أعشق صعيد مصر وانحاز لأهله رغم أنني لست صعيدياً وليس لي أي جذور هناك. وأعشق ثقافة أهل الجنوب عموماً وأشعر دائما أنهم ظلموا كثيرا عبر مراحل التاريخ المصري وافتقدوا لأبسط الخدمات التي من المفروض أن توفرها الدولة والحكومات المتعاقبة منذ ما يزيد علي مائة عام. أحب شهامة الصعايدة ولكنتهم الضاربة في جذور التاريخ المصري. أحب سماع آراء البسطاء من أهل الصعيد لأنها تحمل عمقا وفلسفة شديدة الوعي والتحضر. ولكن! صدمتان قاسيتان تلقيتهما من أهل الصعيد علي مدار الأيام الماضية. الصدمة الأولي كانت في أعقاب اندلاع ثورة 52 يناير حيث توقعت أن يهب أهل الجنوب كله للمشاركة في الثوة العظيمة.. ولكن خاب ظني بعدما رأيت المشاركة الهزيلة في بعض محافظات الصعيد للثوار بينما التزمت الأغلبية في جنوب مصر الصمت المريب واتخاذ موقف الحياد! الصدمة الثانية كانت في الأسبوع الماضي عندما اندلعت المظاهرات في قنا احتجاجا علي تعيين محافظ قبطي هو اللواء عماد شحاتة ميخائيل.. وكانت صدمتي في أهالي قنا مزدوجة لأنهم بثقافتهم التي أعرفها جيدا لم يعترضوا علي المحافظ بمعيار مهني وانما بمعيار ديني بحت.. ولأنهم قاموا بقطع السكة الحديد في مشهد أهان الحرية والديمقراطية التي ننشدها جميعا. ان ما قام به أهالي قنا ليس له إلا اسم واحد وهو التمرد. ولكن ما يدعو للحزن والغضب من أهالي قنا هو تمردهم علي الثورة ووقوفهم إلي جانب الثورة المضادة وكأنهم يقولون لفلول النظام البائد أنهم معهم ويشدون علي أيديهم ويساعدونهم في تأجيج روح الطائفية والفوضي. وما أغضب الثوار أكثر من ذلك هو اهانة أهالي قنا لثورة 52 يناير بقول أحد خطباء الجمعة الماضية ان مظاهرات التحرير وبها 2 مليون اسقطت النظام ونحن هنا في قنا 4 ملايين ولا نستطيع اسقاط المحافظ الجديد! وللأسف الشديد انخدع بسطاء قنا بتلك الشعارات وقال بعضهم انهم يعلنون قنا جمهورية اسلامية مستقلة عن الوطن! وفي تحد سافر للحكومة أعلنوا أنهم سيقطعون المياه عن محافظة البحر الأحمر وكأنه اعلان للحرب! بالفعل جميعنا يشعر بحزن شديد من أهالي قنا الطيبين المحبين لبلادهم.. وبعضنا يشعر بالمرارة من قيادتهم للثورة المضادة التي يزكيها هناك أشخاص معروفون بالاسم.. ومجموعة من السلفيين والوهابيين الذين رفعوا في تلك المظاهرات اعلام المملكة العربية السعودية في مشهد غريب علي المظاهرات في مصر عموماً. قرار حكومة د.عصام شرف بتجميد نشاط محافظ قنا الجديد لمدة ثلاثة شهور في رأيي جانبه الصواب لأن الحلول الوسط لا تجدي في هذه المواقف.. فأهالي قنا وان كان لهم حق الاعتراض والتظاهر إلا أن الاعتراض والتظاهر يجب أن يكون سلمياً تماماً كما حدث في ميدان التحرير وميادين مصر كلها أثناء الثورة.. أما قطع السكة الحديد والتهديد بقطع المياه عن محافظات أخري واعلان قيام جمهورية اسلامية مستقلة عن مصر كما فعل أهالي قنا فليس تظاهرا وإنما هو قضية أمن قومي كان الحزم مطلوباً في مواجهتها وليس الحل الوسط. السؤال الآن: ماذا ستفعل الحكومة بعد انقضاء فترة الشهور الثلاثة لتجميد محافظ قنا؟ هل ستمد المدة لثلاثة أشهر آخري؟ اعتقد أن حكومة د.شرف لم تتعامل مع قضية قنا بالحزم المطلوب. نعم التظاهر والاعتراض حق مشروع ولكن الانفصال والتخريب وقطع السكة الحديد.. جريمة.. ولكل جريمة عقاب. يا أهالي قنا.. لا تشعلوا النار ربنا.. قنا عذاب النار.