مرصد الأزهر يستقبل وزير الشؤون السياسية لجمهورية سيراليون للتعرف على جهود مكافحة التطرف    شوبير ام الشناوي.. تعرف على حارس مرمى الاهلي في مباراة الترجي التونسي    الأرصاد تحذر من موجة حارة تبدأ من اليوم حتى الاثنين المقبل    بعد توقف مولدات الكهرباء.. خروج مستشفى غزة الأوروبي عن الخدمة    هدوء حذر.. سعر الذهب والسبائك اليوم الأربعاء بالصاغة وعيار 21 الآن يسجل هذا الرقم    سلمان رشدي: محاكمة ترامب في قضية منح أموال لشراء صمت ممثلة أفلام إباحية قد تفضي لسجنه    النائب إيهاب رمزي يطالب بتقاسم العصمة: من حق الزوجة الطلاق في أي وقت بدون خلع    تقسيم الأضحية حسب الشرع.. وسنن الذبح    اليوم، التشغيل التجريبي ل 5 محطات المترو الجديدة بالركاب (فيديو وصور)    "بنكنوت" مجلة اقتصادية في مشروع تخرج طلاب كلية الإعلام بجامعة جنوب الوادي (صور)    جناح طائرة ترامب يصطدم بطائرة خاصة في مطار بفلوريدا    الإعلان عن أول سيارة كهربائية MG في مصر خلال ساعات    امرأة ترفع دعوى قضائية ضد شركة أسترازينيكا: اللقاح جعلها مشلولة    عرض فيلم Le Deuxième Acte بافتتاح مهرجان كان السينمائي    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 15 مايو في محافظات مصر    3 قرارات عاجلة من النيابة بشأن واقعة "فتاة التجمع"    بسبب الخلاف على إصلاح دراجة نارية .. خباز ينهي حياة عامل دليفري في الشرقية    المالية تزف بشرى سارة للعاملين بالدولة بشأن مرتبات شهر يونيو    "دوري مصري ومنافسات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    أمير عيد يكشف موعد ألبومه المُقبل: «مش حاطط خطة» (فيديو)    أحمد حاتم بعد انفصاله عن زوجته: كنت ظالم ونسخة مش حلوة مني (فيديو)    سمسم شهاب يترك وصيته ل شقيقه في حال وفاته    وليد الحديدي: تصريحات حسام حسن الأخيرة غير موفقة    «تنمية وتأهيل دور المرأة في تنمية المجتمع».. ندوة لحزب مستقبل وطن بقنا    أمين الفتوى: الصلاة النورانية لها قوة كبيرة فى زيادة البركة والرزق    عاجل - مبTHANAWYAاشر.. جدول الثانوية العامة 2024 جميع الشعب "أدبي - علمي"    شوبير: الزمالك أعلى فنيا من نهضة بركان وهو الأقرب لحصد الكونفدرالية    الهاني سليمان: تصريحات حسام حسن تم تحريفها.. والتوأم لا يعرف المجاملات    كاف يهدد الأهلي والزمالك بغرامة نصف مليون دولار قبل نهائي أفريقيا | عاجل    نشرة أخبار التوك شو| تصريحات هامة لوزير النقل.. وترقب لتحريك أسعار الدواء    قيادي ب«حماس»: مصر بذلت جهودا مشكورة في المفاوضات ونخوض حرب تحرير    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 15-5: نجاحات لهؤلاء الأبراج.. وتحذير لهذا البرج    الأزهر يعلق على رفع مستوطنين العلم الصهيوني في ساحات المسجد الأقصى    مصطفى الفقي: معادلة الحرب الإسرائيلية على غزة تغيرت لهذا السبب    بوتين: لدى روسيا والصين مواقف متطابقة تجاه القضايا الرئيسية    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعلنا ممن تفاءل بخيرك فأكرمته ولجأ إليك فأعطيته    وزير الرياضة: نمتلك 5 آلاف مركز شباب و1200ناد في مصر    سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق اليوم الأربعاء 15 مايو 2024    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    أثناء عمله.. مصرع عامل صعقًا بالكهرباء في سوهاج    بدأت باتهام بالتأخُر وانتهت بنفي من الطرف الآخر.. قصة أزمة شيرين عبدالوهاب وشركة إنتاج    وزير الشئون الثقافية التونسي يتابع الاستعدادات الخاصة بالدورة 58 من مهرجان قرطاج الدولي    مواعيد الخطوط الثلاثة لمترو الأنفاق قبل ساعات من بدء التشغيل التجريبي للمحطات الجديدة    تحرير 31 محضرًا تموينيًا خلال حملة مكبرة بشمال سيناء    تراجع سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأربعاء 15 مايو 2024    اليوم.. التضامن تبدأ صرف معاش تكافل وكرامة لشهر مايو    إبراهيم عيسى: من يقارنون "طوفان الأقصى" بنصر حرب أكتوبر "مخابيل"    أسهل طريقة لعمل وصفة اللحمة الباردة مع الصوص البني    بعيدًا عن البرد والإنفلونزا.. سبب العطس وسيلان الأنف    أحمد كريمة: العلماء هم من لهم حق الحديث في الأمور الدينية    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    تعليق يوسف الحسيني على إسقاط طفل فلسطيني لطائرة مسيرة بحجر    نقيب الأطباء: مشروع قانون المنشآت الصحية بشأن عقود الالتزام تحتاج مزيدا من الضمانات    هل سيتم تحريك سعر الدواء؟.. الشعبة توضح    وزير الصحة يزور مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي.. ويشيد بالدمج بين الخدمات الطبية واستخدام التكنولوجيا المتطورة    وزارة الهجرة تشارك احتفال كاتدرائية العذراء سيدة فاتيما بمناسبة الذكرى 70 لتكريسها    جامعة الزقازيق تتقدم 46 مركزا بالتصنيف العالمي CWUR لعام 2024    «أفريقية النواب» تستقبل وفد دولة سيراليون في القاهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللغة ليست مجرد طريقة في الحديث‮ ‬تكشف ‮ ‬عن نظرتنا إلي العالم وطبيعتنا‮ ‬البشرية
ما نفقده في الترجمة

هل اللغات التي نتحدث بها تشكل طريقة تفكيرنا؟ هل تعبر عن الأفكار فقط،‮ ‬أم تقيم هياكل لغوية دون علمنا أو موافقتنا ‮ ‬مشكلة الأفكار ذاتها التي نرغب في التعبير عنها؟
فلنأخذ المثال التالي‮ ‬ هامبتي دامبتي جلس علي‮ ...‬‮ ‬حتي هذا المقطع الصغير المقفي‮ ‬يكشف كم تختلف اللغات من واحدة إلي أخري،‮ ‬في اللغة الإنجليزية نضطر لتحديد زمن الفعل،‮ ‬نقول في هذه الحالة جلس بدلا من ‮ ‬يجلس ‮ ‬في الاندونيسية لست مضطرا لتغيير الفعل حتي تحدد زمنه،‮ ‬في الحقيقة لا‮ ‬يمكنك فعل ذلك‮. ‬في الروسية‮ ‬يجب عليك أن تحدد الزمن،‮ ‬والجنس أيضا،‮ ‬ستغير الفعل إذا كانت مسز دامبتي قامت بالجلوس،‮ ‬وستقرر أيضا إذا ما كان الجلوس حدث وانتهي أم لا،‮ ‬وإذا كان بطلنا جلس علي الحائط معظم الوقت الذي‮ ‬يريده،‮ ‬سيكون شكل الفعل مختلفا عما إن لم‮ ‬يكن‮ ‬يقصد ذلك وسقط سقوطا مريعا‮.‬
أما في اللغة التركية فيجب عليك أن تتضمن في الفعل الطريقة التي حصلت بها علي المعلومة،‮ ‬إذا رأيت صديقك السمين علي الحائط بعينيك،‮ ‬ستستخدم شكلا معينا للفعل،‮ ‬ولكن إذا كنت ببساطة قرأت أو سمعت عن ذلك ستستخدم شكلا مختلفا‮.‬
وفي النهاية هل‮ ‬يحضر متحدثو التركية والروسية والاندونيسية والانجليزية،‮ ‬ويتفاهمون،‮ ‬ويتذكرون تجاربهم بشكل مختلف لأنهم‮ ‬يتحدثون لغة مختلفة؟
هذه الأسئلة تمس كل الخلافات الرئيسة في دراسة العقل،‮ ‬بانعكاساتها الهامة علي السياسات،‮ ‬القانون،‮ ‬الدين،‮ ‬علي الرغم من أن العمل التجريبي علي هذه التساؤلات ليس بكثير حتي وقت قريب‮.‬
والفكرة التي تقول إن اللغة تشكل الفكر اعتبرت لوقت طويل عصية علي الفحص وفي كثير من الأحيان جنونا وخطأ‮. ‬أما الآن أظهرت موجة من البحوث العلمية الجديدة أن اللغة لها تأثير عميق حول الكيفية التي نري بها العالم‮.‬
وتعود الفكرة القائلة بأن اللغات تشكل طريقة تفكيرنا إلي قرون ماضية،‮ ‬حيث أعلن شارلمان‮ »‬‬أن‮ ‬يكون لديك لغة ثانية‮ ‬يعني أنك تمتلك روحا ثانية‮» ‬ولكن هذه الفكرة لم ترق للعلماء عندما اكتسبت نظريات ناعوم تشومسكي في اللغة شعيية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي،‮ ‬اقترح تشومسكي أن هناك قواعد كونية لكل اللغات الإنسانية‮. ‬جوهريا تلك اللغات لا تختلف عن بعضها البعض كثيرا،‮ ‬ولأن اللغات لا تختلف عن بعضها،‮ ‬مرت النظرية،‮ ‬وبات التساؤل حول الاختلافات اللغوية التي تؤدي إلي اختلافات في التفكير بلا معني‮.‬
البحث عن مسلمات لغوية‮ ‬يثمر بيانات مهمة في اللغات،‮ ‬ولكن بعد مرور عقود من العمل لايوجد مقترح أساسي واحد خضع أمام التدقيق،‮ ‬عوضا عن ذلك كشفت اللغويات لغات العالم بشكل أعمق‮ ( ‬7‮ ‬آلاف أو نحو ذلك الرقم فقط جزء مما تم تحليله‮) ‬وبرزت خلافات لا تعد ولا تحصي‮ ‬تستعصي علي التنبؤ‮.‬
بالطبع لا‮ ‬يعني أن الناس تتحدث بشكل مختلف أنهم بالضرورة‮ ‬يفكرون بطريقة مختلفة،‮ ‬لم‮ ‬يبدأ فقط العلماء المطلعين في العشر سنوات الماضية في قياس كيف‮ ‬يتحدث الناس ولكن أيضا كيف‮ ‬يفكرون،‮ ‬وذلك بالتساؤل حول ما إذا ما كان فهمنا للمجالات الأساسية لخبرة مثل الزمان والمكان والسببية‮ ‬يمكن أن تشيده اللغة‮.‬
ولنضرب مثلا علي ذلك البورمبوراو وهو مجتمع السكان الأصليين في أستراليا،‮ ‬لا تستخدم اللغات الأصلية مصطلحات مثل‮ "‬يمين‮" ‬و‮ "‬يسار‮"‬،‮ ‬ولكن كل شيء‮ ‬يتحدثون عنه باتجاهات أساسية مطلقة‮ "‬شمال،‮ ‬جنوب،‮ ‬شرق،‮ ‬غرب‮" ‬وذلك‮ ‬يعني أنك تقول أشياء مثل‮ "‬هناك نملة في جنوب‮ ‬غرب الساق‮" ‬لتقول مرحبا في بورمبوراو،‮ ‬يسأل أحدهم‮: "‬أين تذهب؟‮" ‬قد تكون الإجابة الملائمة‮ "‬الطريق الطويل إلي جنوب وجنوب‮ ‬غرب ماذا عنك‮" ‬إن لم تكن تعرف أي الطريق،‮ ‬لا تستطيع أن تجيب علي كلمة مرحبا‮.‬
حوالي ثلث اللغات في العالم‮ "‬التي‮ ‬يُتحدث فيها في كل أنواع البيئات الطبيعية‮" ‬تعتمد علي الاتجاهات المطلقة للمكان،‮ ‬ونتيجة لهذا التدريب اللغوي المستمر،‮ ‬متحدثو هذه اللغات جيدين بشكل ملحوظ في البقاء في مكان معين والحفاظ علي الطريق الذي سلكوه،‮ ‬حتي في المناظر الطبيعية‮ ‬غير المألوفة‮. ‬ويعتبرهم العلماء‮ ‬يبحرون بطريقة تفوق القدرات الإنسانية،‮ ‬وهذا هو الفارق الكبير،‮ ‬طريقة في تصور المكان مختلفة جذريا،‮ ‬وهم مدربون لغويا‮.‬
الاختلافات حول كيف‮ ‬يفكر الناس بشأن الزمن لا‮ ‬ينتهي عند هذا الحد،‮ ‬الناس تعتمد علي المعرفة المكانية لبناء تمثلات أخري أكثر تعقيدا وتجريدا تشمل الزمان،‮ ‬الأرقام،‮ ‬النغمة الموسيقية،‮ ‬علاقات القرابة،‮ ‬الأخلاق،‮ ‬المشاعر،‮ ‬لذا في حالة‮ ‬ما إذا فكر بورمبوراوانيون بشكل مختلف عن المكان،‮ ‬هل سيفكرون أيضا بشكل مختلف حول أشياء أخري مثل الزمن؟
لنكتشف ذلك،‮ ‬رحلنا أنا وزميلتي أليس جابي إلي أستراليا وأعطينا بورمبوراوانيين مجموعة من الصور أظهرت تعاقبا زمنيا،‮ ‬مثل رجل في عمر مختلف،‮ ‬أو تمساح‮ ‬يكبر،‮ ‬أو موزة تؤكل،‮ ‬ومهمة كل واحد منهم هي ترتيب الصور علي الأرض لإظهار النظام الزمني الصحيح،‮ ‬اختبرنا كل شخص في جلستين منفصلتين،‮ ‬كل زمن نواجه اتجاهات أصلية مختلفة،‮ ‬وعندما سألنا حول هذا الأمر،‮ ‬المتحدثون الانجليز‮ ‬يرتبون الزمن من اليسار إلي اليمين،‮ ‬ومتحدثو العبرية من اليمين إلي اليسار‮ "‬لأن العبرانية مكتوبة من اليمين إلي اليسار‮"‬
ووجدنا أن البورمبوروانيين‮ ‬يرتبون الزمن من الشرق إلي الغرب،‮ ‬هكذا إذن،‮ ‬تم وضع ترتيب الصور الجنوب،‮ ‬والزمن من اليسار إلي اليمين،‮ ‬وعندما واجهنا الشمال كانت ترتيبها من اليمين إلي اليسار،‮ ‬وعندما واجهنا الشرق،‮ ‬باتجاه الجسد وهكذا‮. ‬بالطبع لم نقل لأي المشاركين عن الاتجاه الذي‮ ‬يتجهون إليه،‮ ‬البورمبوراوانيون لم‮ ‬يكونوا‮ ‬يعون ذلك تماما،‮ ‬ولكنهم أيضا بشكل تلقائي استخدموا التوجه المكاني لبناء تماثلاتهم حيال الزمن،‮ ‬وعدة طرق أخري لتنظيم الزمن موجودة في لغات عالمهم،‮ ‬في المندرية المستقبل‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكون أسفل،‮ ‬والماضي في الأعلي،‮ ‬وفي آيمارا اللغة المتحدث بها في أمريكا الجنوبية المستقبل في الخلف والماضي في الأمام‮.‬
بالإضافة إلي الزمان والمكان تشكل اللغات أيضا طريقة فهمنا للسببية،‮ ‬الانجليزية علي سبيل المثال تصف الأحداث في مصطلحات وكيلة زتعبر عن الفاعلس تفعل الأشياء،‮ ‬متحدثو الانجليزية‮ ‬يميلون إلي أن‮ ‬يقولوا أشياء مثل‮ "‬جون كسر الإناء‮" ‬حتي ولو علي سبيل الصدفة،‮ ‬متحدثو الإسبانية أو اليابانية‮ ‬يجنحون أكثر للقول‮ "‬الإناء كسر نفسه‮". ‬تثبت هذه الاختلافات بين اللغات أن التعاقب‮ ‬يدل علي كيفية فهم المتحدثين للأحداث،‮ ‬بناء أفكار عن السببية والفاعل وكيل الحدث ،‮ ‬وما‮ ‬يتذكرونه كشهود عيان،‮ ‬ومقدار ما‮ ‬يحملون الآخرين من مسؤولية،‮ ‬ومعاقبتهم‮.‬
في دراسات أجرتها كيتلين فاوسي في جامعة ستانفورد،‮ ‬شاهد متحدثون بالانجليزية والاسبانية واليابانية فيديو لاثنين من الناس قاما بتفجير البالونات،‮ ‬وكسرا البيض،‮ ‬وسكبا المشروبات عن عمد أو‮ ‬غير عمد،‮ ‬بعدها كل شخص كانت له تجبربة ذاكرة مفاجئة لكل حدث هل تستطيع تذكر من فعل ذلك؟ اكتشفت وجود فارق صارخ عبر لغوي في ذاكرة شهود العيان،‮ ‬اليابانيون والاسبانيون لم‮ ‬يتذكروا وكلاء الأحداث العرضية ‮ ‬من قاموا بالفعل ‮. ‬أما إذا نظرنا إلي المتحدثين بالانجليزية،‮ ‬أذكرك أنهم تذكروا فاعلي الأحداث المتعمدة‮ "‬الذي تذكرهم لغاتهم‮" ‬بشكل جيد،‮ ‬ولكن بالنسبة إلي الأحداث العرضية،‮ ‬عندما لا‮ ‬يذكر الشخص بشكل اعتيادي الفاعل في الاسبانية أو اليابانية،‮ ‬فهم لا‮ ‬يرمزون أو‮ ‬يذكرون أصلا الفاعل‮.‬
في دارسة أخري شاهد المتحدثون بالانجليزية فيديو‮ "‬تجريد الخزانة‮" "‬تركيبة رائعة صكت ليقدمها جوستين تيمبرليك إلي اللغة الانجليزة‮"‬،‮ ‬مرفقة بواحدة من تقريرين مكتوبين،‮ ‬التقريران متطابقان ما عدا الجملة الأخيرة حيث استخدمت مرة عبارة الملابس ممزقة‮" ‬بينما تقول الجملة‮ ‬
الأخري‮ "‬الملابس تمزقت‮" ‬علي الرغم من أن الجميع شاهد الفيديو ذاته،‮ ‬وشاهدوا التمزق بأعينهم،‮ ‬ولكن اللغة مهمة‮. ‬ليس فقط من قرأوا‮ "‬الملابس ممزقة‮" ‬ألقوا باللائمة علي تيمبرليك أكثر،‮ ‬إنهم أيضا فرضوا عليه‮ ‬53٪‮ ‬غرامة‮.‬
ما وراء حدود المكان والزمان والسببية الأنماط في اللغة تظهر لتشكل عددا من مجالات الفكر‮. ‬المتحدثون بالروسية الذين‮ ‬يميزون بشكل‮ ‬يفوق‮ ‬غيرهم بين الأزرق الداكن والفاتح في لغتهم،‮ ‬هم الأفضل في القدرة علي التمييز البصري بين درجات الأزرق‮. ‬قبيلة الفيراهة في الأمازون بالبرازيل تتحاشي لغتهم عددا من الكلمات لصالح مصطلحات مثل قليل وعديد،‮ ‬ليست قادرة علي تتبع الكميات بشكل دقيق‮. ‬وشكسبير كما‮ ‬يبدو كان مخطئا حول الزهور،‮ ‬الزهور التي لديها العديد من الأسماء الأخري لا تشم كرائحة حلوة‮.‬
توفر أنماط اللغة نافذة علي أنظمة اللغة وأولوياتها،‮ ‬مثلا بناء الجملة الانجليزية‮ ‬يركز علي الفواعل،‮ ‬وفي نظام العدالة الجنائية الخاصة بنا العدالة تكون ناجزة عندما نعثر علي المتجاوز ومعاقبته أو بشكل متناغم مع العدالة‮ "‬بدلا من العثور علي الضحايا وتعويضهم بشكل ملائم،‮ ‬المقاربة البديلة للعدالة‮" ‬لذا هل اللغة تشكل القيم الثقافية،‮ ‬أم‮ ‬يذهب التأثير في اتجاه آخر،‮ ‬أم كلاهما؟‮.‬
اللغة هي إبداعات إنسانية بالطبع،‮ ‬أدوات اخترعناها وصقلناها لتناسب احتياجاتنا‮. ‬وببساطة إظهار المتحدثين بلغات مختلفة‮ ‬يفكرون بشكل مختلف لا‮ ‬يخبرنا ما إذا كانت اللغة تشكل الفكر أم العكس‮. ‬إننا نحتاج إلي دراسات تتلاعب بشكل مباشر مع اللغة وتنظر إلي تأثيرها علي الإدراك لندلل علي الدور السببي للغة‮.‬
إحدي التطورات الرئيسة في السنوات الاخيرة إظهار بدقة هذه العلاقة السببية،‮ ‬إنها أظهرت إذا‮ ‬غيرت طريقة حديث الناس فأنت تغير تفكيرهم،‮ ‬إذا تعلم الناس لغة أخري فإنهم‮ ‬يتعلمون أيضا وبدون قصد طريقة جديدة في النظر إلي العالم،‮ ‬عندما‮ ‬يغير الذين‮ ‬يعرفون لغتين كلامهم‮ ‬من لغة إلي أخري،‮ ‬يبدأون في التفكير بشكل مختلف أيضا،‮ ‬وإذا سلبت الناس القدرة علي استخدام اللغة في مهمة تفترض أن تكون بسيطة‮ ‬غير لغوية فإن أداءهم سيتغير بشكل هائل،‮ ‬أحيانا تجعلهم لا‮ ‬يبدون أذكي من الفئران أو الأطفال الرضع‮. "‬علي سبيل المثال في الدراسات الحديثة عرض علي الطلاب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا نقاطا علي الشاشة وسُئلوا عن الإجابة علي سؤال حول عددهم،‮ ‬إذا سمح لهم بالعد بشكل طبيعي،‮ ‬تكون النتيجة عظيمة،‮ ‬أما إذا قاموا بها بطريقة‮ ‬غير لغوية مثل قرعها كالإيقاعات لايزالون‮ ‬يحسبونها بشكل رائع،‮ ‬ولكن إذا نطقوا بها عندما تُعرض لهم النقاط،‮ ‬كأن‮ ‬يكرروا‮ ‬الكلمات نطقا في تقرير عدهم،‮ ‬بعبارة أخري إنهم‮ ‬يحتاجون إلي مهاراتهم اللغوية ليحسبوا‮.‬
كل هذه الأبحاث الحديثة تبين لنا أن اللغات التي نتحدث بها ليست فقط تعكس التعبير عن أفكارنا،‮ ‬ولكنها أيضا تشكل الأفكار التي نرغب في التعبير عنها‮. ‬الهياكل التي وجدت في لغاتنا تشكل بشكل عميق كيفية بنائنا للواقع،‮ ‬وتساعدنا أن نكون أذكياء ومتطورين كما نحن عليه‮.‬
اللغة هي هدية إنسانية فريدة،‮ ‬وعندما ندرس اللغة نكشف جزئيا ما‮ ‬يجعلنا بشرا،‮ ‬نلقي نظرة خاطفة علي طبيعة الطبيعة البشرية،‮ ‬كما نكشف كيف أن اللغات ومتحدثيهم‮ ‬يختلف بعضهم عن بعض،‮ ‬نكتشف أن الطبائع البشرية أيضا‮ ‬يمكن أن تختلف بشكل هائل،‮ ‬معتمدة علي اللغات التي نتحدث بها‮. ‬الخطوات القادمة لفهم الآليات التي تساعدنا اللغة من خلالها علي بناء نظم معرفية معقدة بشكل لا‮ ‬يمكن تصديقه وهو ما لدينا‮. ‬إن فهم كيفية بناء اللغة سيتيح لنا خلق أفكار تتجاوز ما‮ ‬يمكن تصوره حاليا‮. ‬
هذه الأبحاث تختزل لأسئلة أساسية نسألها كلنا لأنفسنا،‮ ‬كيف جئنا بالطريقة التي نحن عليها؟ كيف نفكر بالطريقة التي نفكر بها؟ والجزء المهم من الإجابة،‮ ‬كما‮ ‬يتبين،‮ ‬في اللغة التي نتحدث بها‮.‬
عن مقال في‮ "‬وول ستريت جورنال‮"‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.