هل وصلنا إلي هذا الحد من الإسفاف والهبوط؟ سؤال جاءني بصوت المخرجة الكبيرة أنعام محمد علي، وهي ثائرة غاضبة من الأعمال الفنية التي أصبحت تتسابق بمشاهد غرف النوم والألفاظ السوقية، وتتبارى أيضا في اللقطات الفاضحة والملابس المثيرة والحوارات الخارجة، ولعل فيلم "حلاوة روح" فتح الباب على مصراعيه أمام طوفان (الفن الرديء)، الذي تجاوز الشاشة الكبيرة ليصل بانفلاته إلي شاشة التلفزيون الذى ليدخل كل بيت بدون استئذان، تحت دعوى الحرية التي أساء الغالبية فهمها، وأصبحت قرينة للفوضى والتجاوزات، ولعل مسلسل "قلوب" الذي يعرض حاليا تفوق على الجميع في ذلك، بعد أن لفتنا الانتباه سابقا إلي الجرعة الزائدة لخدش الحياء في مسلسلات رمضان الماضي، مثل "حكاية حياة"، و"مزاج الخير"، و"موجة حارة" الذي عرض حاملا شارة (+18)، وتوارى صناعها كذلك وراء لافتة (حرية الإبداع)، مما يجعلنا نتساءل عن المعايير الرقابية التي تحكم الشاشتين الكبيرة والصغيرة. مقولة "العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة" شعار يجب الالتزام به في الفن، خصوصا مع الوضع الحالي الذي استمر لسنوات سابقة أدت إلي إغراق السوق بالفن الرديء، لدرجة أن العديد من الدول العربية التي تستورد منا هذه الأعمال قد بدأت تشكو من تردي مستواها، وتسحبها أحيانا من صالات السينما بعد شكوى الجمهور والأسر، مثلما حدث مع "حلاوة روح" الذي منع بعد أسبوع من عرضة في الامارات والبحرين ، وكنت أتمنى أن ينأى رئيس الوزراء ابراهيم محلب بنفسه عن التصدى لوقف عرض فيلم "حلاوة روح" في مصر كذلك، فالقضية برمتها يجب أن تتصدى لها وزارة الثقافة باعتبارها المنوط بها حماية الابداع كما أن جهاز الرقابة على المصنفات الفنية يتبعها، فاذا حدث تجاوز منه فعليها أن تحاسبه وفقا للقانون، أما رئيس الوزراء فقد جاء تدخله فى غير محله ولا وقته، فالرجل لديه من الهموم المجتمعية ما يكفيه وقد اكتسب شعبية كبيرة فى أيام قليلة من توليه رئاسة الحكومة بتواجده الدائم فى مواقع العمل وجولاته الميدانية اليومية ليعكس صورة شديدة الاختلاف عن سابقيه ليس دفاعا عن عمل فني ولكن عن مبدأ وبالطبع أتفهم حاليا قلق السينمائيين من تدخل الدولة لوقف عرض فيلم أى كان، فقد جرت العادة أن تتدخل للسماح بعرض الاعمال التى تثير جدلا حولها لأسباي فنية أو سياسية مثلما حدث سابقا مع افلام "شيء من الخوف" الذي عرض بأوامر من جمال عبد الناصر شخصيا، أو "العصفور" ليوسف شاهين الذي منع بعد حرب 67 وعرض بعد حرب73، أو فيلم "الكرنك" الذي منع من صالات السينما، وعرض في التلفزيون بأوامر من السادات، وأستوعب كثيرا أن قرار المنع قد يفتح الباب أمام تدخلات عديدة فى أى وقت ولأسباب مختلفة، وقد تكون بالفعل (مختلقة)، مما يهدد حرية الابداع ويعيدنا (للخلف در) بعد ثورتين كبيرتين فى 25 يناير و30 يونية رفعتا شعار الحرية للفرد والمجتمع، لهذا جاء رد فعل النقابات الفنية ضد مبدأ وقف عرض فيلم بقرار حكومى، وكان من الممكن أن يكون القانون هو الفيصل لا تدخل رئيس الوزراء، كأن تقوم الجهات المجتمعية بمقاضاة الرقابة، و(على المتضرر اللجوء للقضاء). "حلاوة" هيفاء و"روح" الجمهور حالة الفرحة التى سادت الشارع المصرى والتى رصدتها بعض البرامج التليفزيونية عقب قرار رئيس الوزراء، تعكس رفضا صريحا لأفلام العرى والاثارة والبلطجة التى سيطرت على الانتاج السينمائى وخاصة التى ينتجها السبكى فى أفلامه، والتى تحقق ايرادات عالية بفضل جمهورها من الشباب والصبية الذين يرددون ألفاظها ويقلدون مشاهدها، ولعل أزمة فيلم "حلاوة روح" تدفعهم لاعادة النظر فى نوعية الافلام التى فرضها الشقيقان على الانتاج السينمائى منذ سنوات، بعد أن تخلى المنتجون الكبار عن الانتاج وبدت الساحة خالية أمامهم فى منافسة غير متكافئة مع الأفلام المستقلة محدودة الميزانية، والتى لم تنجح حتى الآن فى اجتذب الجمهور، والغريب ان السبكية قدما تجارب ناجحة فنيا وجماهيريا مثل "الحارة" و"ساعة ونصف" لكنهما يعودان الى التيمة السبكية الاكثر ضمانا "بلطجى وراقصة ومطرب شعبى". ولايزال البعض للاسف يدافع عن طوفان الهبوط والرداءة الفنية التي تحاصرنا على الشاشات بقوله "انها تعبر عن الواقع"، وكم من الجرائم ترتكب باسم الواقعية!.