أثناء تواجدي بمكة المكرمة -لاداء العمرة في النصف الأخير من شهر رمضان الفائت- أهداني أمين مكتبة الحرم المكي- كتيبا بعنوان »قضايا الأمن الفكري من منبر الحرم المكي» وهو محاولة للتصدي للغزو الفكري المتتابع ضد الشريعة الاسلامية وما نجم عنه من ارهاب وغلو وتطرف وقد قامت الرئاسة العامة لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي- بانشاء وحدة للأمن الفكري تعني بالاهتمام بهذا الموضوع من خلال جمع الخطب المتعلقة بالأمن الفكري والتي الغيت من منبر الحرم المكي الشريف والتي تعالج الانحرافات والخلل في الأفكار والتصورات- وذلك بترسيخ منهج الوسطية والاعتدال وتصحيح المفاهيم وضبط المصطلحات الشرعية وتنقيتها مما خالطها من شوائب. وقد دعا إلي ذلك الدكتور الشيخ عبدالرحمن السديس الرئيس العام لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي- كما دعا أهل العلم وحملة الاقلام والفكر للاضطلاع بمسئولياتهم في ذلك لتقرير الوحدة الاسلامية والتصدي لكل الحزبيات والتطرف الطائفي بفكر معتدل متوازن وقد حوي الكتيب خطبا لائمة الحرم المكي تتعلق بتنظيم الدفاع في الاسلام والتنفيذ من خوض غمار التكفير والغلو والارهاب ووضع ضوابط للتفكير والحقيقة. ان الحزن ينتابني مما أشاهده علي شاشات التلفاز حيث تتعرض المجتمعات الاسلامية لموجة من الغزو الفكري المصادم لشريعة الاسلام تلعب بقلوب وعقول بعض الشباب وتغرر بهم في آتون الارهاب نتيجة التطرف والغلو- انهم يتهمون العلماء والحكام بالضلال والكفر، والمعلوم ان مسألة التكفير من المسائل الخطيرة التي لها آثارها العظيمة التي تؤدي إلي القتل والفوضي وإهدار الحقوق والدمار؟! فالخوارج كانوا اهل عناد- قتلوا الخلفاء زاعمين ان هذا هو طريق الاصلاح وشوهوا صورة الاسلام بما اثبتوه من غلو في الدين وهو ظلم للنفس والناس.. وآثاروا الفتن بين الطوائف وسفكوا الدماء فمصير الغلاه هو الهلاك بنص حديث الرسول صلي الله عليه وسلم »هلك المتنطعون.. هلك المتنطعون».. ان مسئولية مجابهة هذا الفكر المتطرف مسئولية عظيمة فالجميع في سفينة واحدة ومن خرقها أغرق الكل.. ان التهاون »التساهل» يؤدي إلي انفلات وفوضي ولهذا فإن الاحساس بالخطر علي الدين والاهل هو الامر الذي يجب ان يستشعره الجميع ليكونوا أكثر حيطة وحذرا. ان الامة الاسلامية تعيش الآن بين فتن وحروب اهلية وصداع بين الطوائف استغلها أعداء الاسلام مما يوجب الوعي والادراك لما يحاك بهذه الامة من مؤامرات تعيث بأمنها واستقرارها ، لقد رسم القرآن منهج الخطاب الديني في آية كريمة »حيث قال عز وجل »ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن» النحل 125. فهذه الآية خطاب للنبي ولكل من يأتي بعده- فالخطاب الديني الذي تريده ان يسود وتتضافر الجهود في اشاعته بكل الوسائل والاساليب ليس هو مهمة الامام والواعظ والكاتب بل هو مهمة الجميع انه خطاب التنوير والتحرير والتبصير والتذكير والسماحة والتعايش السلمي خطاب بناء يستند إلي القرآن والسنة ويمتاز بالتجديد في اطار اساس العقيدة بعيدا عن الجمود والركود وذلك من خلال الخطب والمحاضرات والتأليف. فالتجديد ضرورة فطرية وبشرية لان الخطاب الحالي مفكك وفردي أدي إلي ظهور »داعش» التي ترفع راية الاسلام والجهاد لإقامة الخلافة الاسلامية وهذه شعارات يتبناها كل مسلم متمسك بدينه ولكن في الوقت الذي ترفع فيه هذه الشعارات لا يقتلون إلا المدنيين والعزل.. هذه المنظمات تتاجر مع الاسف بالشعارات الإسلامية -أنشأنها بعض الاجهزة الامنية والمخابراتية بدول اسلامية وتمولها وتدعمها سرا لخدمة وتحقيق مصالحها في تشويه صورة الاسلام أمام العالم وبالمثل »تنظيم القاعدة» . ان هذا الفكر يحتاج إلي تصدي كما يحتاج البعض إلي تغيير المفاهيم المغلوطة التي تتبناها بعض الجماعات- بان هناك البعض الذي يطبق الاسلام صحيحا والآخرين علي ضلال. ولقد قامت وزارة الاوقاف مؤخرا في محاولة لوأد هذه الافكار المغلوطة والمتطرفة بتوحيد خطبة الجمعة مكتوبة بهدف الالتزام بالموضوع والوقف لمنع الفوضي في الخطاب الديني ونشر الفكر الإسلامي المستنير غير ان بعض الائمة رفض الالتزام بقرار الوزارة رغم اهمية القرار لأن الواجب علي الغيورين من الامة ان تراجع دينها وتصحح مسيرتها لحماية النشء من الافكار الهدامة المغلوطة ولمنع التطرف وهذا الخلاف لاطائل منه يشيع في المجتمع البلبلة وما هكذا يكون حال الامة عند تأجج الفتن.