التغيرات المناخية تهدد الجميع بانخفاض نسبة هطول الأمطار 40٪ 3 مليارات متر مكعب من مياه الصرف مهدرة وأوروبا تستخدمها في الزراعة تجميع مياه السيول في سيناء والصعيد سيوفر مليار متر مكعب سنويا الوضع المائي بالمنطقة العربية سيئ جدا للزيادة السكانية »الفاو» تتبني برامج خاصة للنهوض بالصعيد مع اقتراب اثيوبيا من الانتهاء من بناء سد النهضة يزداد الخوف والقلق الشعبي قبل الرسمي من تداعيات هذا السد علي حصة مصر المائية.. هذه القضية تشغل الرأي العام المصري والافريقي والعربي. فما هو الدور الدولي لحل هذه القضة وكيف تنظر منظمة »الفاو» العالمية الي مشكلة دول حوض النيل وما الدور المنوط بها لتحقيق التقارب والتوافق بين دول حوض النيل؟ وما السيناريوهات المتوقعة بعد الانتهاء من بناء السد؟ وكيف يمكن لمصر تلافي الاثار السلبية - ان وجدت - لتخزين المياه خلف سد النهضة؟ وما الحلول غير التقليدية التي يجب علي الحكومة المصرية ان تتبناها بعد هذه الازمة؟ الأسئلة السابقة دار حولها الحوار مع كبير خبراء موارد المياه والري في المكتب الأقليمي للفاو د. فوزي كراجة في حواره مع »الأخبار».. أكد د. فوزي كراجة أن مصر تستطيع ان تواجه ازمة نقص المياه من خلال التوجه الي إعادة تدوير مياه الصرف الصحي واستخدامها في الزراعة أسوة بالكثير من دول العالم. وقال خلال حواره مع »الأخبار» ان الجانب الاثيوبي لديه حسن نية بشأن حصول مصر علي حصتها في مياه النيل، لافتا الي ان التحدي الذي يواجه مصر محصور فقط في فترة »ملء» السد الاثيوبي التي قد تستغرق 6 سنوات.. مشيرا الي وجود حلول كثيرة لتلافي مثل هذه المشاكل.. وإلي نص الحوار: بصفتك خبيرا في مجال الزراعة وندرة المياه.. كيف تري الوضع الحالي لمصر؟ بشكل عام يصل الامن الغذائي في مصر حاليا الي نسبة 60٪ وبحسب آخر احصائيات اطلعت عليها فإن مصر بحاجة الي قرابة 70 مليار متر مكعب مياه سنويا متوافر منها 65 مليار متر مكعب أي يوجد نقص 5 مليارات متر مكعب.. هذا الفاقد يمكن ان يعوض بأساليب اخري وهي تدوير وإعادة استخدام مياه الصرف ويمكن استخدامها مرة أخري للزراعة. بدلا من اهدارها.. وإعادة التدوير تعتمد بصفة اساسية علي معالجة مياه الصرف بدرجات مختلفة بحيث تصبح صالحة للزراعة لان عدم معالجتها يتسبب بشكل كبير في اضرار بالغة للتربة والمزروعات.. وهناك الكثير من الدول الاوروبية المتقدمة تعتمد بشكل اساسي علي مياه الصرف في الزراعة وهناك مزارع ضخمة في أمريكا وتحديدا في ولاية كاليفورنيا تعتمد علي الزراعة بمياه الصرف المنقاة بأحدت وسائل التكنولوجيا علي 3 مراحل دقيقة لتصبح مثل المياه العادية صالحة للاستخدام ولكن المشكلة في تطبيقها في مصر هي الحاجز النفسي لدي المواطنين في تقبل المواطنين فكرة إعادة استخدام مياه الصرف سواء في الزراعة أو للاستخدام الادمي.. وقد شاهدنا كيف يقوم المواطنون في بعض المناطق التي لا يوجد بها مياه صالحة للجوء لاستخدام مياه الصرف غير المعالج في الزراعة وهو الأمر الذي يمثل خطورة كبيرة علي صحة الانسان خاصة عندما يتم استخدامها في ري الخضراوات الورقية والمزروعات التي يتم تناولها مباشرة. مستقبل مصر المائي دعنا نتحدث اكثر عن مستقبل مصر المائي فكيف يمكن قراءة المؤشرات الحالية خاصة في ظل قضية دول حوض النيل وبناء سد النهضة وهو الامر الذي يزيد المخاوف لدي المصريين من احتمالات تناقص المياه وحدوث فقر مائي لمصر؟ في الحقيقة هناك عدة عوامل تؤثر علي مستوي المياه في مصر مستقبلا وليست عاملا واحدا فقط.. أول هذه العوامل هي التغيرات المناخية التي تعاني منها المنطقة بأكملها تهدد الدول وقد تتسبب في انخفاض نسبة هطول الامطار في المنطقة بنسبة تقارب 40٪ وهذا التأثير سيكون بالسلب علي دول كثيرة ولكن في مصر فلن تتأثر الزراعة لأننا لا نعتمد بشكل كبير علي الامطار الا في بعض المناطق المحدودة مثل مرسي مطروح.. لكن الأخطر الذي سيواجه مصر هو ارتفاع نسبة الفاقد من المياه بنسبة تتراوح من 10٪ الي 20٪ بفعل التبخر بسبب ارتفاع درجات الحرارة عن النسب المتوقعة.. وهو الأمر الذي يجب ان نأخذه في الحسبان لتعويض هذا الفاقد حتي لا يؤثر علي نسبة المياه في مصر.. لكن من وجهة اخري فإن افضل التوقعات النموذجية تشير الي زيادة الامطار في منطقة الهضبة الاثيوبية بنسبة 22٪ بسبب التغيرات المناخية. إذن فإن المياه في اثيوبيا سوف تزداد ومع ذلك مستمرة في بناء السد؟ نعم أثيوبيا لديها زيادة محتملة في المياه بنسبة كبيرة بالاضافة الي انها اصلا لديها مياه موجودة بكثرة هناك ومياه نهر النيل لا تمثل سوي 5٪ فقط من كميات المياه التي تهطل علي الهضبة الاثيوبية والباقي يسمي بالمياه الخضراء التي تذهب للغابات أي أن نسبة كبيرة من المياه في اثيوبيا يتم اهدارها في ري الغابات.. كما أن اثيوبيا لم تقل انها تحتاج الي المياه لكنها تقول انها بحاجة الي الكهرباء والاستثمار في المياه بدلا من اهدارها بهذا الشكل الذي يحدث هناك. مدة التخزين من وجهة نظرك ما الذي يجب ان تقوم به الحكومة المصرية لكي تضمن عدم المساس بحقها المائي بعد الانتهاء من انشاء سد النهضة؟ مفاوضات سد النهضة مع اثيوبيا لابد ان تتضمن الاتفاق حول مدة تخزين المياه خلف السد حتي لا تتسبب تعبئة السد في اية مخاطر علي حقوق مصر المائية. والحكومة المصرية جادة في التغلب علي مشكلة تعويض العجز في المياه نتيجة بناء السد أو بسبب التغيرات المناخية وذلك من خلال بعض الحلول غير التقليدية وذلك عن طريق الاتفاق مع حكومتي السودان وجنوب السودان لتحسين مجاري المياه والاستفادة من المياه المهدرة والفاقدة وتعظيم الاستفادة من هذه المياه.. ان مصر لديها العديد من المبادرات الايجابية الجيدة التي ساهمت الفاو في تنفيذها مع الجهات الحكومية وعدد من الشركاء ومنها استخدام الطاقة الشمسية كمصدر للطاقة في المشاريع الزراعية واستخدام اساليب الري الحديثة التي تحقق أعلي مستوي من الكفاءة في كميات المياه المستخدمة دون التأثير علي الانتاجية الزراعية.. وكذلك برنامج رصد التغيرات المناخية علي انتاج عدد من المحاصيل الاستراتيجية واقتراح حلول لها.. بالاضافة الي العمل علي وقف الزحف الملحي نتيجة الاستخدام غير المستدام للمياه الجوفية والتغيرات المناخية التي يتوقع ان تؤدي الي ارتفاع مستوي مياه البحر في المنطقة. ندرة المياه هل فعلاً المنطقة العربية من أكثر المناطق التي تعاني من ندرة المياه في العالم؟ بالفعل المنطقة العربية من أكثر المناطق ندرة في المياه في العالم لأنها تعاني من ارتفاع معدلات الزيادة السكانية في العالم حيث يصل عدد السكان في المنطقة العربية إلي 400 مليون وبحلول عام 2050 سيصل الي 600 مليون مما قد يسبب أزمة في الأمن الغذائي. وتحتاج الي مضاعفة انتاج كمية الغذاء الي 3 أضعاف من الكمية الحالية وهو ما يصعب تحقيقه لأن كميات المياه التي تستخدمها المنطقة العربية حاليا من خارج المنطقة بنسبة 65٪. والوضع المائي بالمنطقة العربية حساس جدا.. كما أن العالم يحتاج الي زيادة كميات الغذاء التي يتم انتاجها حاليا بنسبة 60٪ لتغطية الزيادة السكانية المتوقعة بحلول عام 2050 بإجمالي من 8 إلي 9 مليارات نسمة اضافية. كما ان زيادة حجم الغذاء يتطلب توفير المياه للزراعة بما يسبب عجزا بإجمالي 3٫3 بليون متر مكعب من المياه سنويا وبحلول عام 2050 سوف نحتاج الي أكثر من 2 مليار متر مكعب من المياه. هل تدخلت »الفاو» في هذه القضية لتوفيق الآراء والمصالح المشتركة بين دول حوض النيل لدعم مصر؟ الفاو كمنظمة دولية تابعة للأمم المتحدة لا تتدخل في السياسة ولكن مسئوليتها توضيح المعلومات الصحيحة وتوفيرها لمن يريدها مما يؤهل الدول لاتخاذ قرار سليم. وفيما يخص السد الاثيوبي فتتراوح سعته من 35 الي 40 مليار متر مكعب بينما تصل سعة السد العالي في أسوان الي 135 مليارمتر مكعب حوالي 4 أضعاف السد الاثيوبي. فنحن لا نشعر أن هناك مشكلة فنية أو هندسية وخاصة أن العلم الحديث يوفر حلولا لكل شيء وبالمناسبة ما سمعته عن احتمال انهيار السد بسبب حدوث زلزال أمر غير صحيح فبناء السد قوي المشكلة الفعلية هي في كيفية إدارة السد والمخاوف من استخدامه في الضغوط السياسية. نقطة الخلاف وكيف تقيم منظمة »الفاو» آثار سد النهضة الاثيوبي علي مصر؟ المشكلة التي تواجهنا في مصر سوف تظهر خلال فترة تعبئة سد النهضة . وهي نقطة الخلاف بين المصريين والسودانيين والاثيوبيين فقد تحتاج إثيوبيا الي 5 أو 6 سنوات لملء السد وهو ما قد يؤدي الي قلة حجم المياه الواردة الي مصر خلال تلك الفترة ، ولكن من خلال تواصلي مع خبراء اثيوبيين فأعتقد ان اثيوبيا سوف تمرر المياه المناسبة الي مصر وعلي الاقل حصتها وأري ان هناك حسن نية. وفي كل الحالات بعد انتهاء تخزين السد الاثيوبي فلا يمكن لاثيوبيا حجب أي مياه لانها لو فعلت ذلك لغرقت هي في الحال.. فمصر مهمة لاثيوبيا كما اثيوبيا مهمة لمصر وهناك علاقة توازن وتكامل بينهما. خلال فترة تخزين السد الاثيوبي هناك حلول متعددة والتي يمكن اللجوء اليها في حالة تناقص حصتنا في مياه النيل ؟ ما هي هذه الحلول؟ الحلول متعددة وتعتمد هذه علي الحلول علي الإدارة الذكية للموارد، فنحن لدينا فرص لاستثمار المياه في مصر بشكل أفضل مثل مياه الصرف التي تنتج منها مصر 5٫4 مليار متر مكعب تستخدم منها حوالي مليار متر مكعب أي هناك اكثر من 3 مليارات متر مكعب مياه مهدرة يمكن إعادة تدويرها واستخدامها. وكم تكلفنا تكنولوجيا إعادة تدوير المياه للوصول بها لدرجة نقاء عالية؟ تكلفة تكنولوجيا إعادة تدوير المياه للوصول بها لدرجة نقاء عالية تعتمد علي نوعية مياه الصرف سواء صحي أو صناعي وهكذا.. ولكن عامة تتراوح التكلفة ما بين 20 إلي 40 سنتا أمريكيا للمتر المكعب وهناك بعض دول الخليج بدأت في التطبيق. من وجهة نظرك ما المقترحات الاخري لتلافي الاثار السلبية لمشكلة نقص المياه؟ حسن استخدام المياه وتقليل نسبة الهدر، علي سبيل المثال يمكن تجميع مياه الامطار وخاصة في بعض المناطق التي تشهد سيولا مثل سيناء وبعض مناطق الصعيد وهذه الافكار يمكن ان توفر مليار متر مكعب إضافي. فيمكن تحويل مجري سقوط الامطار وتوجيهها الي خزانات ترابية أو تخزينها كمياه جوفية يمكن استخدامها بعد سنة أو اثنتين وري الارض العطشانة.. نريد ايضا رفع الكفاءة في استخدام المياه والزراعة وبهذا نوفر 30٪ من المياه. والحل الثالث هو تغيير نوعية النباتات التي تزرعها وزيادة انتاجيتها وقد حاولنا في مصر ووضعنا خطة عام 2009 لتقليل العجز بالامن الغذائي واستطعنا زيادة انتاجية القمح 30٪ لبعض الاصناف لتصبح مصر من أعلي دول العالم في انتاجية القمح. ومازال هناك امكانية لزيادتها مرة أخري فحاليا تصل نسبة انتاجية القمح إلي 7.2 طن للهكتار وهو مايوازي قرابة فدانين ونصف ولكنها ممكن تصل إلي 10 أطنان مستقبلا. كما يفضل اعتماد محاصيل جديدة مثل حبوب الكينوا التي تصلح في الزراعة في المناطق الشحيحة بالمياه وتتميز بارتفاع نسبة البروتين بها وممكن نستخدمها كبديل للأرز والقمح. الزراعة والانسان في النهاية هل هناك تحديات تواجه الفاو في تحقيق خطتها في مصر؟ منظمة الفاو كأي منظمة في أي دولة تواجه عدة تحديات من بينها كيفية تقبل الآخرين للأفكار والاقتراحات الجديدة،ولكن يهمني أن أؤكد أن وجود الفاو في القاهرة مكسب ليس لمصر فقط ولكن للمنطقة كلها.. فنحن لانتعامل مع الزراعة فقط ولكن أيضا الانسان ،فنحاول معالجة البدانة عند الأطفال في مصر و لدينا برنامج كبير وصل لمنطقة الصعيد ونحن موجودون للاجابة علي اي اسئلة ولخدمة مصر باعتبارها عضوا في منظمة الفاو ولها كامل الحقوق وبدون التدخل في أي قرارات سياسية وطنية. واذكر مثالا للتعاون أنه عندما حاول الرئيس عبد الفتاح السيسي يستشيرنا عن مشروع المليون ونصف المليون فدان بعد تحدثه مع مدير المنظمة استجبنا فورا وشكلنا لجنة ووضعنا رأينا في ظل المعلومات التي تم تقديمها..وأتمني استمرار التعاون والتوفيق لمصر.