يحكي فيلم »أبناء الصمت» (1974) عن جنود حرب الاستنزاف، مابعد هزيمة 1967 وحتي انتصار 1973، حين كان الصمت، علي العار، ثقيلا، لكل بطل في الفيلم عالمه الخاص، وحياته الشخصية، ومعتقداته، لكنهم يلتقون جميعا علي حلم واحد؛ حلم المعركة، والانتصار، يلتحم الشخصي بالعام ليحقق المعادلة الوحيدة القادرة علي الصمود والخروج من الفشل، وإبدال الانتصار به. تذكرت الفيلم وأنا أتابع المذيع الداخلي معلقا بالإنجليزية علي مباراة »الكرة الطائرة»، بين الفريق المصري والروسي في أوليمبياد »ريو دي جانيرو»، مندهشا: »يالها من هزيمة ساحقة!»، بينما يصيح المدرب في لاعبيه: »ياللا يارجالة!» الهزيمة الساحقة، التي أدهشت المعلق، طالتنا في كل الألعاب تقريبا، لولا هدية السماء المبعوثة إلينا في برونزية البطلة »سارة سمير» والبطل »محمد إيهاب»، اللذين غردا خارج سرب البعثة، وحفظا لنا شيئا من »ماء الوجه»! الهزيمة الواضحة المخزية ليست لأننا »انهزمنا» ولكن لأننا انهزمنا بهذه »الطريقة»، والرسالة التي أرسلتها لنا »سارة سمير» هي رسالة فيلم »أبناء الصمت»، الفتاة التي »أجلت» حلمها الشخصي بالنجاح في الثانوية العامة، لتدمجه بحلم التمثيل »المشرف» لبلادها، دون »تمحك»،أو تبرير للفشل بالضجيج الذي صاحب امتحانات الثانوية، بدا الهدف »واضحا» تماما، للفتاة الصغيرة، ولولا أنها حصلت علي »البرونزية»، لما عرف بمشكلتها أحد (حسب تصريح متحدث وزارة التعليم نفسه)، ولدفعت الثمن وحدها، عاما من عمرها في الإعادة. والرسالة التي أرسلها لنا محمد إيهاب، الموظف البسيط، هي العمل علي تطوير ذاته، تحت ظروف شديدة القسوة، ودون ضجيج إعلامي، أو تشوش ذهني، استطاع الاثنان أن يوصلا رسالة العمل في صمت، رسالة »الدأب» و»المثابرة» وحمل شعلة رباعي مصر العظماء، وقبل كل ذلك رسالة حب »الوطن» لاغير. لقد خاض »أبناء الصمت» معركتهم، بشرف، أمام »أبناء الضجيج»، والضجيج، لمن نسي معناه من كثرته: هو اختلاط الأصوات وجلبتها، وصياحها، فلا نتبين منها صوتا محددا، وهذا ماحرصت عليه »بعثتنا» للأسف، بدءا من رفع أحد لاعبيها علم السعودية في الاستعراض الرسمي للبعثة، دون عقاب، إلا من عتاب رقيق! وقبول تبرير مافعله بأنه لم يطق أن يجد اسم الجلالة عليه ملقي علي الأرض، فحمله ولوح به! وأنا أصدقه تماما، لا لشيء إلا لأنه ابن من أبناء الضجيج، لايعرف هل هو ذاهب في بطولة رياضية، أم ذاهب لإعلاء راية الإسلام! ولأن المثل المصري يقول: »صاحب بالين كداب»، فقد خرج اللاعب بضجيجه وتشوشه من التصفيات الأولي، مثله مثل اللاعبة التي صرحت أن »الحجاب» لايمنعها من ممارسة رياضة »الكرة الشاطئية»، ليخرج فريقها من التصفيات الأولي أيضا، بعد ضجة »إعلامية» ونقاش صاخب لم يدر، كالعادة، حول مستوي الأداء المتدني، وإنما عن فضيلة ارتداء الحجاب! ليتحول، بقدرة قادر، النقاش الرياضي إلي جدل »ديني»، يلهينا عن تأمل المستوي الحقيقي لتمثيل الوطن لأولئك اللاعبين، أو يتحول النقاش الرياضي إلي مباراة سياسية، كما حدث مع لاعب الجودو، المهزوم في »طرفة عين»! من اللاعب الإسرائيلي، ثم الرافض مصافحته، فتهلل له الحناجر، ليصير »بطلا قوميا» خارج قواعد الرياضة وآدابها ونجاحاتها أيضا، لا لشيء إلا لتشوش الدور المنوط به في عقله، فلم يطلب منه أحد أن يمثل مصر كمعارض سياسي، بل كان مطلوبا منه شيء بسيط هو أن يمثل مصر »رياضيا» علي نحو مشرف، فقط! وأن يحيي خصمه المنتصر، بانحناءة، أو يعتذر، منذ البداية، عن خوض المنافسة، ويدفع ثمن موقفه، كماكانت سارة ستدفعه، لولا الفوز، بدلا من جعل رقبتنا »قد السمسمة» في محفل دولي، لايفهم مغزي »القمص»وإهانة الملاعب! أما وقد عدنا »بخفي حنين» فعلي هواة »الطبطبة» علي الفشل، أن يتعلموا درس»أبناء الصمت»، ولايرفعوا »عقيرتهم» بإعلاء راية الإسلام، والجهاد ضد العدو الصهيوني، وأن يخوضوا المعارك كأبطال »رياضيين» يمثلون وطنهم، لا»كأبطال من ورق» في مسلسلات دينيةأو سياسية!