كل عام وأنتم بخير؛ اليوم عيد، وفي الأعياد لا يتحدث الناس عما لا يبعث فيهم البهجة، هذا »سلو بلدنا»، ولا يليق أن أكون زائرة ثقيلة علي القارئ في اللحظة التي يبحث فيها عن بهجة قديمة، قِدم حياته نفسها، إذا كان مسلما، وهي بهجة الالتفاف العائلي حول »الفتة»، وما شارك فيه حياته كلها أصدقاءه المسلمين، إذا كان مسيحيا. فلا يمكن، مثلا، وأنا أستمع في الشوارع »لمأمأة» الخرفان، وجلبة الأطفال المتحلقين حولها، أن أواصل حديثي عن الغرام الذي لا يعكر صفوه شيء بين البرلمان والحكومة، ولا عن ضريبة القيمة المضافة، التي طبقها التجار فعليا، وعشوائيا، منذ أمس! ولا عن تعيين محافظ للقاهرة، من دون كل أهالي المحروسة، عمل وزيرا للنقل في حكومة شفيق، أيام المخلوع، لكن المحافظ - والشهادة لله - صرح بأنه سيحارب الفساد! والحكومة، التي اختارته، تراه جديرا بمحاربة الفساد! والبرلمان الصامت يحب الحكومة؛ لأن الأغلبية تري أننا في لحظة لا تحتمل الانقسام، لأنهما لو انقسما، لا قدر الله، لن يتمكنا من محاربة الفساد! لكنني أتذكر، بالمناسبة، أن أمي في العيد الكبير، كانت تماطلني في شراء ملابس جديدة لأنه عيد »اللحمة»، وكنت أصر، بين البكاء والعويل والترفيس، والارتماء علي الأرض، علي مطلبي، حتي أحصل علي اللحمة والملابس الجديدة معا، وأنا أتذكر تلك اللحظات؛ وأنا أتحسس الأقمشة الناعمة، وأشم رائحتها النفاذة، قبل أن أطويها، بحرص، وأضعها تحت المخدة حتي لا تتكرمش، بينما أنظر باشتياق إلي الحذاء الأسود »اللميع أبو إبزيم» وفوقه ينسدل الشراب الأبيض القطني القصير، حتي يغلبني النوم، وأحاول أن أستعيد تلك البهجة القديمة، كي أكتب لكم، وأبعد عن ذهني، ولو مؤقتا، في هذه المناسبة، كل ما يعكر صفوي، وأنفلت منه، وهو يحاصر عقلي وقلبي، باستعادة شيء من البهجة القديمة،أو الجديدة؛ كأن أزور مريضا عزيزا، وأحمل له الورود، كي أعيد لنفسي شيئا من الانتعاش، أريد أن أزور »مادي» في »النظارة السوداء»، و»لويزا» الناصر صلاح الدين، و»ريري» السمان والخريف»، و»إلهام» في »الخائنة» و»قسمت» في »علي ورق سوليفان»، و»زنوبة» في »قصر الشوق»، لعلي أري وجهها الصامت وهو يمر كالوشاح علي التماثيل الفرعونية في فيلم »المومياء» لشادي عبد السلام، وأريد أن أرافقها مع »سعاد حسني»، وهما يرتديان ملابس الرجال ويذهبان إلي »بريمة» البترول، كي يثبتا أن النساء يستطعن أن يعملن كالرجال، في فيلم »للرجال فقط»، أريد أن أذكّرها، أيضا، أنها أقامت من قبل، في مستشفي القصر العيني لتساهم في علاج جرحي حرب أكتوبر 73، وأنها أكملت الطريق إلي قراهم لتسجل 40 ساعة من الحوارات معهم، ومع أسر الأسري والجرحي منذ هزيمة 67، وأنها أعطت المادة العظيمة هذه للمخرج »شادي عبد السلام» ليأخذ منها ما يراه في فيلمه العظيم »جيوش الشمس»، وأريد أن أرافقها، لأسبوعين، في بيروت، عام 1982 ظلت فيهما تحت الحصار الإسرائيلي مع المقاومة الفلسطينية، أريد أن أتذكر معها »معاني» الأشياء، من جديد، قيمة البحث عن معني الحياة كما بحثت »مادي» لتخلع نظارة العبث السوداء، قيمة العمل، كما اكتشفتها الزوجة المدللة »قسمت» وهي تري زوجها الطبيب، الطيب، منعدم الشخصية، كما وصفته، عملاقا في غرفة العمليات، وأتذكر معها قيمة الإنسان، حين يغير مصيره كما فعلت »ريري» فتاة الليل بعد أن ألقي بها من أحبته في الطرقات، قيمة الشرف عند »لويزا»، أريد أن أتذكر »أحلام» الأخت والأم في »السبع بنات»، أريد أن أذهب بكل هذا لنقف علي باب حجرتها، ونتمتم بالدعاء لفنانة شكلت وجدان أجيال، ولأحاول أن أبعث في نفسي البهجة، وأنا أنطق باسمها:» نادية لطفي»، حتي ولو كانت مريضة، وكانت بهجتي: »كده وكده»!