منالخطأ الاعتقاد أن رجال أمريكا في مصر يقتصرون علي الإخوان فقط، الذين راهن الأمريكان لتحقيق المصالح الأمريكية علي حكمهم لبلدنا وعدد آخر من بلدان منطقتنا.. فأمريكا بعد أن قبلت بحكم الإخوان لمصر، بل وخططت لذلك، فإنها لا تكتفي بأن تضع كل ما لديها من بيض في سلة واحدة!.. أمريكا تسعي إلي أن يكون لها رجال مختلفون في البلد الواحد، منهم من يحكمون ومنهم أيضا من يعارضون. إنها تحاول اختراق المجتمع كله ولا تعتمد علي فصيل واحد أو قوة واحدة، حتي تحتفظ دوما بتأثيرها ونفوذها في هذا المجتمع.. لذلك لم يكن غريبا أنها في الوقت الذي منحت موافقتها للإخوان علي الوصول إلي الحكم في مصر، فإنها حافظت علي أن يكون لها رجالها في صفوف القوي المعارضة لحكم الإخوان.. وهذا ما كشفت عنه التحقيقات التي لم تستكمل في قضية التمويل الأجنبي الشهيرة.. ففي الوقت الذي ساهمت فيه واشنطن في تدريب عناصر من جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة سياسيا، فإنها دربت أيضا عناصر مدنية ومناهضة للإخوان! ومنذ عام 5002 وأمريكا مهتمة بأن يكون لها ما يكفي من رجال في مصر.. فهي كانت تخطط لإعادة صياغة منطقتنا سياسيا وجغرافيا، وهو المخطط الذي عرف باسم الشرق الأوسط الكبير أحيانا والجديد أحيانا أخري، ونجاح هذا المخطط مرهون بالطبع بنجاح السيطرة الأمريكية علي مجريات الأوضاع السياسية في مصر. ولذلك سعت واشنطن ابتداء من هذا التاريخ لاختراق شامل للمجتمع المصري وعلي عدة جبهات.. وحرص الأمريكان علي أن يكون لهم رجالهم بين صفوف الحكم وبين صفوف المعارضة في وقت واحد، سواء المعارضة المدنية أو الدينية والتي تمثلت وقتها في جماعة الإخوان. وهكذا بينما بدأت واشنطن قبل ثمانية أعوام مضت تقترب من الإخوان وتكثف اتصالاتها معهم فإنها قامت بذات الأمر مع نشطاء اخرين، وذلك لتطمئن أن يكون لها رجال هنا وهناك في مصر، حتي يظل تأثيرها ونفوذها قائما ومتزايدا في بلدنا، وتظل بلادنا أسيرة هيمنتها. وهذه هي المشكلة الأكبر التي تواجه بلادنا الآن.. فنحن لا نواجه فقط عنف وإرهاب الإخوان وحلفائهم من الجماعات الإرهابية الأخري، إنما نواجه في ذات الوقت من يرقصون الآن سياسيا علي نغمات أمريكا، التي أفزعها أن يكون لنا قرارنا المستقل، وأن نتجاهل ضغوطها وتهديداتها بوقف المساعدات العسكرية الأمريكية لنا فاطحنا بحكم مرسي علي غير هواها.. وإذا كان رجال أمريكان من الإخوان يستخدمون سلاح الدين في حربهم ضدنا فإن رجال أمريكا من غير الإخوان يستخدمون سلاح الإفراط في العنف في إجهاضهم مسيرتنا لبناء دولتنا العصرية الديمقراطية. إننا لا نخوض الآن معركة ضد إرهاب أسود عاد ليطل بوجهه القبيح علينا، وإنما نخوض معركة استقلال وطني ضد محاولة أمريكا استمرار هيمنتها علينا.