بعد أن تحدثنا في مقال سابق عن المسيحيين في عيون المسلمين، وبينا أن هؤلاء لهم مكانة خاصة ذات قدر، واحترام، وأنهم أقرب الناس إلينا كما علمنا كتاب ربنا -جل في علاه-، وبهم : أوصي نبينا -عليه الصلاة والسلام- من قبل أن تُفتح مصرقائلا :- (الله الله في قبط مصر فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة، وأعوانا في سبيل الله... فاستوصوا بهم خيرا )..إلي غير ذلك من المواقف الداعمة للترابط الأخوي بين المسلمين والمسيحيين، والتي ألقينا الضوء عليها سابقا: فإننا نؤكد في هذا المقال- بعون من الله تعالي : أن قوة هذا الترابط، والتعاون تُستمدُ من مدي المحبة التي يكنّها المسلمون لمريم، والمسيح عليهما السلام، فالإسلام كرم هذه البتول العذراء، وشهد لها بالعفة، والطهر، والكرامة، وأعطاها شهادة الصدّيقيّة مختومة بخاتم الحق: ( وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام)- المائدة /75- بل وصم كل من تعرض لسمعتها، وتطاول علي عفتها، وأراد أن ينتقص من كرامتها من أبناء جلدتها من اليهود وصمهم بالكفر، وشنّع عليهم، ووصف أقوالهم في شخصها الكريم بالكذب، والبهتان العظيم.قال تعالي : ( وبكفرهم وقولهم علي مريم بهتانا عظيما ) النساء / 156- بل جعل هذه الطاهرة، وابنها الكريم آية من آيات الله تعالي يتعبدُ بذكرها المسلمون في العالم بوجه عام، وفي مصر بوجه خاص، ولا نقول ذلك جزافا، ولا مجاملة لأحد، بل نقوله، ونردده، ونتعبد به بأمر من ربنا - جل في علاه- قال جل ذكره: (وجعلنا ابن مريم وأمه آية وأويناهما إلي ربوة ذات قرار ومعين ) المؤمنون /50- وأوضح المفسرون من أهل الإسلام : أن هذه الربوة مكانها في مصر، وهي قطعة سياحية بها أنقي أنواع الأكسجين، وتحتها تجري المياه العذبة، وفوقها جلس المسيح، وأمه، وتمتعا بهواء مصر، وأكسجينها، وعاشا فيها سنوات بأمن، وآمان فرارا من هيرودس الملك الظالم أنذاك، فمصر، وأهلها كرّموا المسيح، وأمه قديما، فكيف لا يوقرون اتباعهما حديثا، وفي كل زمان، ومكان، فمن يقل إن مصر يعيش المسيحيون، والمسلمون فيها في قلق، وفتن، وطائفية : لا يُدركون مكانة المسيحيين في عيون المسلمين، ولا مكانة المسلمين في عيون المسيحيين.. فالعذراء أم المسيح مريم الطاهرة سُجلت سورة في كتاب الله عز وجل باسمها، ويتمتع المسلمون بتلاوتها، ويطّلعون علي عظيم سيرتها، ويشهدون بحسن سلوكها، وعفتها، ويتعبدون، ويتقربون باسمها إلي الله تعالي، ولم تجد مصريا يعترض علي ذلك، ويطالب بوجود سورة لعائشة، ولا خديجة، ولا أم سلمة، ولا غيرهن من أزواج النبي -صلي الله عليه وسلم- مع كونهن أمهات المؤمنين، وذلك لعلمهم أن رب الأرض، والسماء هو: منزل القرآن، ولا دخل فيه لرسولنا إلا التصديق، والتبليغ.. فلا غضاضة أن تكون لمريم هذه المكانة العالية في قلوب المسلمين، والمصريين. بل بلغ حب المصريين المسلمين في اسم مريم : أنك لا تجد أسرة- تقريبا إلا وفيها اسم مريم : تقديرا، وتوقيرا لها، ولمحبيها في كل مكان..، بل يعلم المسلمون المصريون، وغيرهم أن العقيدة الإسلامية لم تقف حدودها عند توقير مريم فقط، بل احترمت عائلة مريم، وجعلت هناك سورة لهذه العائلة أيضا تُسمي : ( سورة آل عمران) وفيها سجل مشرف كامل لأم مريم: المرأة الصالحة، والتي قالت: ( رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم ) آل عمران / 35- وكان ما في بطنها :هذه العفيفة العذراء البتول، والتي اصطفاها ربها : مرتين بنص القرآن: ( يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك علي نساء العالمين يا مريم... ) آل عمران - 42- 43- والاصطفاء يعني الاختيار، والاجتباء من بين البشر لمهمة صعبة، وجليلية يُقدّرها : رب البشر.. فمريم اجتباها المولي، واصطفاها اصطفاء أوليا يشاركها فيه عائلتها، وغيرها من الرجال، والنساء، ثم اصطفاها : اصطفاء خاصا بها لا يشاركها فيه أحد من الرجال، ولا النساء حتي نساء نبينا- صلي الله عليه وسلم - ( واصطفاك علي نساء العالمين يا مريم ).. كل ذلك يستقر في قلب المسلم تجاه أم المسيح.... ، بل كافل أم المسيح سيدنا زكريا له مكانة أيضا في قلوب المسلمين جميعا، والمصريين خاصة ، ومن يتجاوز، ولو بشطر كلمة تجاه المسيح، وأم المسيح، وعائلة أم المسيح، وكافل أم المسيح، واتباع المسيح لدي المصريين خاصة، والمسلمين عامة يكون قد ارتكب جُرما كبيرا، وبهتانا عظيما.. وكيف يجرؤعلي ذلك، ورسول الحق يشهد لمريم شهادة لا تعلوها شهادة، وهي شهادة كمال، واحترام، وتقدير تقدمت به علي نساء النبي -عليه الصلاة والسلام- ويطلع المسلم علي ذلك ليلا ونهارا في قوله عليه الصلاة والسلام: (كمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد،وفاطمة بنت محمد ) -صلي الله عليه وسلم - فجعل مريم في المرتبة الأولي، وآسية في الثانية، وزوجته خديجة في الثالثة، وابنته في الرابعة،،، بل أبلغ المسلمين في موضع آخر: أن مريم مُقدّمة في الجنة علي أعز نسائه - وهي خديجة فقال : ( خير نساء الجنة مريم بنت عمرآن، وخير نساء الجنة خديجة بنت خويلد ).. يا الله!!. ما هذا الإنصاف، والعدل، والتوقير من نبي كريم: لأم نبي عظيم، كان، وأمه آية في العالمين، وهل يوجد في دنيا الناس من ينصف الناس بهذا الإنصاف الراقي الذي لا يوجد له شبيه، ولا نظير بين البشر ؟!. لذا يُخطئ من يتقوّل علي مسلمي مصر بأنهم في صراع دائم مع إخوانهم، وأقرب الناس إليهم، وهم أتباع، وعشاق مريم البتول، وعيسي الوجيه، فالمصريون يشاركونهم بكل قوة في هذا العشق، والحب، ولا يقبلون بمن يفرق بينهم، ويحاول إشعال نار الفتنة في القري، والنجوع باسم الدين هنا، أو هناك.. فالدين لا يدعو إلا إلي المحبة، والتعاون، ونشر الأمن، والسلام، ونقاط الالتقاء بين أبناء الشعب الواحد، والتي تتمثل في المحبة للرموز، وحسن التعايش، والمعاشرة : متعددة، ووفيرة، وعليها أكد الكتاب المقدس. وأقرها القرآن الكريم،، وطالما كل منا يفهم حقيقة ما في الكتابين فهما حسنا، ستظل مصر آمنة مطمئنة بأهليها، وفضل ربها إلي يوم القيامة. وعن المسيح وتعاليمه في عيون المسلمين يكون المقال القادم - بإذن الله-