تخرج أحمد مهني في كلية التجارة جامعة حلوان، نشر مجموعته القصصية الأولي بعنوان "اغتراب" وصدرت منها أربع طبعات ثم أتبعها بكتاب "مزاج القاهرة" الذي تم تصنيفه تحت فئة أدب الاعتراف وصدر منه عشر طبعات حتي الآن. دخل إلي عالم الرواية في يناير 2015 بروايته الأولي "سوف أحكي عنكِ" التي لاقت رواجاً جماهيرياً لافتاً، إذ صدرت طبعتها التاسعة والعشرون منذ أسابيع قليلة، وسط دهشة الكاتب ودار النشر معاً إزاء هذا النجاح الكبير وغير المتوقع. تحكي الرواية قصصاً عاطفية تنتهي بنهايات فاشلة، ويشير فيها الكاتب إشارات تاريخية فيتحدث عن أزمة مارس 1954 الشهيرة، ويحكي عن فترة السادات وانفتاحه الاقتصادي.. يحكي مهني عن تلك الإشارات التاريخية، وحالة الاغتراب النفسي المسيطرة علي جو الرواية وأشياء أخري كثيرة في هذا الحوار. مجموعة قصصية ثم كتاب من فئة أدب الاعتراف ثم رواية.. هل ما زلت تبحث عن نفسك أدبياً؟ نشرت مجموعتي القصصية الأولي "اغتراب" وكانت مجموعة متصلة منفصلة تحكي قصة البطل علي فترات زمنية مختلفة بحيث تصبح كل قصة وكأنها مستقلة بذاتها، بيد أن خيطاً رفيعاً كان يربط بينها ويضعها في النهاية داخل إطار واحد وهو قصة البطل وكنت أحاول فيها أن أتعمق داخل النفس الإنسانية لاكتشاف بواطنها وكشف خباياها، ولا أدعي أنها حققت نجاحاً جماهيرياً بالشكل المطلوب، رغم صدورها في أربع طبعات، وبسبب ذلك ترسخت لدي قناعة، وقتها، أن الكتابة الجادة لا تأتي بالجماهير. بعد ثورة يناير اقترح عليَّ صديقي الدكتور والروائي أحمد سلامة، صاحب رواية محطة الرمل، أن أضع تدويناتي ومقالاتي في كتاب، ولم أكن أري منطقاً في ذلك، إلا أنه كان متحمساً للفكرة وكانت له وجهة نظر في جمع المقالات بشكل معين، وصدر الكتاب تحت عنوان "مزاج القاهرة" وحقق عشر طبعات ولاقي رواجاً جماهيرياً لافتاً. وماذا عن "سوف أحكي عنكِ"؟ بدأت كتابة الرواية في 2009 إلا أن فكرتها كانت تشغلني وتسيطر عليّ منذ عام 2006 ونشرت أولي فصولها في 2009 علي شبكة الإنترنت، ثم توقفت فترة إلي أن عدت للكتابة مجدداً ولكن بشكل متقطع، ولم أكن مهتماً أثناء الكتابة بما سوف يحدث بعد نشر الرواية، أقصد هنا عدد الطبعات واستقبال الجمهور للرواية، لأني لا أكتب من أجل شيء أو من أجل أحد، ولكني لا أخفي أني فرحت فرحة لا توصف عندما وجدت الرواية تحقق كل هذا الرواج وتنفد طبعاتها الواحدة تلو الأخري، إذ أنها خلال عام ونصف فقط حققت 29 طبعة. لماذا تكتب إذن؟ أنا لا أكتب للانتصار الأدبي، ولا أكتب للجماهير، ولا تهمني الجوائز كي أكتب من أجل مغازلة إحداها، ولكني أكتب لأنني أتداوي بالكتابة، فكل ما أشعر به من أسي أو فرح أو أمل أو يأس، أكتبه بإيعاز من مكنونات النفس التي تترسب فيها أشياء كثيرة إما أن تدفعني إلي الاكتئاب وإما إلي الانطلاق وفي الحالتين لابد أن أكتب، ولذلك أنا أقول أنني أكتب لنفسي لا لشيء آخر. جاءت اللغة فصحي ممزوجة العامية.. لماذا لم تكتف بعامية الحوار؟ وجدت أنه من المناسب أن يدور الحديث علي لسان الشخصيات كما يمكن أن يحدث في الواقع. أعرف أن الصواب والأفضل أن نكتب بالفصحي ولكن هناك مواقف لم أجد فيها بداً من اللجوء للعامية كي تتاح لكل شخصية فرصة التعبير عن نفسها وعما يجول بخاطرها في راحة تامة، هناك لحظات معينة وخاصة جداً تحتاج فيها الشخصية أن تتحدث كما يحلو لها، وتقول كلام دون ترتيب، دون تفكير فيما يجب وما لا يجب. في النهاية لم أكتب المواضع لأن تكون فصحي. تحدثت عن علاقات عاطفية فاشلة، وناقشت أزمة مارس 1954 وعرجت علي فترة حكم السادات. وجدتك تريد أن تقول كل شيء وكأن القدر لن يمهلك فرصة ثانية لكتابة رواية أخري؟ يجيب ضاحكا: هذه حقيقة. بعد ثورة يناير تسارعت وتيرة الأحداث، الرواية تتحدث عن قصص عاطفية وتجارب إنسانية، ولكن ما حدث في يناير وما تلاها جعلني محملاً بكم كبير من الكلام الذي لابد أن يقال، ولابد أن يسطر علي الورق. كنت أريد أن أتحدث عن كل شيء، أن أقول وأقول، وكأني لن أكتب ثانية وهذه ملاحظة صحيحة تماماً، فأنا قد أتوقف في فترة ما عن الكتابة ولا أعلم متي تكون العودة. طبيعة الشخصيات التي تناولتها في الرواية كان لها دور هي الأخري، فلديك شخصية عم شاهين، الرجل العجوز، الذي يجب أن يذكر حوادث تاريخية عندما يحكي عن تاريخه ما وقع له في الماضي، وبالتالي كان من السائغ أن يكون أحد جنود سلاح الفرسان الذي انتهي إلي غير رجعة وتم استبداله بسلاح المدرعات عقب أزمة مارس الشهيرة في عام 1954 . ما الهدف وراء الإشارة في أكثر من موضع إلي فترة الصراع بين الرئيسين ناصر ونجيب؟ تعتبر هذه الفترة وما حدث فيها وما تلاها من أخطر الفترات في تاريخ مصر، والحديث فيها وعنها كبير ولم ينتهِ بعد، ولا أظن أن أحداً قد قال فيه القول الفصل، ولكن فترة كهذه لا تزال تتطلب الجهد والبحث المضني من أجل الوصول إلي حقيقة ما كانت عليه الأمور في ذلك الوقت البعيد، لذلك وجدت أن ألقي الضوء علي هذه الفترة. ولكنك لم تقل فيها شيئاً جديداً بمعني أن حذفها لن يضير العمل شيئاً.. كانت طبيعة شخصية عم شاهين هي التي فرضت ذلك، هو رجل كبير في السن، يحب أن يحكي عن ماضيه وهذا الماضي لابد وأن تدور أحداثه في فترة الخمسينيات والستينيات، وهكذا وجدت الفرصة مناسبة كي أقول شيئاً بخصوص أزمة مارس، رغم أني لم أقل شيئاً جديدا ولكني أردت الإشارة إلي تلك الفترة لأهميتها وتأثيرها علي ما تلاها من أحداث. هناك حالة من الاغتراب النفسي تسيطر علي جو الرواية.. لماذا؟ هي حالة عامة، الأوضاع لا تشي بفرح كبير وسعادة متوقعة. أصبحنا نعيش وسط ظروف قاسية وأحداث يومية طاحنة لا تمهل الإنسان فرصة أو وقتاً لعمل شيء مبهج. حالة الثورة غيرت الكثير وخلقت واقعاً جديداً، وأصبح الجميع يتحدثون في السياسة والأمور اليومية وما تواجهه البلاد من مشاكل وما يعتريها من أزمات، بالإضافة إلي الحياة العادية للأشخاص وما فيها من صعوبات ومآزق نفسية. قصة الدكتور وما واجهه في حياته من عقبات وانتكاسات ليست بدعاً، ولكنها موجودة علي نطاق واسع في الواقع، كما أن قصة صديقه مجدي، الصحفي الذي دخل الجريدة وعمل بها عبر طرق ملتوية، بخلاف قصته العاطفية مع مريم وما شابها من توتر وخلافات وأزمات كبيرة وكثيرة. كل هذه القصص موجعة ومنتشرة بكثرة، ولا يوجد أحد منا لم يمر بقصص كهذه أو لم يسمع من قريب له أو صديق عزيز مثل هذه الحكايات ومثل هذه النهايات. ما الجديد عندك؟ لديَّ فكرة رواية كبيرة، قد تأخذ مني سنوات لكتابتها، بخلاف بحث ضخم سوف أقوم به قبل أن أشرع في الكتابة. رواية عن فلسطين ما قبل نكبة 1948، وهذا يتطلب مني أن أزور فلسطين وتركيا والأردن، كي أتكلم مع الناس هناك وأري بنفسي الأماكن كي أتمكن من وصفها بشكل واقعي حقيقي، إذ أنها رواية تاريخية تدور أحداثها في فترة زمنية معقدة وتتطلب جهداً كبيراً، وإلي أن يتم البحث وأتمكن من زيارة هذه الدول، سأعمل علي ثلاث روايات أخري تحضرني أفكارها ومستعد لكتابتها، والأهم عندي دائماً هو الفكرة التي تتكون منها قصتي، وها هي الأفكار موجودة، وتعتبر روايتي الجديدة " ساعتان وداع " هي مشروعي الذي أعكف علي كتابته الآن. ومتي تصدر؟ أعمل علي هذه الرواية وقريباً أنتهي منها وقد تصدر خلال معرض الكتاب القادم، وهي رواية صغيرة الحجم لا تتجاوز صفحاتها المائة صفحة، تحكي قصة شاب وفتاة بينهما علاقة عاطفية ولكنهما يقرران الانفصال. تبدأ الرواية بمشهد يجمع بينهما يتحدثان خلاله عن استحالة العودة إلي ما كان، ومن هنا تبدأ الحكاية.