بعد تأجيله مرات ومرات، ظهرت مقتطفات من تقرير تُشرف عليه المخابرات البريطانية، منذ أبريل الماضي، بقسميها: المسئول عن العمليات الداخلية MI5 ونظيره المسئول عن العمليات الخارجية MI6 بخصوص طبيعة جماعة الإخوان المسلمين، ورغم أن التقرير كان من المفترض أن يظهر إلي النور بشكل كامل في شهر أغسطس الماضي، فإن حكومة ديفيد كاميرون فضلت دفنه مرة أخري في الغرف المغلقة، وعلق رئيس الوزراء البريطاني علي التقرير في خطاب أرسله لمجلس العموم قائلاً: »نريد أن نفهم جيدا طبيعة تلك الجماعة ومواقفها تجاه ممارسة العنف المتطرف، وعلاقاتها بالجماعات الأخري كذلك نريد فهم طبيعة حضورها في بريطانيا» واستبعد كاميرون الحديث عن حظر الجماعة في بريطانيا، ولكنه أشار إلي أن »إقامة علاقة معها قد يكون إشارة علي التطرف». من المرجح أن يبقي التقرير طي الكتمان حتي موعد الانتخابات العامة التي ستشهدها بريطانيا في يونيو المقبل، وربما تفرج عنه حكومة أخري لا يرأسها السيد كاميرون. التقرير الذي أعدته لجنة يرأسها »جون جينكينز» السفير البريطاني السابق لدي الرياض، خلص إلي إدانة الإخوان بالتورط في أعمال عنف ولكنه لم يوصمها بالجماعة الإرهابية، وهو ما فسرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية بمحاولة اللعب علي كل الأحبال، فبكلمات إدانة علي استحياء للجماعة، تريد لندن ألا تخسر صداقات دول هامة مثل مصر والإمارات والسعودية، حتي وإن كانت سياسة الرياض مؤخراً تحمل بعضا من مؤشرات التقارب مع الإخوان، هذا من ناحية، ومن ناحية أخري لا تريد بريطانيا أن تغضب أصدقاء آخرين لها معهم معاملات مالية بمليارات الدولارات مثل قطر، التي وقّعت مع بريطانيا مؤخراً اتفاقا للتعاون الاستخباراتي، وكذلك تركيا التي تأوي كثيرا من كوادر الجماعة الإرهابية علي أراضيها. وطبقاً لما نشرته الجارديان عن جزء من خطاب كاميرون الذي تم تسريب مقتطفات منه، فإن به سطرا يقول: (بعض الأقسام داخل جماعة الإخوان لها علاقات غامضة بجماعات تتبني العنف المتطرف)، ومن ضمن الخطاب المسرب أيضاً: (شخصيات محسوبة علي الجماعة، ممن يقيمون ببريطانيا، ساندت العمليات الانتحارية التي قامت بها حركة حماس في قلب إسرائيل.. علماً بأن حماس هي الفرع الفلسطيني لمكتب الإرشاد المصري)، وهنا يظهر تناقض وازدواجية واضعي التقرير.. وكأنهم أرادوا مغازلة تل أبيب بالقول: إذا كانت أعمال الإخوان تطال إسرائيل الطفل المدلل للغرب فإن ذلك يُعد إرهاباً لا شك فيه ولا لبس، أما لو كانت أعمالهم تُخرب الوطن العربي وتمزقه من المحيط للخليج وتنشر »فوضي خلاقة» يكون المستفيد الوحيد منها الدولة العبرية، فإن ذلك يُنظر إليه علي أنه تعبير عن الرأي من قبل فصيل وطني يجب إدماجه في الحياة السياسية. وبالتأمل في هذه النقطة تحديدا مع إعلان السلطات الإنجليزية تأجيل نشر التقرير بشكل كامل، فإن الشيء المنطقي الوحيد الذي يقفز للذهن هو أن لندن ستساوم التنظيم في الأشهر المقبلة كي يضغط علي حماس للاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، وذلك تزامناً مع مفاوضات سرية غير مباشرة بين حماس وإسرائيل تدور منذ أغسطس الماضي في غرف مغلقة بالدوحة، بحسب ما أفادت صحيفة لوموند الفرنسية اليومية آنذاك نقلا عن مصادر دبلوماسية عليا لم تسمها. المفاوضات ترعاها تركيا ويتوسط فيها مجرم الحرب توني بلير شريك جورج دبليو بوش في جريمة غزو العراق وقتل أكثر من مليوني شخص في بلاد الرافدين، ويبدو الهدف المعلن من الحوار الإسرائيلي الحمساوي هو إرساء الاستقرار في القطاع بعد 3 حروب في سبع سنوات و10 سنوات من حصار خانق أفقر أكثر من نصف سكانه، فيما الهدف الخفي هو تسوية شاملة لن تخدم سوي الأهداف الصهيونية، حيث إن الأممالمتحدة أصدرت تقريراً مشبوهاً تؤكد فيه أن قطاع غزة لن يكون صالحاً للحياة بحلول عام 2020، وفي نفس الوقت تتحدث القناة السابعة الإسرائيلية عن قبول حماس وقبلها التنظيم الدولي للإخوان المسلمين بوطن للفلسطينيين في قطاع غزة. تقرير المخابرات البريطانية عن الإخوان لم يذهب بعيداً في نقطة بالغة الأهمية، والكلام هنا لصحيفة لوفيجارو الفرنسية اليومية، وهي »علاقة التنظيم بما يقرب من 60 مؤسسة حقوقية وإعلامية في بريطانيا تتلقي من التنظيم أموالاً بشكل سري لتقوم بالنشر والترويج لأفكاره» المسمومة في بريطانيا والعالم العربي علي السواء. وكان من ضمن الشخصيات التي أخذ واضعو التقرير برأيهم الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية بأوروبا لورنزو فيدينو، الذي أكد لصحيفة ديلي تليجراف البريطانية: »من الواضح أن للإخوان كثيرا من المناطق الرمادية فيما يخص علاقتهم بممارسات العنف، وكذلك تأثيرهم السلبي علي التعايش الاجتماعي في بريطانيا». وبحسب التقرير فإن الحكومة البريطانية عازمة علي »تشديد المراقبة علي الأنشطة والآراء التي يمارسها ويُبديها أعضاء تابعون لجماعة الإخوان سواء كانوا مقيمين في إنجلترا أو خارجها»، كما سيكون هناك إجراءات جديدة بخصوص تحويلات الأموال والحصول علي تأشيرات دخول للمنتمين للجماعة. صحيفة القدس العربي التي تمتلكها قطر وتتخذ من لندن مقراً لها، دافعت بطبيعة الحال في افتتاحيتها عن الإخوان وشنت هجوماً حادا علي التقرير، وزعمت أنه (جاء علي خلفية الضغوط الكبيرة التي مارستها دول عربية، علي رأسها الإمارات ومصر، وهو ما يشكك بمصداقية بريطانيا ويربط قرارها السياسي والأمني والقانوني بعلاقات غامضة جداً تعمل في خدمة المجهود الحربيّ للاستبداد العربيّ). وتؤكد الافتتاحية أن هذا التقرير »ليس إلا دعماً غير مباشر لهذا الاتجاه المستبد، في الوطن العربي، من بلد يعتبر نفسه أقدم ديمقراطيات العالم».