي أن يكونوا (بني آدم) بكل ما في هذه المهمة من مشقة وحيرة هكذا كان حمايا واحدا من الذين استسلموا للمهمة التي خلقوا من أجلها وهؤلاء سيكافئهم الله في النهاية بمعرفة حل اللغز. غلبه النوم علي الكرسي.. سمع صوت جرس الشقة قام ليفتح فوجد حماه يرتدي عباءة سوداء.. كان وجهه الأسمر يلمع وزاده تألقا تلك الشعيرات البيضاء الموجودة أعلي جبهته.. طلب منه أن يدخل.. جلس حماه علي الكرسي والتفت ناحية باب الحجرة وسأله (ما لها؟) قال له: إنها حزينة علي رحيلك وأن حزنها يكبر حتي أصبح بيتا تسكن فيه، قال له أبلغها أن حزنها يزعجني وأنها غير محقة. لو تعلم حالي الآن لرقصت فرحا أنني أعيش أجمل أيامي.. في الواقع أنتم الذين تستحقون الرثاء... قل لها إن نحيبها يفسد عليَّ سعادتي. قال له سأعد لك فنجان القهوة السادة الذي تحبه، فأجابه قائلا لقد أقلعت عن شرب القهوة والتدخين، ولا أشرب حاليا سوي هذا المشروب، وأخرج من جيبه ثمرة كبيرة بنية اللون تحيط بها خطوط خضراء زاهية، نزع جزءا من قشرتها ثم رفعها ليشرب منها بينما خيط ذهبي لامع يسيل علي أحد جانبي فمه. وضع الثمرة في جيبه ثم ودعه قائلا( خد بالك منها). صحا فجأة.. أيقظها وأحضر لها الإفطار في الفراش ثم قص عليها ما حلم به، نظرت إلي عينيه بعمق فقال لها (واللهِ زي ما باقول لك) فصدقته، قال لها إنه لم يره سعيدا هكذا في حياته وإن نحيبها يفسد سعادته، فابتسمت للمرة الأولي منذ زمن ثم سالت دموعها ولكن دون نحيب. مر اليوم هادئا. أعاد عليها الرؤية عدة مرات. في المساء تناولا طعاما خفيفا ثم جلسا إلي الكمبيوتر وطافا عبر الإنترنت بكل الموسوعات العالمية في محاولة لمعرفة اسم الثمرة التي كان يحملها والدها..ولكن دون جدوي.