الجهل والتجاهل، الفقر والتخلف، السحر والشعوذة.. كلها أسباب تؤدي إلي نهايات مأسوية، إن لم يقع الضرر منها فعلياً، فقد يترك أثراً نفسياً كبيراً قد يظل دائماً... لاتمحيه الأيام. ما إن تطأ قدماك محافظات الصعيد حتي تُشعر أنك في دولة أخري، دولة لاتمت بأي صلة إلي مصر، دولة ليس لها حكومة وإنما تُدار بالمساعدات القليلة التي تأتيها من جارتها "القاهرة"، ليس هذا فحسب وإنما وصل الحال هناك إلي استغلال البشر في أعمال قد تكون نهايتهم بسببها... وكان الأطفال أهم المستهدفين.. ومن هذه الأعمال السحر والشعوذة.. "أخبار الحوادث" فتحت الملف وكانت المفاجأت. بداية يقول الشاعر الكبير درويش الأسيوطي: انتشار التفسير الأسطوري والفكر الغيبي ليس قاصرا علي الصعيد، ولكن ينتشر أكثر لأن الصعيد أكثر تخلفا من بقية مناطق مصر، نظراً لانتشار الأمية والمشاكل التي بلا حلول، لذا يجعل الناس تلجأ إلي الحلول التي تعتمد علي الغيبيات مثل السحر والشعوذة .. والأولياء.. والأحلام والممارسات الطقسية المتوارثة ، المماراسات السحرية مثل التحجيب والأعمال السحرية الأخري، ويضاف إليها الاعتقاد في قدرة الولي الميت علي الفعل. وفجر الأسيوطي مفاجأة من العيار الثقيل عندما أكد أنه كان أحد ضحايا هذه الممارسات، وأضاف: خضت تجربة المندل عندما كنت صغيرا، وتابعت عمل التربة لأخي عندما عضه كلب "مسعور"، وكناأطفالا، كان عمري ربما فوق العاشرة بقليل، لأن المندل لا يفتح علي صبي بالغ، أحد المشايخ اتخذني وسيطا لفتح المندل، وكنا نبحث عن مبلغ صغير اختفي من سحارة جدتي، وكنت أنا من استعرت المبلغ من جدتي (سرقته)،.وبالطبع لم يحدث شيء وحاول الشيخ الضغط علي لأكمل معه التمثيلية التي أحفظ السيناريو الخاص بها فسايرته علي حسب خيالي، وهذا الموقف علمني أن كل الممارسات مهما كانت مبهرة ضرب من الخداع، ويتم استغلال الأطفال في هذه الممارسات ولكن أعتقد أنها أصبحت أقل من الماضي. الشيخ صلاح محمد مصطفي "واعظ أول بمحافظة أسيوط" قال أن استغلال الأطفال في أعمال السحر والشعوذة منتشر بكثرة بمحافظات الصعيد، وبالتحديد بالصعيد "الجواني" ومحافظات أسوانوقنا وسوهاج، وإن قلت نسبتها في الأخيرة، ومن أنوع استخدام الأطفال، السحر السفلي، حيث يقوم هؤلاء الأشخاص ممن يطلقون علي أنفسهم لقب "شيخ" بالتوضؤ باللبن داخل دورة مياة ويضع تحت قدميه المصحف الشريف، ليحضر إليه جني يهودي ويأمره بأن يلبس جسد الطفل، ويقوم بالنطق والتحدث بلسان هذا الطفل مستخدماً جسده وارشاده عن أشياء ضائعة أو البحث عن الآثار، أو غيره من الأفعال، وهذه الأفعال تؤثر علي الطفل مستقبلاً من اضرابات نفسية وعقلية، فهي تعمل علي تدميره. ويقول المطرب محمد عناني عضو فرقة أسيوط للموسيقي العربية وابن مركز البداري: سمعت كثيراً عن إستخدام الأطفال في أعمال السحر والشعوذة والذي يصل إلي حد الذبح، الموضوع منتشر كثيراً في الصعيد وليس لهذه الأسباب فقط، إنما أيضاً في تجارة الأعضاء، فعلي سبيل المثال سمعت عن أشخاص استعانوا بشيخ (أو مشعوذ) في البداري للبحث عن كنز لديهم، وبالفعل ذهب لهم وقال أنه لأجل استخراج الكنز لابد من ذبح الطفل (فلان) عليها، وبعد فترة اختفي الطفل وعُثر عليه بعدها مذبوحاً. ويشير سيد العربي "منفلوط"" إلي أنه عايش هذه الأحداث بنفسه حيث حضر لقاء أحد المشعوذين بشخص بعد أن أخبره أنه لديه أذي من الجن، وقام بتلاوة بعض القراءات عليه لكي يتحدث الجن الموجود في جسد هذا الشخص، وانهال عليه ضرباً، وقام بتعذيبه، وفي النهاية أقول أنه علي الرغم من أنه تحدث شخص آخر بالفعل وقال أنه الجني إلا أنني أعتقد أنه نتيجة القراءات تلك هي التي اوهمت هذا الشخص بذلك وأجبرته علي التحدث بهذا الكلام وأنها مجرد شعوذة لا اساس لها من الصحة. ويضيف العربي.. كثيراً ما يحدث هنا في الأرياف أن يقوم المواطنين بالتنقيب في منازلهم بحثاً عن الآثار، وبالتأكيد يكون معهم شخص يقولون عليه "شيخ"، وغالباً ما يطلب منهم طفل صغير لايكون قد بلغ الحلم، ليقرأ عليه بعض الأشياء، ثم يضع شيئاً علي وجهه، ثم يطلب من الطفل النزول للحفرة وهو مازال أمامه، ويجعله يري أشياء مثل باب المقبرة، والكنز، ويصف لهم، ولكن أعتقد أن كلام الطفل يكون بتأثير من هذا المشعوذ، ليوهم أصحاب المنزل أو المنطقة أن لديهم كنزا ويتمكن من النصب عليهم. الغريب والمثير أن اللواء محمد ابراهيم مدير أمن أسيوط أكد أنه لايعرف شيئاً عن هذه القضية ومدي انتشارها أو حتي مجرد وجودها بأسيوط او الصعيد، مبرراً ذلك بأنه لم يمر سوي أشهر قليلة علي توليه منصب مدير أمن أسيوط، ولم تمر عليه مثل هذه القضايا.. سألناه.. ولكنك تعمل منذ سنوات بالصعيد وقبل أن تكون مديراً لأمن أسيوط كنت مدير أمن قنا وقبلها حكمدار بأسيوط؟ أجاب: نعم هناك التنقيب عن الأثار منتشر بالصعيد بكثرة، ولكن لا أعلم باستخدام الأطفال في مثل هذه الأعمال... أسيوط :حسن الهتهوتي