نقلت بعض وسائل الإعلام في الأيام الماضية أن رئيس مجلس النواب قد أحال مشروعات بتعديل قوانين السلطة القضائية وهيئة قضايا الدولة ومجلس الدولة إلي اللجنة التشريعية لإبداء الرأي بشأنها. وهذه المشروعات مقدمة من بعض السادة أعضاء مجلس النواب وفقاً لصلاحياتهم في اقتراح مشروعات قوانين، ولم تقدم من القضاء أو هيئة قضايا الدولة أو مجلس الدولة. علماً بأن هذه القوانين يتعين عرضها على المجلس الأعلى لكل هيئة قضائية وفقاً للمادة 185 من الدستور. يؤكد المستشار محمد عبد اللطيف شحاتة الامين العام لهيئة قضايا الدولة ورئيس اللجنة الاعلامية أن قضايا الدولة قد قامت من جانبها بتشكيل لجنة من كبار مستشاريها لإعداد مشروع قانون جديد ينظم كافة شئونها واختصاصاتها بما يتفق وحكم المادة 196 من الدستور، لاسيما تلك الاختصاصات الجديدة التي أُسندت إليها بموجب هذا النص الدستوري. وقد شارفت اللجنة المذكورة على إنجاز المشروع وسيتم اتخاذ الإجراءات القانونية لإحالته إلى مجلس النواب بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئة والتنسيق مع الجهات المختصة. وأضاف سيادته أن اختصاص قضايا الدولة "بالإشراف الفني على إدارات الشئون القانونية بالجهاز الإداري للدولة بالنسبة للدعاوى التي تباشرها" هو أحد الاختصاصات التي أسندها المشرع الدستوري لقضايا الدولة في المادة 196، مشدداً على أهمية هذا الاختصاص. فقد لاحظ المشرع الدستوري أن دورة التقاضي في الدعاوى التي تكون الدولة طرفاً فيها تتعرقل في مرحلة إعداد مستندات الدعاوى ووقائعها، فكثيراً ما يتم حجب هذه المستندات عن قضايا الدولة، كما يحدث كثيراً أن يتم إرسالها لقضايا الدولة مشوبة بالأخطاء وعدم الدقة، وهذه المرحلة الهامة تقوم بها الإدارات القانونية بالجهاز الإداري للدولة، وتؤثر - سلباً - على دور قضايا الدولة في النيابة عن الدولة في هذه الدعاوى، فارتأى المشرع الدستوري أن قضايا الدولة هي الأقدر على ضبط هذه المرحلة، ومعالجة أوجه القصور التي تشوبها، وأوسد إليها الإشراف على الإدارات القانونية بالجهاز الإداري بالدولة. وبموجب هذا الاختصاص يتم إسناد الإشراف الفني على العمل القانوني للإدارات القانونية إلى مستشاري قضايا الدولة الذين تتوافر لديهم الخبرة القضائية والقدرة على ضبط العمل القانوني بها، وهذا الإشراف ليس ندباً بمعناه المعروف، ولن يكلف خزانة الدولة أي مقابل مالي مثل ندب المستشارين والخبراء الذي يكون بمقابل مالي، بل سيكون عملهم القضائي في الإشراف الفني مجرد تنفيذ للاختصاص الدستوري مقابل رواتبهم التي يتقاضونها. ويقتضي تفعيل هذا الاختصاص أن ينظم القانون الجاري إعداده عملية الإشراف الفني ونطاقها الموضوعي والزمني ببيان الموضوعات التي تتولى قضايا الدولة الإشراف عليها في الإدارات القانونية وآليات هذا الإشراف بما يجعله إشرافاً حقيقياً يحقق القصد التشريعي المبتغى وبما يضبط عمل الإدارات القانونية بالجهاز الإداري للدولة، ومن ثم ينضبط عمل الجهاز الإداري ذاته. فمن المعلوم أن العمل الإداري منظومة متكاملة وحلقات متتالية تتداخل فيها الإدارات القانونية بقوة، فإذا انضبط العمل في الإدارات القانونية أثر ذلك إيجاباً على باقي الإدارات بالجهاز الإداري. ويترتب على المعالجة التشريعية المطلوبة لهذا الاختصاص عدة مزايا نذكر منها: 1 - سرعة تنفيذ الإدارات القانونية لواجبها في تجهيز المستندات الصحيحة والوقائع الموضوعية وإحالتها للقسم المختص بقضايا الدولة، وبالتالي اختصار الوقت المهدر وتقليل مدة الفصل في القضايا. 2- تدقيق المعلومات واستيفاء المستندات بطريقة سليمة وكاملة، ويترتب على ذلك المحافظة على حقوق الدولة والمتقاضين بتقديم المستندات والمعلومات الصحيحة التي تفيد في إظهار وجه الحق في الدعوى، سواءً كانت لصالح الجهة الإدارية أو الطرف الآخر نزولاً على الخصومة الشريفة للدولة مع مواطنيها، فضلاً عن عدم طلب إقامة دعاوى تافهة القيمة أو بالمخالفة للمبادئ القضائية المستقرة. 3- ضبط العمل بالجهاز الإداري للدولة بوجود العين الرقيبة المبصرة لقضايا الدولة التي لا تغفل عن ذلل أو تتغافل عن خطأ، وهو ما يمثل دوراً وقائياً من المخالفات وكاشفاً ورادعاً لأي مخالفة يتم اكتشافها باتخاذ الإجراء القانوني الواجب حيالها. وعن الاختصاص" بصياغة عقود الدولة"، يقول المستشار الدكتور مظهر فرغلي نائب رئيس هيئة قضايا الدولة أن اختصاص قضايا الدولة "بصياغة مشروعات العقود التي تُحال إليها من الجهات الإدارية وتكون الدولة طرفاً فيها"من ضمن الاختصاصات التي أسندها المشرع الدستوري إليها في المادة 196، مؤكداً على الأهمية القصوى لهذا الاختصاص الذي طالما نادى الفقه بإسناده إلى قضايا الدولة لتلافى الأخطاء الفادحة التي تقع في بعض عقود الدولة ويترتب على الحكم ببطلانها نتائج وخيمة على الخزانة العامة وعلى سير المرافق العامة. فعلى مدار عقود مضت، شهد الجميع عدداً من الأحكام القضائية التي أبطلت عقوداً كبرى للدولة رصدتها وسائل الإعلام، خاصة في عقود الاستثمار، مما نتج عنه لجوء المستثمرين إلى التحكيم الدولي بطلبات تعويض ضخمة، وكان السبب الرئيسي في غالبية الأحكام الصادرة بإلغاء هذه العقود هو عيب في صياغتها أوجد ثغرات قانونية فيها، أو إهمال إجراءات قانونية أو شكلية واجبة الإتباع، أو لم يتم إحكام ضمانات الدولة كطرف في العقد عن جهل بأصول الصياغة القانونية وعدم امتلاك المقدرة القانونية لضبط شروط وبنود العقود لاسيما في العقود مع الشركات والأفراد الأجانب والتي تتضمن شروط تحكيم أو تخضع لاتفاقيات استثمار توجب الفصل في المنازعات عن طريق التحكيم لدى مراكز تحكيم أجنبية، والتي تحتاج إلى خبرات خاصة في هذا المجال قد تغيب عن الكثير من القانونيين الذين لم يخوضوا معترك هذه المنازعات الدولية ولا يعرفون أغوارها، وهم – للأسف - من يقومون على إعداد وصياغة هذه العقود. وقد صدرت الكثير من الأحكام القضائية أو أحكام التحكيم ضد جهات إدارية بإلغاء عقود أو التعويض المالي عنها بسبب سوء الصياغة والخلل في صياغة الالتزامات المتبادلة بين الجهات الإدارية والمتعاقدين معها، إهمالاً أو جهلاً بالقانون وقواعد الصياغة، مما يكلف الدولة أعباءً مالية جسيمة ويُعرقل جهودها في تسيير مرافقها العامة، ومن هذه الأحكام ما أحدث صدى إعلامياً ومنها ما لم ترصده وسائل الإعلام. وأضاف المستشار الدكتور مظهر فرغلي عضو اللجنة الاعلامية لهيئة قضايا الدولة أن المشرع الدستوري قد انتبه لذلك في الدستور الحالي، ووجد أن أفضل الحلول لهذه الإشكالية أن يُسند إلى قضايا الدولة الاختصاص بصياغة عقود الدولة بما لها من خبرات قانونية كبيرة متراكمة عبر السنين، مكتسبة من آلاف المنازعات التي تولتها في مجال العقود بساحات التحكيم الدولي والداخلي ومن أحكام المحاكم الأجنبية والمحلية، سبرت خلالها كل أغوار وأنواع العقود وما يلحقها من بطلان ونواقص وعيوب، وتشربت بكل المبادئ المطبقة على اختلاف العقود أو الخاصة بكل نوع منها. وإذا كان المشرع الدستوري قد تأثر عند وضع هذا النص بظروف وضغوط جعلته يقصر اختصاص قضايا الدولة على صياغة مشروعات العقود التي تحال إليها، فحريٌ بالمشرع أن يبسط هذا الاختصاص ليشمل – وجوباً - كل عقود الدولة استناداً إلى حق المشرع في إضافة أي اختصاصات أخرى. وبموجب هذا الاختصاص، تقوم قضايا الدولة بمراجعة وتدقيق بنود العقود وضبط ألفاظها وعباراتها وما يتصل بها من اشتراطات وفقا للقوانين واللوائح والقرارات ذات الصلة. وتشمل المراجعة الإجراءات التي تسبق العقد وجميع ما يعتبر جزءاً منه، للوقوف علي مدى مطابقتها لأحكام القانون، ومن ثم تطهير العقد من المخالفات التي يمكن أن تشوب إبرامه أو بنوده أو استكمال النقص في تغطية بعض الشروط، تجنباً للوقوع في خطأ قانوني قد يؤثر علي تنفيذ العقد أو على مدى صحته من الوجهة القانونية. وإحكام قضايا الدولة لهذا الاختصاص سوف يرتب آثاراً عظيمة على الخزانة العامة؛ بتلافي أسباب الحكم بالتعويضات ضد الدولة نتيجة أخطاء الصياغة وعدم ضبط الشروط والالتزامات في العقود. كما سيترتب عليه حسن سير المرافق العامة بانتظام واطراد، بضبط الالتزامات المتبادلة وغلق سبل النزاع وتعطيل المرافق العامة، وإنهاء أي ثغرات قد يلج منها المتعاقدون مع الدولة ممن يستبيحون المال العام. فإذا كانت هذه الاختصاصات المضافة إلى قضايا الدولة بهذه الأهمية، فحريٌ بمجلس النواب أن يستجيب لما تعرضه قضايا الدولة في مشروع قانونها، وأن يسارع إلى تنظيم تلك الاختصاصات بما يكفل تحقيق المقاصد الدستورية، وبحيث تكون قابلة للتطبيق بالصورة المأمولة المحققة للصالح العامة المحافظة على حقوق الخزانة العامة وتشجيع الاستثمار.