اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ونظيره الروسي.. تناول سبل دعم الاستثمارات الصناعية الروسية    جيسوس: ماني تهور.. ورونالدو الأفضل في العالم    هل يهدد غياب لياو انطلاقة ميلان في الدوري الإيطالي؟    محافظ الأقصر يلتقي وفد أهالي المدامود ويعلن زيارة ميدانية عاجلة للقرية    الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات يصدر إجراءات جديدة بشأن المكالمات الترويجية الإزعاجية    بعد مشاجرة كرداسة …خبراء يطالبون بتطوير آليات قانونية لفض النزاعات بين الملاك والمستأجرين    نفق وأعمال حفر إسرائيلية جديدة داخل ساحة البراق غرب المسجد الأقصى    ستاندرد آند بورز: رسوم واشنطن توجه الصين نحو أسواق الجنوب    محافظ سوهاج يعتمد تعديل المخطط التفصيلي لمركز ومدينة سوهاج    محافظ الدقهلية: نتابع على مدار الساعة انتظام العمل واستقبال طلبات المواطنين بالمراكز التكنولوجية    نجم مانشستر سيتي ينتقل إلى البوندسليجا    محمد مطيع رئيسًا للاتحاد الإفريقي للسومو ونائبًا للدولي    دون إصابات.. السيطرة على حريق محدود بفرع النادي الأهلي في مدينة نصر    ضبط صانعة المحتوى «بطة» لنشرها فيديوهات تتضمن ألفاظا خادشة للحياء    أحدث إصدارات قصور الثقافة في معرض السويس الثالث للكتاب    اليوم.. العرض الخاص لفيلم درويش في الرياض بحضور عمرو يوسف    مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير يفتح باب المشاركة في دورته ال12    كيف تعرف أن الله يحبك؟.. الشيخ خالد الجندى يجيب    الشيخ خالد الجندى: افعلوا هذه الأمور ابتغاء مرضاة الله    وزير الصحة يجتمع مع مجموعة BDR الهندية وشركة المستقبل للصناعات الدوائية لدعم توطين صناعة الدواء    «التعليم العالي»: إعلان القائمة المبدئية للمرشحين لمنصب رؤساء 5 جامعات أهلية    مصادر طبية: 40 شهيدًا بنيران الاحتلال في مناطق عدة منذ فجر اليوم    كابوس في لحظات سعادة... تفاصيل مؤثرة لغرق طفل أمام عيني والدته بسوهاج    صور.. النقل تحذر من هذه السلوكيات في المترو والقطار الخفيف LRT    "فاليو" تنجح في إتمام الإصدار السابع عشر لسندات توريق بقيمة 460.7 مليون جنيه    تدريب المعلمين على تطبيقات الآلة الحاسبة.. بروتوكول جديد بين "التعليم" و"كاسيو"    نتيجة تنسيق تقليل الاغتراب لطلاب المرحلتين الأولى والثانية 2025    "رقص ولحظات رومانسية"..منى زكي وأحمد حلمي في حفل عمرو دياب في الساحل الشمالي    أول تعليق من أشرف زكي بعد تعرض ألفت عمر للسرقة في باريس    بالصور- وزير العدل يفتتح مبنى محكمة الأسرة بكفر الدوار    التأمين الصحي الشامل يشارك في قمة "تيكاد 9" باليابان    من هم أبعد الناس عن ربنا؟.. أستاذ بالأزهر يجيب    موعد حفل توزيع جوائز الأفضل في إنجلترا.. محمد صلاح يتصدر السباق    بالصور- افتتاح مقر التأمين الصحي بواحة بلاط في الوادي الجديد    بعد جولة مفاجئة.. محافظ الدقهلية يحيل مسؤولين بمستشفى نبروه للتحقيق    الأرصاد: اضطراب الملاحة على البحر الأحمر وخليج السويس والموج يرتفع ل3.5 متر    علي الحجار يحيي حفل الخميس ب مهرجان القلعة 2025 (تفاصيل)    تأجيل محاكمة عاطل بتهمة سرقة طالب بالإكراه ل23 سبتمبر    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    كل ما تريد معرفته عن وظائف وزارة العمل 2025    مدير أوقاف الإسكندرية يترأس لجان اختبارات القبول بمركز إعداد المحفظين    استعدادًا للعام الجديد.. 7 توجيهات عاجلة لقيادات التربية والتعليم بالدقهلية    «الوعي»: التحرك المصري القطري يُعيد توجيه مسار الأحداث في غزة ويعرقل أهداف الاحتلال    لافروف: أجواء محادثات بوتين وترامب فى ألاسكا كانت جيدة للغاية    فنان شهير يفجر مفاجأة عن السبب الرئيسي وراء وفاة تيمور تيمور    "الموعد والقناة الناقلة".. النصر يصطدم بالاتحاد في نصف نهائي السوبر السعودي    صعود جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل جلسة اليوم    وزير الدولة للاقتصاد والتجارة والصناعة الياباني: الاقتصاد المصري يحتل أهمية خاصة للاستثمارات    الداخلية تؤسس مركز نموذجي للأحوال المدنية فى «ميفيدا» بالقاهرة الجديدة    إلغاء إجازة اليوم الوطني السعودي ال95 للقطاعين العام والخاص حقيقة أم شائعة؟    15 صفقة لفريق الكرة النسائية ب "رع" استعدادا للموسم الجديد    جولة تفقدية للجنة العليا للتفتيش الأمني والبيئي بمطارى مرسى علم الدولى والغردقه الدولي    «100 يوم صحة» تقدم 52.9 مليون خدمة طبية مجانية خلال 34 يومًا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 19-8-2025 في محافظة قنا    عماد النحاس يكشف موقف الشناوي من مشاركة شوبير أساسيا    رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2025 بعد انتهاء تسجيل رغبات طلاب الثانوية العامة 2025 للمرحلتين الأولي والثانية    وقت مناسب لترتيب الأولويات.. حظ برج الدلو اليوم 19 أغسطس    «ثغرة» بيراميدز تغازل المصري البورسعيدي.. كيف يستغلها الكوكي؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة بحث عن خرائط القاهرة
كيف تتحرك المدينة؟
نشر في أخبار الحوادث يوم 27 - 08 - 2016

ما الذي‮ ‬يمكن أن نحكيه عن خريطة هذه المدينة؟
تتكون القاهرة بالأساس من لقاء ثلاث محافظات معًا‮.‬
تعلو العاصمة علي الخريطة من ناحية الشمال محافظة القليوبية،‮ ‬وتحيط بها الجيزة من ناحيتي الغرب والجنوب‮.‬يسكن مركز البلاد،‮ ‬وحده،‮ ‬تسعة ملايين بينما‮ ‬يتحرك داخل شوارعها ما‮ ‬يقارب‮ ‬22‮ ‬مليونًا من أصل‮ ‬91‮ ‬مليونا و312‮ ‬ألفا و806‮ ‬مصريين،‮ ‬حسب تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء‮.‬
سيرة القاهرة
يكشف تأمّل تاريخ القاهرة أنها تعد خليطًا‮ ‬من عدة مدن تاريخية مثل الشمس،‮ ‬الفسطاط،‮ ‬القطائع،‮ ‬والعسكر‮.‬
كما تضم الآن‮ ‬إلي جانب‮ ‬31‮ ‬حيًا مدنا أسستها الحكومة علي الأطراف الجديدة شرقًا،‮ ‬بدر،‮ ‬الشروق،‮ ‬والمستقبل شمالًا بين طريقي الإسماعيلية والسويس‮. ‬كما تكونت مدن أسستها شركات عقارية مثل‮ ‬مدينتي والرحاب‮.‬
يرصد البريطاني ستانلي لين بول‮ ‬Stanly Lane-poole في العام‮ ‬1900،‮ ‬هاجساً‮ ‬كان حاضرًا عند حكام مصر،‮ ‬وهو أن تكون مدينتهم ومركز حكمهم عصرية،‮ ‬حيث يشير بول في كتاب سيرة القاهرة‮ (‬ترجمة حسن إبراهيم،‮ ‬علي إبراهيم حسن،‮ ‬وإدوار حليم‮ - ‬الهيئة العامة للكتاب‮ ‬2012‮) ‬إلي ما جناه الباشا محمد علي‮ (‬1769‮-‬1849‮) ‬علي آثار المدينة من أجل أن يؤسس عاصمة عصرية،‮ ‬وقد شغلت مسألة المعاصرة الحكام من بعد علي‮.‬
رغم كل محاولات القاهرة،‮ ‬ومحافظتها المجاورة،‮ ‬وضواحيها،‮ ‬ومدنها الملحقة لتحقيق المعاصرة إلا أن العاصمة الممتدة والشاسعة خسرت أمام سراب يتشكل ناحية الشرق‮. ‬تؤسس عاصمة جديدة‮ ‬ستستوعب ما يقارب من‮ ‬50‮ ‬مليونًا،‮ ‬وهو رقم يزيد علي عدد سكان العاصمة،‮ ‬بل يزيد علي نصف تعداد المصريين،‮ ‬الذي تجاوز مؤخرا رقم‮ ‬91‮ ‬مليونًا‮.‬
أول الحكاية
في العام‮ ‬641‮ ‬نصبت خيمة القائد العربي‮ ‬عمرو بن العاص‮.‬
يتردد أن جنود الجيش العربي حينما ذهبوا لجمع هذا الفسطاط‮ (‬ويقصد به الخيمة الكبيرة‮)‬،‮ ‬من أجل محاربة الرومان في عاصمتهم الإسكندرية وجدوا يمامة باضت في أعلاها‮. ‬أمرهم قائدهم أن يتركوها حتي تكبر فِراخها وتطير‮.‬
بقي فسطاط عمرو بن العاص مكانه وبنيت بمحاذاته خيام الجنود،‮ ‬ثم منازلهم‮. ‬وتوسط هذا التجمع جامع سمي بالكبير‮. ‬
خلال ما يزيد علي الألف عام ستستمر حركة العمران،‮ ‬حول أول مساجد مصر،‮ ‬وتتوسع العاصمة نحو الاتجاهات الأربعة‮.‬
قبل وضع فسطاط‮ ‬ابن العاص كانت هذه المنطقة مركزًا للبلاد،‮ ‬حيث يتردد أن الخيمة كانت بالقرب من أطلال مدينة شمس أون‮- ‬On.
لم تكن هذه الأطلال إلا مسلة وحصنًا عسكريًا للرومان،‮ ‬هو بابليون‮. ‬هزمهم عمرو ودخل المنطقة المسماة حاضرة‮ "‬مصر‮". ‬هناك تكونت نواة العاصمة التي نعيش بها الآن‮.‬
كانت هذه المنطقة تضم مزارع من القري والحدائق تصل جنوبًا إلي ما يقابل منف علي الضفة الغربية من النيل عند الجيزة،‮ ‬حسب كتاب أطلس تاريخ الإسلام‮ (‬تأليف حسين مؤنس،‮ ‬الزهراء للإعلام العربي،‮ ‬1987‮).‬
يعتمد الكتاب علي خرائط تاريخية لعلماء عرب مثل البلخي،‮ ‬ابن حوقل،‮ ‬الإدريسي،‮ ‬والمقدسي‮. ‬كانت الخريطة تسمي صورة عند علماء الجغرافيا العرب الأقدمين‮. ‬حينما رسم ابن حوقل خريطة العالم في العام‮ ‬977‮ ‬سماها‮ "‬هذه صورة جميع الأرض‮". ‬
كانت علي هيئة دائرة،‮ ‬يتكون محيطها من الماء،‮ ‬وديار العرب في مركز الدائرة‮. ‬كانت مصر اسمًا‮ "‬نواحي مصر‮" ‬كتبت هكذا علي نهر النيل‮. ‬وكانت تتوسطه جزيرة صفراء مستطيلة دون ذكر اسمها‮.‬
بينما يرسم الإدريسي منبع النيل الوحيد ومقره جبل يسمي القمر في النوبة‮. ‬رُسمت هذه الخريطة بعد فتح العرب لمصر،‮ ‬حيث تحدد مدنها بعين شمس والفسطاط فقط‮.‬
كما يقدم أطلس تاريخ الإسلام خرائطًا أعدها المؤلف وفريقه البحثي،‮ ‬منها واحدة تجسد شكل البلاد خلال فترة‮ ‬
النصف الثاني من القرن السادس الميلادي‮. ‬لا تضم هذه الخريطة إلا ثلاث مدن‮: ‬القلزم،‮ ‬بابليون،‮ ‬الإسكندرية‮. ‬الأولي ميناء يطل علي خليج السويس،‮ ‬الثانية شرق النهر قرب موضع القاهرة الآن،‮ ‬والثالثه كما نعرفها بالموقع نفسه‮.‬
تأمّل خرائط هذا الكتاب وغيره من خرائط وجدتها خلال بحثي عن خريطة للقاهرة داخل كتب أخري يكشف عن أن موقع هذه المدينة كان متغيرًا،‮ ‬وإن ظلت محصورة بكون جميعها شرق النهر‮. ‬
يفسر ذلك من جانب حسين مؤنس بأن عمر بن الخطاب كان لا يريد أن يفصله الماء عن مركز حكم‮ "‬جيش الإسلام‮". ‬
بدأت الحركة لأسفل من حصن بابليون من أطلال مدينة الشمس إلي الفسطاط،‮ ‬ومنها تحركت لمناطق قريبة مع احتراقها وإعادة بناء الجامع الكبير،‮ ‬الذي أسسه عمرو بن العاص،‮ ‬وسيحمل اسمه فيما بعد‮.‬
ظل تموضع العاصمة حول النيل ناحية الشمال أحيانًا والشمال الشرقي في أحيان أخري ومع توسعها ناحية الغرب ضمت الجيزة وصارت المدينتان متصلتين لا يفصل بينهما إلا حدود إدارية لا نراها،‮ ‬بينما تستمر حركة ضم الصحراء إلي المدينة‮.‬
عزلة
ليست هذه المرة الأولي التي تغيّر مصر‮ ‬عاصمتها،‮ ‬لكننا نشهد ذلك لأول مرة،‮ ‬لا نتخيل حدوثه عبر مقارنة خريطة بأخري،‮ ‬وإنما سيغادر المركز نحو الشرق،‮ ‬بينما سيبقي سكانه مهمشين لأول مرة‮. ‬
ينسحب الضوء لزاوية جديدة ويتغير ما عاشه جميع المصريين،‮ ‬المتمترسين،‮ ‬رغم كل الصعاب،‮ ‬في قلب القاهرة‮.. ‬هكذا يعيش المصريون حلمًا حكوميًا،‮ ‬ليسوا طرفًا فيه‮.‬
خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة أسست مجتمعات نخبوية معزولة خلف الأسوار‮. ‬
حققت هذه المدن الصغيرة رواجًا بناحية الغرب حول كل من طريقي الإسكندرية والفيوم،‮ ‬وبمدينة الشيخ زايد كذلك‮.‬
أسست هذه المجتمعات المُسَوَّرة لتتناسب مع مستويات مختلفة من القدرات المالية لأصحابها.تتنوع‮ ‬بين عمارات معزولة تضم وحدات سكنية أو قصورا صغيرة أو شققا تتوزع‮ ‬غرفها علي طابقين،‮ ‬لتتناسب مع طموحات كل مُعتزِل عن المدينة دون أن يغادرها‮. ‬تقدم الشركات العقارية خرائط مبسطة لا تخلو من ألوان‮ ‬وأسهم لمدينتهم الصغيرة وموقعها من أجل تسهيل عملية الوصول إلي المكان‮. ‬أبرز النقاط علي طريق المحور المركزي مثلًا للقادمين للسكن أو زيارة حي معزول في الشيخ زايد‮. ‬تحمل هذه الخرائط المبسطة‮ ‬إشارات لمحل تجاري ضخم أو مسجد أو مركز تجاري‮.‬
لكن المركز سيغادر‮. ‬دون أن تحدد الحكومة موقعًا جديدًا علي خريطة‮.‬
في همة ونشاط توضع المرافق وتؤسس وحدات سكنية‮. ‬تتم توسعة طريق السويس ليكون مكافئًا لهذه الأحلام‮. ‬يؤسس وزير الإسكان العاصمة الجديدة بينما لا تزال وزارته داخل القاهرة،‮ ‬بل الحكومة بالكامل‮ ‬عدا وزارة الداخلية المغادرة مؤخرًا إلي التجمع الخامس‮.‬
يتم ذلك بلا خرائط مرسومة‮. ‬تعرض مجسمات أثناء تصوير لحظات الافتتاح‮.‬
مجرد مشهد للاحتفاء وليس لخدمة المعرفة‮.‬
سبب خفي
لو فرضنا أن السبب الرئيس لانتقال‮ ‬مصري‮/ ‬مصرية إلي سكن جديد هو البحث عن عمل أو شريك‮/ ‬شريكة في الحياة فإن مصر تشهد‮ ‬11‮ ‬حالة زواج بين كل ألف،‮ ‬حسب تقديرات الجهاز القومي للتنظيم والإحصاء‮.‬
ما يحرّك المصريين لشراء الوحدات السكنية،‮ ‬إلي جانب السببين السابقين،‮ ‬السعي للادخار،‮ ‬حيث تعتبر الوحدات السكنية مضمونة الربح أكثر من ودائع البنوك والأسهم المالية والذهب بالتأكيد‮.‬
عوائد سوق العقارات المصري محفزة للجميع لكون قيمته ترتفع بشكل جنوني‮.‬
هل يتلاقي هذا مع توسعات الحكومة المتمثلة في عاصمتها الجديدة أن تكون مصدرًا لتحريك الأموال المدخرة علي هيئة عقارات بالعاصمة القديمة لتصب في خزانة وزارة الإسكان كمدخرات عقارية بعاصمة جديدة؟
يبدو التفسير السابق مثل مُحرِّك خفي للمسألة إلي جانب الأسباب المعلنة مثل الهرب من الزحام والبحث عن الأمن‮.‬
خريطة حيّة
سيقطع المسافة بين الحاضر والمستقبل‮ ‬محور مروري يحمل اسم حاكم الإمارات الشيخ محمد بن زايد،‮ ‬طوله‮ ‬12‮ ‬كيلومترا‮. ‬لكن ماذا تخبرنا الخرائط عن المشروع الجديد؟
داخل مقر الهيئة المصرية العامة للمساحة تزدان جدران قاعة بيع المستنسخات بخرائط مصر‮. ‬تباع مستنسخات من الخريطة القطر بالكامل السياسية والطبيعية كذلك‮. ‬لكن لن تجد خريطة للعاصمة‮.‬
داخل‮ ‬غرفة بيع الخرائط يقف عدد من
‮ ‬المهندسين يطالبون بخرائط تفصيلية لقطع أراض لبناء المساكن‮. ‬بعضه محل خلاف بين ورثة أو متنازعين أمام القضاء حول ملكية‮. ‬لا تقدم هذه الهيئة خرائط محدّثة لشوارع العاصمة أو حدودها الإدارية،‮ ‬رغم أنها الجهة الرسمية المسموح لها بإصدار خرائط في البلاد‮.‬
تعود أحدث خرائط القاهرة الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للمساحة للعام‮ ‬2009.‬‮ ‬
كانت عاصمة مصر،‮ ‬وقتها،‮ ‬تتكون من لقاء خمس محافظات‮. ‬بعدما أسست اثنتان،‮ ‬6‮ ‬أكتوبر وحلوان،‮ ‬لتدخلا هذا المزيج المركزي في العام‮ ‬2008.‬‮ ‬عادت الآن لتكون الأخيرتان ضواحي كبيرة تضم أحياءً‮ ‬ومدنًا داخل كل واحدة منهما‮. ‬لكن الخريطة لا تكشف لقاء الخمس محافظات،‮ ‬ولا صدرت واحدة أحدث تكشف ضمورهما لضواحٍ‮.‬
سألتُ‮ ‬مهندس المساحة المسؤول عن الخرائط إذا كانت هناك خريطة للعاصمة الجديدة،‮ ‬فأكد علي عدم وجودها،‮ ‬لأنها لم تبني بعد‮. ‬
معك حق،‮ ‬لكنني أقصد موقعها‮. ‬قلتُ‮ ‬موضحًا‮.‬
فعندنا مشكلة أن أحدث خريطة كانت عام‮ ‬2009‮ ‬ولم تصوّر كل القاهرة‮!‬
خيالية وذكية
من ناحية أخري لا توجد خرائط تفصيلية‮ ‬للعاصمة المرتقبة،‮ ‬وإنما مجرد حكايات عن مدينة خيالية‮. ‬
ستتشكل العاصمة الجديدة عند تقاطع ثلاثة طرق رئيسية في صحراء السويس أولها الطريق الدائري الإقليمي وطريقا السويس والعين السخنة‮. ‬وجدتُ‮ ‬بالبحث عبر خدمة خرائط جوجل أن هذه المنطقة تقع ضمن الحدود الإدارية لمحافظة القاهرة‮. ‬
كما رسمت الدعاية المصاحبة لهذا المشروع أحلامًا وردية،‮ ‬ستعمل بالطاقة المتجددة،‮ ‬وتحيط بها الحدائق الخضراء وتخصص مساحة لمطار جديد،‮ ‬إلي جانب النشاط الاقتصادي الكبير وتوفير فرص عمل كثيرة‮.‬
كما يصعب تخيل مستقبل المدينة،‮ ‬خاصة مع عدم توافر صورة دقيقة عن حاضرها‮.‬
بينما يكشف الموقع الإليكتروني للعاصمة عن السعي لجعلها مدينة ذكية‮!‬
سيسكن هذا الحلم حوالي‮ ‬5‮ ‬ملايين ساكن،‮ ‬ومساحته المتوقعة‮ ‬700‮ ‬كيلو متر،‮ ‬سيخصص‮ ‬91‮ ‬منها لتوليدالطاقة المتجددة،‮ ‬ليست الشمسية فقط أو الرياح وإنما لطاقة المياه كذلك‮.‬
ستصنع البني التحتية للمدينة الجديدة المياه وتعيد استعمالها،‮ ‬وتجعلها صالحة،‮ ‬حسب الموقع‮. ‬
تحيط المبالغة بقوة بشأن كل ما يرتبط بالعاصمة الجديدة،‮ ‬بداية من"إعادة تدوير النفايات العضوية لتنمو وتزدهر المأكولات المحلية والصحية‮".‬
إذا كانت خرائط المستقبل،‮ ‬وقبله الحاضر،‮ ‬غير متوفرة فربما تخبرنا الخرائط التاريخية‮.‬
استكشافات
حينما توجهتُ‮ ‬إلي الجمعية الجغرافية،‮ ‬المؤسسة في عام‮ ‬1875لم يعرض عليّ‮ ‬من أرشيفها المكوّن مما يزيد علي‮ ‬12‮ ‬ألف خريطة،‮ ‬وأكثر من‮ ‬600‮ ‬أطلس إلي جانب الكتب والأبحاث العملية إلا مجموعة محددة من الخرائط كانت موضوعة بالفعل علي طاولة بقاعة المكتبة بالطابق الأول من المقر ذي الطابقين‮.‬
تخص هذه الخرائط منطقة خليج العقبة،‮ ‬وتكشف موقع كل من جزيرتي تيران وصنافير‮. ‬تتنوع بين كونها صادرة عن جهات رسمية مصرية أو من البحرية الملكية البريطانية‮. ‬
ستصدر هذه الخرائط فيما بعد في كتاب عن الجمعية بعنوان‮ "‬الجغرافية السياسية لمدخل خليج العقبة وجزيرتي تيران وصنافير‮" ‬يضم مستنسخات من هذه الخرائط،‮ ‬ويؤكد مؤلفاه السيد السيد الحسيني وفتحي أبو عيانة أن الجزيرتين سعوديتان‮!‬
لماذا يهتم صحفي مثلك بالخرائط؟‮ ‬
سئلتُ‮ ‬هذا السؤال داخل الجمعية،‮ ‬حينما أردت رؤية خرائط عن تاريخ وتطوّر القاهرة‮.‬
مع الأسف أنا مهتم،‮ ‬أجبتُ‮.‬
أُسست الجمعية الجغرافية المصرية بمرسوم ملكي من الخديو إسماعيل لكشف وتعريف العالم بأفريقيا وبلدانها،‮ ‬ولتلبي هذه الجمعية نزوعًا مصريًا نحو المغامرات والاكتشافات الجغرافية‮. ‬
كما سبق لها أن لعبت دورًا بارزًا في مسألة التحكيم الدولي بين مصر وإسرائيل بشأن مدينة طابا،‮ ‬الواقعة علي خليج العقبة‮. ‬صدر حكم محكمة جنيف الدولية لصالح مصر في سبتمبر‮ ‬1988،‮ ‬نتيجة لما وفرته هذه الجمعية من خرائط ووثائق‮.‬
تقع الجمعية داخل مساحة محاطة بالأسوار،‮ ‬ضمن منطقة مجلس النواب‮. ‬لا يسمح لأحد بدخولها إلا بعد الحصول علي إذن من حراس البرلمان‮.‬
مرّ‮ ‬أكثر من شهرين علي الزيارة،‮ ‬وطوال هذه المدة كنتُ‮ ‬أحاول مع المسئولين الدخول مرة ثانية من أجل رؤية خرائط القاهرة والحصول علي نسخ منها،‮ ‬لكن استمرت الوعود والتأكيد علي دراسة الأمر بلا نتيجة تذكر‮.‬
وجبة التاريخ والجغرافيا
في حوار بواحد من مسلسلات صانعَي‮ ‬الدراما الراحلين الكاتب أسامة أنور عكاشة والمخرج إسماعيل عبد الحافظ‮ (‬أرابيسك‮- ‬1994‮) ‬يتحدث مدرس التاريخ وفائي مع دكتور الفيزياء الأمريكي المصري حول التاريخ والهوية أن مصر كانت معدة هضمت كل شيء وقدمت رؤيتها الخاصة عن نفسها‮.‬
يُطرح سؤال الهوية بالتزامن مع إرهاب التسعينيات وسيطرة الولايات المتحدة كقوة عظمي منفردة علي العالم،‮ ‬وفي الوقت نفسه يجعل العمل من فيلا الدكتور برهان مسرحًا لمناقشة هذه الهوية الممتدة لخمسة آلاف عام‮.‬
يقرر صاحب الفيلا العودة لبلده وتأسيس بيت مصري،‮ ‬وحتي يقوم بذلك يجب أن يعبر البيت عن تاريخ مصر بالكامل فكريًا وفنيًا‮. ‬
يتحوّل البيت إلي رمز للهوية،‮ ‬بينما يبدو حسن أرابيسك كفيلسوف يوجه الجمهور،‮ ‬في لحظة صعبة،‮ ‬نحو الهوية المفقودة وسط متاهة ويقرب الناس من معرفة أنفسهم داخل هذه المتاهة‮. ‬
نتابع محاولات أرابيسك لتصميم بيت يعبر عن مصر‮. ‬يزيح الشركاء في العملية ليكون المسئول الوحيد عن العمل،‮ ‬ويتولي التوفيق بين فنون كل عصر.يُدخِل الروماني بالإغريقي مع الإسلامي والفرعوني ليتقاطع ذلك مع الفاطمي والمعاصر‮. ‬محاولة مصطنعة لتوليف فسيفساء التعايش السلمي،‮ ‬حيث تتجاور‮ ‬غرفة منتمية لطراز تاريخي مع أخري‮.‬
لا يستمر الأمر علي هذه الشاكلة‮. ‬يحقق حسن فلسفة أستاذه وفائي،‮ ‬لكن بشكل عنيف حيث يهدم البيت بالكامل،‮ ‬ليصنع ما هضمه هو من التاريخ في بناء جديد‮.‬
أفكر أن خريطة القاهرة قد تبتلع العاصمة الجديدة،‮ ‬لتصبح حيًا معاصرًا‮.‬
لا نملك خرائط للمستقبل،‮ ‬وأخري واضحة للحاضر،‮ ‬بينما تتحرك المدينة،‮ ‬التي نعيش بها‮.‬
يبدو مصير العاصمة وأهلها لغزًا‮.‬
هل سينتقل الناس إلي المركز الجديد لصناعة زحامه أم يعتمدون علي قربهم النسبي منه إذا سلكوا المحور المروري،‮ ‬أم يتركون القاهرة تتحرك وتضم الجديد إلي القديم؟
في جميع الأحوال سنري كيف سترسم خريطة المستقبل‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.