لا أدري لم أصبحنا ضد كل ما هو أثري وحضاري، وتاريخي؟، لا أدري لم أصبحنا من عشاق القبح والعشوائية والفوضي، وخلعنا من نفوسنا قيم الحق والخير والجمال؟، أرصفة لا يستطيع صعودها إلا أبطال الوثب العالي، دون مراعاة لآدمية المرضي وكبار السن، شوارع كالحة انتزعت منها الأشجار التي كانت رئة للناس، اختفت الخضرة، وتحولت حياتنا في أفخم وأعرق شوارع المدينة لضجيج وصخب وتشوه وتدنٍ في الذوق والأخلاق ! ها هي جامعتي التي عشت بين جدرانها 4 سنوات وتخرجت منها لم تسلم قبتها التاريخية من عبث العابثين، وجهلة القيمة والتاريخ، مشهد مؤلم ومزرٍ ومحزن ومؤسف لكل من يعرف تاريخ هذه الجامعة العريقة التي خرجت لمصر والوطن العربي قادة في الفكر والسياسة والاقتصاد والقانون والطب والهندسة والعلوم، وخطب تحت قبتها الشهيرة زعماء ورؤساء مصر وآخرون من العالم من بينهم الرئيس الأمريكي أوباما، فهل بلغت البجاحة لتشويه معمارية تاريخية في حكم الأثر بمواسير خارجية من الصاج المجلفن كمسارات هوائية لتكييف القاعة التي تعلوها قبة جامعة القاهرة مركزيا، وبقية المكاتب الإدارية في المبني ؟! لم هذا الجهل بالقيمة التاريخية والمعمارية والأثرية والأخلاقية والضميرية، والمثير والغريب أن أساتذة كلية الهندسة قسم العمارة يلقون محاضراتهم علي بعد أمتار من مبني قبة جامعة القاهرة التي تمت استباحتها وتشويهها وتخريبها، ولم يقل أحد منهم " استوب ". لماذا فعلتم هذا، والغريب أن عميد كلية الهندسة هو عضو بحكم عمادته في مجلس الجامعة، أي أنه حضر مناقشة تكييف القاعة والمبني مركزيا عندما ناقش المجلس هذا المشروع، فكان له أن يرفض هذا التشويه والتخريب المتعمد بجهل، وكان له أن يقيم الدنيا ولا يقعدها، أما إذا كان رئيس الجامعة قد مرر المشروع بدون إشراك عميد كلية الهندسة وبقية أعضاء مجلس الجامعة فتلك مصيبة أخري، ومخالفة تستوجب من الجهات الرقابية المحاسبة الدقيقة ! أخلص إلي أن الصور الفضيحة التي نشرتها الصحف للقبة والبني الأثري المشوه، جعلت إدارة الجامعة تستجيب لضغوط وتهديدات جهاز التنسيق الحضاري المتاح له الضبطية القضائية، وقد انتهي الاجتماع بين ممثلي الجامعة والتنسيق الحضاري وشعبة الهندسة المعمارية بنقابة المهندسين، ببيان تم الإقرار فيه بأن مجاري الهواء المعدنية التي أثار منظرها الرأي العام تشوه قبة الجامعة، وأنها اتخذت مساراً أخل بمعمار القبة وطابعها الأصيل، وهذا في حد ذاته إدانة دامغة لإدارة الجامعة تستدعي مساءلتها، وقال البيان إن استشاري المشروع سيشرع في عمل تعديل لمسارات مجاري الهواء ووحدات مناولة الهواء ومعالجتها معمارياً بما يتوافق مع تصميم القبة والحفاظ علي طابعها وتفاصيلها المعمارية، وشخصيا لا أفهم معني عبارة " عمل التعديلات بمعالجتها معماريا "، التي لا تعني أن تلك " الدكتات " المعدنية ستختفي، وربما المقصود أن تتم تغطيتها بما يتلاءم مع الطابع المعماري للقبة، وإن تم هذا فهو أيضا اعتداء وتشويه عن عمد لتاريخية ومعمارية المبني وقبته، ولنا أن نتساءل: كم تكلف هذا التشويه، ومن الذي سيتحمل تكاليف إزالته أو تعديله أو تغيير مساره بالكامل، والسادة في الجامعة تسلموا الرسومات من استشاري المشروع ووافقوا عليها، أي أن الجامعة هي التي ستتكلف من جديد.. ولك الله يا مصر لأن الفساد أشكال وألوان.