اعشق الحديث عن صنفين من الرجال ... علماء الدين الذين يسدون جوع الروح... ورجال القضاء الذين يطفئون ظمأ العقل... استمع الي هؤلاء وهؤلاء اكثر مما أتكلم ... وبالصدفة غير المرتبة كانت علاقاتي برجال القضاء علي مدار ستة وثلاثين عاما اكبر عددا من علاقاتي بعلماء الدين ...ربما بحكم المهنة... وربما بحكم الدراسة فقد تخرجت من كلية الحقوق جامعة عين شمس بتقدير جيد جدا وان كنت قد اخترت الصحافة وتناسيت نصيحة استاذي الكبير الدكتور محمد الميرغني عميد كلية الحقوق اطال الله في عمره لكي اكمل الماجستير والقانون ... وعلي اية حال ظللت اتواصل مع حبي للقانون من خلال اروع وامتع الحوارات مع قضاة مصر وفيهم علامات هي حبات من اللؤلؤ والياقوت علي تاج مصر! .. لماذا هذه المقدمة؟! الأجابة بإيجاز انني ظللت ليلة كاملة افكر طويلا فيما يمكن ان تنتهي اليه محاكمة الرئيس السابق ... فلا أنا مع الذين يطالبون بسرعة المحاكمة ولا من يؤيدون البطء فيها... لان القاضي اذا تأثر بالرأي العام صدر عنه حكم »بين قوسين«! ... هكذا تعلمت من دراستي القانونية. فالحكم مجردا وعنوانا للحقيقة المجردة وبعيدا عن اية مؤثرات! وكانت محصلة حواري مع الذات في تلك الليلة غير مشجعة لسبب واحد... هو مايمكن ان تنتهي اليه بالفعل محاكمة مبارك ... فلوان الرجل تمت ادانته ستكون المفاجأة مروعة اذا ماكانت الإدانه فساد مالي ... فالرجل الذي صرح فور توليه مسئولية الحكم ان شعار حكمه هو الطهارة سوف يكتشف الناس انه كان زعيم العصابة!!... والذي قال ان الكفن ليس له جيوب جمع المليارات وترك شعبه يعاني السرطان والفشل الكلوي وڤيروس C ويشرب ماء المجاري ويتنفس العوادم ويعيش في عشش الإيواء! الصدمة ستكون مروعة لان ماحسبناه موسي اذا به فرعون .! والمنطق القانوني الذي تعلمناه يقول ان المتهم برئ حتي تثبت ادانته ...وبالتالي دعونا نتخيل وفقا لهذا المنطق المجرد ان محاكمة مبارك انتهت إلي براءته من الفساد المالي ... الصدمة ستكون ايضا مروعة! لأننا سنكون امام أحد امرين: اما ان يتشكك الناس في الحكم بعد كل ماسمعوا وقرأوا عن ثروة مبارك ... وهذه كارثة! واما ان نثق في الحكم وبالتالي سيكون الاعلام قد ارتكب جريمة كبري في شحن الرأي العام ضد برئ .... وهذه مصيبة ايضا! محاكمة مبارك ستكون مثله ... متعبة وشاقة علي النفس!! [email protected]